في ظل عدم وجود معارضة
التصعيد في الجنوب يتضمن كل العناصر التي تسمح لرئيس الوزراء بالعمل كما يحلو له دون معارضة ذات مغزى. استمرار نار الصواريخ على مدن اسرائيل، وهو عمل اجرامي جدير بالتنديد دون تحفظ، يجبي ثمنا باهظا من سكان الجنوب، بالاملاك والانفس، يشوش الحياة العادية في الدولة ويرفع مستوى الضغط على بنيامين نتنياهو لامطار غزة بذخيرة التدمير، لاعادة بناء "قدرة الردع" واحلال "تغيير في المعادلة".
الضغط ليس فقط من أحزاب اليمين، التي تفضل بشكل تقليدي الحلول المستندة الى القوة، او من أعضاء المجلس الوزاري والسباعية، الذين في معظمهم يمثلون مذاهب فكرية عدوانية. بل ان حزب المعارضة المركزي "كديما" الذي يفترض أن يشكل كابحا وحاجزا بين الحكومة وقرارات أجرها قد يضيع بخسارتها، يدفع نتنياهو نحو تحقيق التفوق العسكري لاسرائيل على حماس وباقي المنظمات في القطاع.
رئيس لجنة الخارجية والامن وعضو كديما، شاؤول موفاز، قال أمس ان "الدولة ملزمة بان توسع خطواتها حيال حماس وتدفع بالبنى التحتية الى الانهيار". يوحنان بلاسنر، القائم بأعمال رئيس كديما، وعد بان "اللجنة ستسند كل خطوة من الحكومة لاعادة ترميم الردع حيال حماس". بل ان رئيسة كديما، تسيبي لفني، ذهبت بعيدا فأعلنت أول أمس بانها ستسند حكومة نتنياهو اذا ما خرجت هذه الى حملة واسعة النطاق. وقالت: "الارهاب يجب قتاله بالقوة".
حقيقة أنه بين نتنياهو وبين اعادة تمثيل الحملة العسكرية العنيفة من العام 2008، "رصاص مصبوب"، لا يفصل أي محفل سياسي ذي مغزى، تدل على أن كديما، الذي يفترض به أن يقود المعارضة، يخون مهمته. ولكن الاهم من ذلك: هذا فراغ سياسي ينقل كامل المسؤولية الى شخص واحد فقط. بالذات لان كل الامكانيات مفتوحة امامه، ورغم ميله للخضوع لضغوط محافل سياسية، على رئيس وزراء اسرائيل أن يستخدم التفكر الاقصى وان يتصرف بضبط للنفس. مصلحة اسرائيل ليست في التطرف في جولة العنف الحالية بل في العمل بتوازن في ظل محاولة البحث والعثور عن نقاط التوافق التي ستحطم الدائرة الدموية التلقائية.
المعضلة المصرية
ميدان التحرير ليس وزارة الخارجية
(المضمون: الضغط الامريكي والتعقل المصري فعلا هذه المرة فعلهما. في المرة القادمة من شأن صوت الجمهور ان يكون أقوى وأعلى. إذ عندما يتعين على الجيش المصري او الحكومة المصرية ان يقررا اذا كانت مصلحتهما القومية توجد في السلام مع اسرائيل أم في السلام مع الجمهور، فان الجواب قد يكون مختلفا).
أفلام الفيديو القصيرة التي تنشر منذ أول أمس في الشبكات الاجتماعية، والتي يظهر فيها احمد شحاته، بطل "قصة العلم" وهو ينزع العلم الاسرائيلي من على مبنى السفارة في الجيزة؛ مطالبات أربعة مرشحين للرئاسة من المجلس العسكري الاعلى بطرد السفير الاسرائيلي واعادة السفير المصري الى القاهرة، منع ابحار السفن العسكرية الاسرائيلية في قناة السويس والغاء الاتفاقات التجارية؛ توجه قادة حركات الاحتجاج الى الحكومة المصرية "للقيام بما يلزم بتلقين درس لاسرائيل"؛ كل هذه يمكنها أن تخلق الانطباع بان العلاقات الاسرائيلية – المصرية توجد على شفا شرخ نهائي. الازمة بالفعل عميقة وهي تضع المجلس العسكري الاعلى والحكومة المصرية المؤقتة أمام ضغط هائل أبدت اسرائيل الرسمية تجاهه عدم حساسية هائلة. ولكن لا يدور الحديث عن شرخ، ليس حتى الان.
المعضلة المصرية ليست فقط في كيفية الرد على مقتل خمسة من رجال الجيش المصري بل ليس أقل من ذلك، من يقرر السياسة الخارجية لمصر. هل ميدان التحرير – كتعبير جماعي عن حركات الاحتجاج وجملة الاحزاب الجديدة التي نشأت في أعقاب الثورة – لن يكتفي بتغيير النظام وسيصيغ من الان فصاعدا المصالح الاستراتيجية والقومية للدولة، أم أنه سيسمح للنظام بان يقرر خطوطه الحمراء – القومية والاستراتيجية.
العملية في جنوب ايلات طرحت هذه المعضلة، التي انتظرت ظهورها في كل الاحوال، في مركز المسرح السياسي. البيانات المتضاربة للحكومة المصرية يوم السبت، والتي جاء في أول بيان لها قرار باعادة السفير المصري الى القاهرة وحسب البيانات اللاحقة تراجعت عن القرار، كانت المؤشرات الاولى للمعضلة.
أمس نشرت في صحف الحكومة، كـ "الاهرام" و "الاخبار" سلسلة من مقالات الرأي تلعب فيها جميعها بالطبع اسرائيل دور النجم كمجرمة مركزية يجب معاقبتها على قتل الجنود المصريين والمس بالسيادة المصرية. في جميعها تتهم اسرائيل كمن ترغب في استغلال "الضعف المصري" لتحقيق النقاط. ولكن أيا من هذه المقالات لا يدعو الى قطع العلاقات مع اسرائيل، الغاء اتفاقات كامب ديفيد، او اتخاذ اجراءات عسكرية. "هذا هو الوقت لتوحيد الصفوف، للتعالي عن الاعتبارات الحزبية للاتحاد خلف الجيش وقيادته كي نتمكن من صد مؤامرة العدو، ومحظور علينا السماح بشرخ بين الجيش والشعب... وبالاساس يجب ترميم وتطوير سيناء وطرح هذا المشروع على رأس سلم الاولويات"، كتب ياسر رزق في صحيفة "الاخبار".
الوحدة بين الشعب والجيش معناها في الخطاب الجديد ترك الجيش يقرر السياسة، على الاقل في هذه المرحلة، حتى اجراء انتخابات جديدة وعودة الجيش الى قواعده. جلال عارف، هو ايضا من صحيفة "الاخبار" يمنح الجيش تأييده لان "الجيش الذي حرر سيناء لن يترك لمصيرها السيادة الكاملة على أرض الأمة". أما محمد بركات فيطالب اسرائيل ليس فقط بالاعتذار، بل وبالاعلان بانها تتعهد الا يتكرر مثل هذا الحدث، وتشكيل لجنة تحقيق مشتركة مع مصر واتهام المذنبين.
هذه المقالات تعكس موقف النظام الحالي، وبموجبها على الاقل يمكن الاستنتاج بان النظام لا يعتزم تحويل هذا الحدث الى اختبار قوة حيال اسرائيل أو الى ترك حركات الاحتجاج تملي عليه السياسة الخارجية.
ولكن الخط الاحمر الذي يحد حدود التدخل الجماهيري في السياسة الخارجية المصرية هو الخط الاحمر المهدد الذي يجب أن يحذر اسرائيل. إذ بين الحكم المصري وجمهوره يجري حوار جديد ينصت فيه النظام ولا يملي فقط. حتى الان أبدى النظام مرونة وسخاء شديد تجاه حركات الاحتجاج وهكذا يعتزم مواصلة التصرف، وذلك للحفاظ على التأييد الجماهيري للجيش. العملية في الطريق الى ايلات، وفي أعقابها تصريحات وزير الدفاع ومسؤولين كبار آخرين عن اهمال مصر، وضعت القيادة العسكرية على مفترض طرق خطير ولا داعي له، يتعين عليها أن تختار فيه، خلافا لارادتها، بين مطالب جمهورها وبين اسرائيل. الضغط الامريكي والتعقل المصري فعلا هذه المرة فعلهما. في المرة القادمة من شأن صوت الجمهور ان يكون أقوى وأعلى. إذ عندما يتعين على الجيش المصري او الحكومة المصرية ان يقررا اذا كانت مصلحتهما القومية توجد في السلام مع اسرائيل أم في السلام مع الجمهور، فان الجواب قد يكون مختلفا.
الشتاء العربي: عصر عدم استقرار
(المضمون: يتوقع الكاتب أن تكون حدود اسرائيل الجنوبية الحدود الأسخن في القريب بعد ما جرى على مصر من تحول وتغيير، ولهذا ينبغي لاسرائيل ألا تتعجل بالانسحاب والمصالحة والتنازل).
