فى 40 دقيقة الرئيس "ابو مازن" خاض في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حرباً سياسياً بكلمات حكيمة ذات حنكة عنفوانية تعكس الواقع المستقبلي للخيارات التي ستتخذها القيادة الفلسطينية نتاج إغفال المجتمع الدولي عن كل ما ترتكبه اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني. خطابٌ مُحرجٌ بكلمات وجهت للمجتمع الدولي والعربي والإسرائيلي مطالبهم بأن يكون لهم موقف حقيقي، إما السلام والإستقرار بإعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه، أو اللجوء الى الضياع والهلاك ملمحاً بعدم إستعمال العنف أو الإرهاب، لأن الخيارات بعد ذلك ستصبح مفتوحة دون رجعة، أى بما معناه: "لا إحتلال بلا كلفة ولا سلطة بلا سلطة".
الرئيس أحسن أختيار الكلمات ونبه لعنصر التحذير من الحرب الدينية التي تُشعلها إسرائيل ليس من باب التهديد وإنما من أجل أن يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته الأخلاقية والمستقبلية لما سيترتب عليه مستقبلياً، فأنتقى الأسلوب الذي يفهمه المجتمع الدولي فخاطبهم بلغتهم ورسالتهم، وهذه حنكة وقوة وشجاعة الرئيس "ابو مازن"، شارحاً لهم في مطالبه العشر واقع حقيقي يعيشه الفلسطينيون كل يوم.
الرئيس أنتقى في خطابه الذكي والشجاع والموضوعي كلمات لقطع الذرائع الاسرائيلية على اي موقف لتبرير إجرائتها في فلسطين،فعملياً على الأرض إسرائيل لم تُبقى اى شيئ للسلطة لكي تقوم بها سوى فاتورة المقاصة التي في بعض المرات تقوم بإبتزاز القيادة الفلسطينية بها، وحتى أبسط الإشياء الإدارية الخدماتية فإن تغيير عنوان إقامة اي مواطن فلسطيني في بطاقته الشخصية لا تستطيع الداخلية الفلسطينية تغييرها الا بموافقة الجانب الإسرائيلي، فعملياً وعلى ارض الواقع اسرائيل تُسيطر على كافة مناحي الحياة وأبقت أجهزة السلطة ووزاراتها شكلياً.
بكلمات متوازنة وحكيمة أكد الرئيس على الخطوط الحمر وهي القدس المحتلة، مشدداً على أنها محتلة، وأن وصمة العار لصقت بالمجتمع الدولي وكأنه أراد أن يقول بأن الفرصة النهائية في ساحة الأمم المتحدة لكي تتحرك، وإلا فإنها ستتحمل ومعها الكل تبعات ما يحدث من تحويل الصراع الى ديني، وإطلاق عنان إسرائيل لتفعل ما تشاء دون ردع بحق الفلسطينيين، وبالتالي من يدفع ثمن هذا التسيب هو من يغمض عيونه عن ما يرتكبه الإحتلال من التضييق والإستمرار في بناء المستعمرات.
في كل مرة يُثبت الرئيس "ابو مازن" حنكته السياسية في كلماته أمام الأمم المتحدة ويزيدهم إحراجاً وتعرياً، ولكن هذه المرة سيكون لخطابه ردات فعل دولية من خلال التحرك الفوري على كافة المستويات، وهذا لا يُرضي إسرائيل، وربما سترتكب حماقات عدوانية من خلال الاستمرار في التضيق على عمل ونشاط السلطة الوطنية الفلسطينية من خلال إعاقة اي تطور تسعى اليه من أجل بناء الوطن والدولة، إن هذا الواقع لا يمكن أن يستمر والتحذيرات التي قيلت ليست من باب التهديدات، و إنما هي إنذارات لكي يكون هذا نداءً أخيراً للعالم الذي أصابه الجبن والخوف من القول لإسرائيل كفى، فكانت رسالته شامخاً "حراً أو ألا حر" .
بقلم : داود داود
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها