ياسر عرفات كان رمز القضية الفلسطينية، وهب حياته وعمل من أجلها على مدار أربعة عقود، وذلك ‏لإيمانه بعدالة قضيته التي جعلته متمسك بها، حيث أعاد الفلسطينيين إلى خارطة العالم، كان ياسر ‏عرفات نموذجاً ثورياً فريداً، ارتبط اسمه بالقضية الفلسطينية وحمل هموم شعبه الفلسطينية أينما كان، ‏عاش آمالها ألامها وهو متجه ببوصلته باستمرار نحو القدس، حيث يرنو من بعيد إلى سمائها إلى ‏المسجد الأقصى إلى كنائسها وأسوارها وحاراتها التي عاش طفولته فيها. ‏

‏ ياسر عرفات يملك قدرات ذهنية عالية ويمتلك إرادة عالية في القتال والمناورات ويرفض الاستسلام ‏والتنازل. ‏

‏ كان أبو عمار يتمتع بفراسة وذاكرة قوية جداً تحفظ أصغر الأمور، ويتمتع بالحاسة السادسة بشكل ‏غريب وحدس أمني . ‏

كان ياسر عرفات يتمتع بالفراسة الشديدة والمعرفة بمخابر الرجال بطريقة لافته للانتباه، وعلى الرغم ‏من تمتعه بحنو وعطف ورقه كبيرة تجاه اسر الشهداء والجرحى والأطفال جمعياً، إلا انه يملك إرادة ‏صلبة وعزيمة قوية تمنعه من التنازل أو التفريط في المواقف الصعبة، ولم يفقد الأمل يوماً ما، بل ‏يستنهض شعبه بأشباله وزهراته، وهو بين التفاؤل والألم . ‏

لقد أصبحت الثورة الفلسطينية أكبر ثورة وأكبر حركة تحرر في العالم، وكوفية أبو عمار أصبحت ‏رمزاً للثورة العالمية ويرتديها الآن شباب العالم. ‏

‏ ياسر عرفات مقاتل مع المقاتلين، حيث لم يكن يرضي بأن يبقى في مكتبه بينما رفاق دربه ‏يخوضون المعارك، ولم يكن ينتظر أيضاً أن تصله تقارير المعارك الدائرة مع الجيش الإسرائيلي في ‏جنوب لبنان، بل كان يخترق الصفوف ويتوجه إلى الجنوب ليطلع على سير المعارك. ‏

لقد كان ياسر عرفات متفائلاً دائماً وفي أحلك الظروف، ولم ترتسم فوق جبينه ملامح التشاؤم بل ‏على العكس متفائلاً، وكلما زادت عليه الخطوب ازداد تفاؤلاً. ‏

‏ في كل يوم كان يكبر فيه ياسر عرفات، كانت تكبر الثورة وتضرب بجذورها في أعماق الأرض ‏الفلسطينية. ‏

‏ لقد قاد ياسر عرفات شعبه في مسيرة كفاحية طويلة من أجل إحقاق الحقوق الوطنية في العودة ‏وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف بأذن الله تعالى. ‏

‏ قضى ياسر عرفات حياة حافلة، كرس فيها كل لحظة من حياته من أجل فلسطين، وحملها معه إلى ‏الدول والقارات، والى عمق الرأي العام العالمي، فهو الفدائي الذي حمل روحه على راحته، وهو ‏السياسي الذي يتحدث عن عدالتها في المحافل الدولية والعربية والإسلامية، وهو الزعيم والقائد والرمز ‏الذي جمع كل التيارات والقوى الفلسطينية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية ومجالسها الفلسطينية، وهو الذي كرس الاحتكام إلى صندوق الاقتراح.‏

لقد ناضل ياسر عرفات يقاوم ويقاوم حتى الرمق الأخير، يناضل في كافة المحافل الدولية وينتقل من ‏قطر لأخر فلم يركن أو يعرف للمقاتل استراحة، حيث استطاع إعلاء صوت فلسطين في المحافل ‏الدولية. ‏

‏ لم يتوان ياسر عرفات عن تقديم يد العون لكل حركة تحرر وطني في العالم، ولم يتردد في تقديم ‏المساعدة لطالبها المستحق اعتقاداً منه أن ثورة فلسطين تمثل الثورة العربية التي تحمل رسالة إنسانية ‏وتؤدي واجبها لكل شعب مظلوم ومكافح لنيل استقلاله، لذا أحبته شعوب العالم المضطهدة واحترمته ‏وقدرت كفاحه لشجاعته وصدق مآربه. ‏

‏ عاش أبو عمار ناسكاً في مظهره، متقشفاً في حياته متواضعاً في مسلكه ، لا يستطيع أي إنسان أن ‏يوفي أبو عمار حقه لأننا نذهب إلى بيوتنا ونعيش نوعاً ما حياتنا، لكن أبو عمار يعيش حياة بسيطة ‏جداً وكادحة، يرضي بالقليل وليس له حياة خاصة، ينام أحيانا الساعة الثالثة فجراً وأحياناً يصلي ‏الفجر وينام حتى الساعة التاسعة صباحاً، حتى يجدد نشاطه وأحيانا يقتطف نصف ساعة أو ساعة ‏بعد الظهر ينام فيها. ‏

‏ قضى أبو عمار حياته ببذلة الكاكي والحطة والعقال، ولم يغير ولم يبدل هذا الزي، وهو لم يتناول ‏طعاماً أفخر مما يتاح لمتوسطي الدخل من الناس، ولم يسكن في قصور منيعة ولا حدائق معلقة، ‏ولم ينعم بحياة أسرية مستقرة، ولم يعيش كما يعيش الرجل العادي، لم يسع للمباهج التي يسعى لها ‏الرجل العادي، لذا فإن ياسر عرفات كان رجلاً للتاريخ، والتاريخ سيحكم عليه. ‏

‏ لقد عاش ياسر عرفات حياة كادحة نذر فيها نفسه للقضية الفلسطينية، فعلى الرغم من أنه كان في ‏إمكانه التمتع بما بين يديه من سلطة ومال، إلا إن انشغاله بقضيته التي حارب من أجلها سنين ‏طويلة، متنقلاً بين بلد وبلد منشغلاً بهمومه استحوذ على كل جوانب حياته بما فيها العائلية. ‏

‏ ياسر عرفات كان رجلاً بحجم وطن وشعب وقضية وعندما اسقط اسم فلسطين عن خارطة العالم، ‏كان هو خارطة – سياسية إنسانية ثابتة. ‏

عرف ياسر عرفات بين رفاقه بعطفه وحنوه الشديد عليهم ومتابعته الشديدة لشؤون حياتهم، وكان ‏دوماً يتحسس همومهم ولم يكن يدخر جهداً في رعاية أسر الشهداء والجرحى والأسرى خلال عمر ‏الثورة الطويل، وقد تبنى أبناء الشهداء الذين أطلق عليهم أبناء الصمود. ‏

‏ لقد كنت يا سيدي بوصلة النضال، والكوفية الهوية والعلم، ظاهرة نضالية من الصعب أن تتكرر ‏والشخصية الجامعة للفرقاء، الموحد لرؤياهم في اتجاه الدولة والقدس الشريف، كان الرقم الصعب، ‏والجبل الذي لا تهزه الرياح، حامل الراية التي لم تنكسر لها سارية  كان حارس حلم الأجيال في ‏الحرية والاستقلال والعودة والدولة، فإلى جنات الخلد يا شهيد فلسطين، يا رمز قضتينا. ‏

رحمك الله وأسكنك فسيح جناته

بقلم: عرابي كلوب