قبل نصف سنة فقط تطلعت عيون العالم الحر في أمل نحو ميدان التحرير في القاهرة. فما كان يستطيع أي انسان باحث عن الحرية ألا يتمنى انتصار الديمقراطية على سلطة الاستبداد في القاهرة وتحول أكبر الدول العربية الى ثاني ديمقراطية في الشرق الاوسط. وكان يبدو قبل نصف سنة فقط أن العالم العربي كله ينتفض، ويسقط النظم الاستبدادية وينشيء بدلا منها ديمقراطية ليبرالية تقدس حرية الانسان وحقوقه. وقد أسمينا الانتفاضة الشعبية "الربيع العربي" وهذا اسم كله أمل.
مر نصف سنة وبدا الواقع مختلفا شيئا ما. فالزعماء الذين أخلوا اماكنهم هم المستبدون المستنيرون نسبيا الذين هم أكثر انفتاحا من نظرائهم، أعني اولئك الذين تجرأوا خلال السنين على فتح نافذة صغيرة يتنفس منها أبناء شعوبهم. إن الزعيمين الوحيدين اللذين سقط حكمهما حتى الآن هما رئيسا تونس ومصر. أما مستبدون طغاة بقدر أكبر كالقذافي والاسد فما يزالون يجلسون على كراسيهم ويذبحون آلافا من أبناء شعوبهم. بل إن الشعب لا يتجرأ على الانتفاض تحت سلطة استبداد حماس.
انحصر جُل الآمال في مصر زعيمة العالم العربي. من الصحيح الى اليوم أن عصبة عسكرية انشأها مبارك ورعاها، تحكم مصر بالقوة ومن المشكوك فيه كثيرا أن تدفع بالديمقراطية الى الأمام، ومصر تراوح بين دلائل على الفوضى ودلائل على الحكم المستبد. وعلامات الديمقراطية نادرة، واذا كانت شبه لعبة ديمقراطية فمن المعقول جدا ان نفترض ان يكون الاخوان المسلمون هم الرابحين الرئيسين من ذلك وهم الذين يصعب شيئا ما أن نظن فيهم ميلهم الى ديمقراطية ما. وفي خلال ذلك أخذت مصر تفقد بالفعل سيطرتها على سيناء التي قد تصبح ارضا مشاعا من جهة الحكم. إن الفوضى هي جنة عدن الارهاب، وقد تزهر فيها منظمات الارهاب الفلسطينية والاسلامية. وكما شهدنا في الايام الاخيرة قد يصبح حد السلام مع مصر أكثر الحدود تهديدا وخطرا في حدود اسرائيل.
مات السلام مع مصر مع موت السادات في سنة 1981، فقد مالت العلاقات بين اسرائيل ومصر في حكم مبارك الى حرب باردة أكثر من ان تميل الى سلام بارد. لكن بخلاف المواد المدنية من اتفاق السلام عن التطبيع والامتناع عن التحريض، والتي استخف بها مبارك وداسها بقدم شديدة الوطء، حرص بشدة على العناصر الامنية في الاتفاق وهكذا تم الحفاظ على هدوء شبه مطلق على الحدود بين الدولتين. ولم يعد هذا الاستقرار الامني موجودا منذ سقط مبارك. وقد أنذرت خمسة تفجيرات لأنبوب الغاز المصري بالعصر الجديد، وبلغ به الهجوم الارهابي في منطقة ايلات الى ذروته. لم يحترم مبارك اتفاق السلام مع اسرائيل، لكن أخشى أن نشتاق بعدُ الى الحرب الباردة التي ميزت العلاقات بين الدولتين في مدة حكمه.
إن ما كان يبدو قبل بضعة اشهر أنه "الربيع العربي" أخذ يبدو مثل شتاء قاسٍ. وستتميز المدة القريبة للأسف الشديد بعدم استقرار، والصواريخ التي أُطلقت على الجنوب من غزة هي مثال على ذلك فقط. فبازاء عدم الاستقرار هذا، يجب على اسرائيل أن تقي نفسها من مغامرات سياسية.
في الايام التي قد يصبح فيها شبه جزيرة سيناء عاصمة الارهاب الاسلامي وقد تصبح حدودنا مع سيناء حدود اسرائيل الأسخن، فسيحسن هنا أن نجمد التفكير بانسحاب وتنازلات ومصالحات تميز كثيرين منا، فليست هذه سبيل العيش في الحي الذي نعيش فيه.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها