يحيي أبناء شعبنا يوم غد الأربعاء، 15 تشرين الثاني، الذكرى التاسعة والعشرين لإعلان الاستقلال الفلسطيني.
وأعلن الشهيد ياسر عرفات يوم 15 تشرين الثاني 1988 في قصر الصنوبر بالعاصمة الجزائرية، قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وذلك في خطاب أمام المجلس الوطني الفلسطيني.
وما زالت الكلمات التي رددها الشهيد عرفات عند إعلان الاستقلال حاضرة في أذهان أبناء شعبنا، والتي قال فيها: "إن المجلس الوطني يعلن، باسم الله وباسم الشعب العربي الفلسطيني، قيام دولة فلسطين فوق أرضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف".
ونصت الوثيقة التي حررها الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش على "مواصلة النضال من أجل جلاء الاحتلال، وترسيخ السيادة والاستقلال".
وكان من أبرز فقرات وثيقة إعلان الاستقلال: " تهيب دولة فلسطين بالأمم المتحدة التي تتحمل مسؤولية خاصة تجاه الشعب العربي الفلسطيني ووطنه، وتهيب بشعوب العالم ودوله المحبة للسلام والحرية أن تعينها على تحقيق أهدافها، ووضع حد لمأساة شعبها، بتوفير الأمن له، وبالعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية".
وبعد إعلان الاستقلال، اعترفت العديد من دول العالم بدولة فلسطين أمام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة في 13 كانون أول من عام 1988، حيث وصل عدد الدول المعترفة إلى أكثر من 80 دولة عند نهاية العام ذاته.
إسرائيل من جانبها، رفضت القرار الفلسطيني، واستمرت بسياساتها المعادية والقمعية بحق أبناء شعبنا، وواصلت احتلالها للأرض الفلسطينية، وعملت جاهدة على فرض هيمنتها عليها بتهويدها، وعملت على بناء المزيد من المستوطنات عليها لتغيير الوقائع على الأرض في الضفة الغربية بما فيها القدس.
ومنذ ذلك اليوم، بدأ شعبنا عبر ممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير معركته لتحقيق تجسيد حلم الدولة على أرض الواقع باستخدام كل الوسائل النضالية المشروعة، وكانت عودة القيادة إلى أرض الوطن، وتأسيس السلطة الوطنية عام 1994 الخطوة الكبرى نحو تحقيق هذا الحلم، من خلال بناء المؤسسات الوطنية كامتداد لمؤسسات ودوائر المنظمة، لتشكل بذلك اللبنات الأساسية لبناء الدولة المستقلة المنشودة.
وحظيت الدولة الفلسطينية باعتراف العديد من الدول، فبعد أن ألقى عرفات خطاب الاستقلال في الجزائر وأمام الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة يوم 13 كانون الأول 1988 اعترفت أكثر من ثمانين دولة باستقلال فلسطين، وارتفع العدد لاحقاً إلى 139 دولة، بحسب وزارة الخارجية.
وأصبحت فلسطين دولة بصفة مراقب غير عضو في الأمم المتحدة يوم 29 تشرين الثاني 2012، إذ صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح رفع مستوى التمثيل الفلسطيني في المنظمة الدولية بعد أن صوتت 138 دولة لصالح مشروع القرار في حين عارضته تسع دول، وامتنعت عن التصويت 41 دولة.
ووافقت على الطلب الفلسطيني ثلاث من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي فرنسا وروسيا والصين، في حين عارضته الولايات المتحدة وامتنعت بريطانيا عن التصويت، أما الدول الثماني الأخرى التي رفضت القرار، فهي كندا وجمهورية التشيك وإسرائيل وجزر مارشال وميكرونيزيا وناورو وبالاو وبنما.
كما أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 أيلول 2015 بتصويت أغلبية أعضائها رفع علم فلسطين في المقر الرئيسي للمنظمة في نيويورك، لتكون المرة الأولى التي تقر فيها الجمعية رفع علم دولة مراقبة لا تتمتع بعضوية كاملة في المنظمة، وصوت لصالح مشروع القرار 119 دولة، فيما اعترضت ثماني دول، بينها الولايات المتحدة وإسرائيل، وتحفظت 45 دولة، بينها بريطانيا.
وحصلت فلسطين أيضا على عضوية مؤسسات تابعة للأمم المتحدة، وانضمت إلى معاهدات ومنظمات دولية بما فيها المحكمة الجنائية الدولية عام 2014.
ويوم 31 كانون أول 2014، استخدمت واشنطن، حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد مشروع قرار عربي ينص على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بنهاية عام 2017.
وحققت الدبلوماسية الفلسطينية انتصاراً أممياً أيضاً، بعد أن صادقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) يوم 18 تشرين الأول 2016 أثناء اجتماع في العاصمة الفرنسية باريس على قرار ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق، وصوتت 24 دولة لصالح القرار وامتنعت 26 عن التصويت، بينما عارضت القرار ست دول وتغيبت دولتان، وتم تقديمه من قبل سبع دول عربية، هي الجزائر ومصر ولبنان والمغرب وعمان وقطر والسودان.
وتواصل القيادة الفلسطينية العمل مع المجموعة العربية والعديد من الأصدقاء للذهاب لمجلس الأمن الدولي، لطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة ولمواجهة الاستيطان الإسرائيلي، الذي يمثل تهديداً حقيقياً لفرص السلام.
نجاحات دبلوماسية في المنظمات الدولية
واستطاعت فلسطين خلال الأعوام الأخيرة، ضمان مقعد لها داخل مؤسسات دولية، كان آخرها منظمة الشرطة الجنائية الدولية "إنتربول"، وكذلك انضمت إلى اتفاقية أغادير بما يتيح لفلسطين إمكانية استيراد المواد الخام ومكونات الإنتاج اللازمة للصناعة الفلسطينية من دول "أغادير"، وحصلت فلسطين على العضوية الكاملة في محكمة التحكيم الدائمة.
كما انضمت فلسطين رسمياً إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لتغير المناخ (UNFCCC)، وكذلك إلى مؤسسة الكومسات التعليمية، وإلى الجمعية العمومية لمنظمة عالم المهارات الدولي، وإلى منظمة الجمارك العالمية. ومطلع العام 2015 أصبحت فلسطين عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.
وفي كانون أول من العام 2014 وقع رئيس دولة فلسطين محمود عباس على وثيقة للانضمام إلى 20 منظمة ومعاهدة واتفاقية دولية، منها: محكمة الجنايات الدولية، والميثاق الممهد لعضوية فلسطين في ميثاق روما، والإعلان لقبول مادة 12 و13 لميثاق روما، وميثاق الحقوق السياسية للمرأة، وميثاق دفن المواد الصلبة والضارة في مناطق الدول خارج حدودها، وميثاق عدم سقوط جرائم الحرب بالتقادم، ومعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ومعاهدة الحد من الأسلحة التقليدية المحددة، ومعاهدة الحد من القنابل العنقودية، وبروتوكول 2 من مواثيق جينيف لعام 1949، وبروتوكول 3 من مواثيق جنيف عام 1949، وبروتوكول حماية الشخصيات الدولية، وميثاق الالتزام بتطبيق أحكام جرائم الحرب وضد الإنسانية، والإعلان عن دولة فلسطين دولة تلتزم بكل المواثيق والمؤسسات والأعراف الدولية.
وفي تشرين ثاني من العام 2017 وافقت الجمعية الدولية للمدعين العامين على طلب النيابة العامة لدولة فلسطين للانضمام إليها، كذلك قرر اتحاد الصحفيين الأوروبيين قبول نقابة الصحفيين الفلسطينيين عضواً مراقباً في الاتحاد، وانضمت فلسطين أيضا لإعلان ميثاق الطاقة الأوروبي، وإلى شبكة الدول الأورومتوسطية للشباب، وانضم نادي طهاة فلسطين إلى نادي الطهاة الدولي، وصادق مجلس إدارة معهد المواصفات والمقاييس للدول الإسلامية على انضمام مؤسسة المواصفات والمقاييس الفلسطينية إلى المعهد.
وفي نيسان من ال 2012، قبل صندوق النقد الدولي عضوية فلسطين في المعيار الخاص لنشر البيانات SDDS، وقبله بعام حصلت فلسطين على العضوية الكاملة في منظمة التربية والعلوم والثقافة "يونسكو"، وفي ذات العام أصبحت فلسطين عضوا في غرفة التجارة الدولية.
فلسطين كرست نفسها سياسيا
وقال المحلل السياسي د. عبد المجيد سويلم، إن فلسطين خلال العقود الثلاث الماضية، انتقلت من مواقع إلى أخرى جديدة ،ومن حالة بدايات ترسخ الحقوق الوطنية الفلسطينية في منظمات ومؤسسات المجتمع الدولي إلى التحول إلى حقيقة سياسية في هذا العصر، ففلسطين اليوم هي حقيقة سياسية موجودة في العالم أكثر من أي وقت مضى وربما تكون فلسطين كحقيقة سياسية أصبح وجودها راسخا أكثر من دولة الاحتلال نفسها.
وأضاف أن التحول من تعاطف دولي إلى اعتراف دولي والتحول من حالة الشعور الدولي بالمظلومية التي طالت الشعب الفلسطيني إلى الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال الوطني على أرضه هو تحول استراتيجي وأكبر تحول في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، ففلسطين رغم أنها لم تتجسد كحقيقة سيادية لكنها تجسدت كحقيقة سياسية أقوى من أي وقت مضى، ومشكلة إسرائيل أنها كانت تطمح لمنع تحول القضية الفلسطينية إلى حقيقة سياسية، لكنها فشلت، فيما نجحت فلسطين نجاحا باهرا.
وأضاف أن الدبلوماسية الفلسطينية كانت الأساس في هذا التحول والقدرة الفلسطينية على الاستفادة من الظروف الإقليمية والدولية وتسخيرها والاستفادة من الشرعية الدولية والقانون الدولي للتحول نحو هذه الحقيقة. وقال: يسجل لشعبنا وقيادته قدرته على قراءة الواقع واستثماره، والعمل والتفاعل معه وفق الشرعية الدولية ووفق القانون الدولي، وهذه هي قوة الموقف الفلسطيني، وهذا جاء من حنكة القيادة الفلسطينية وتناغمها مع القانون الدولي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها