بقلم: بكر أبوبكر

مازال الشعب الفلسطيني والعديد من أحرار الامة يترقبون أن تصبح المصالحة حقيقة واقعة، فمنذ سنوات عشر وأكثر، أي منذ "الحسم العسكري" لحركة حماس في غزة (الانقلاب عام 2007) وحتى اليوم وقنبلة الانقلاب الذي أدى لانقسام مازالت شظاياها تصيب الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وفي سياق مختلف كليا عن انشقاقات واختلافات طالت الجسد الفلسطيني سواء منذ فترة الاحزاب إبان الاحتلال الانجليزي، او في إطار منظمة التحرير الفلسطينية وبروز كيانات "جبهة الرفض" أو "الفصائل العشرة" أو غيرها، حيث ان من مميزات الصراع الناجم عن الانقلاب (الحسم) أن ألقى بظلاله اجتماعيا وثقافيا وفكريا بعد أن كان مقتصرا بالخلافات أو الانشقاقات السابقة على البعد السياسي التنظيمي.

ان الانقسام اليوم يدمر النسيج المجتمعي كما يدمر الهدف والفكرة من الثورة او مفهوم الحرب الشعبية او الجهاد او المقاومة الشعبية أنظر لها كما تشاء، ومما لا شك فيه أن تعملق المصالح على حساب الفكرة وتعملق الارتباطات المصلحية السياسية على حساب الهدف قد لعبت برؤوس العديد الذين استأثروا وآثروا الجلوس على الكرسي وليذهب الشعب الى الجحيم!

ان مأساة الشعب الفلسطيني منذ مطلع القرن العشرين وحتى اليوم تتجلى في بعض المراحل بتحكم عقليات ذات حسابات خاطئة تلقي شباكها شرقا او غربا لعلها تجد ما يملأ له البطون، ولا تلتفت لحقيقة الصراع أو لمتطلبات المرحلة أو للشعب وتكاليف القضية الوطنية، وعندما بزغ فجر الثورة الفلسطينية الحديثة عام 1965 كان فجرا ضحوكا لأنه استفز في الفلسطينيين والأمة كل كوامن الرفض للواقع السلبي وكل كوامن الغضب والعمل والنضال لتنفجر فقط في وجه العدو الاوحد وهو المحتل لأرضنا.

ان تشتت الأهداف وانزياحها عن وحدانية العدو الأساسي بتفعيل القضايا الثانوية لتصبح أساسية اكراما لهيمنة واستبداد السلطان هنا او هناك تاتي في سياق التطبيل والتزمير المعهود للجوقات المستفيدة، والتي لطالما أسمتها الثورة الفلسطينية بالفئات المتسلقة والانتهازية في جسدنا، ولطالما كان لها في الحضارة العربية الاسلامية سياق الطعن في جسد الامة تحت مبررات كاذبة من الدفاع عنها.

ان الوحدة الوطنية الفلسطينية بتماسك شعبنا الفلسطيني بالداخل والخارج حول قضيته وحول فلسطين كلها لنا هو قائم، لا يحتاج لأحد اليوم أن يبعث فيه هذا الوعي، فلقد تم ذلك وأصبح يمثل حقيقة أن حيفا والقدس والرملة وطبريا وبئر السبع لاتختلف عن غزة ونابلس وقلقيلية ورفح والخليل سواء بسواء مهما تكرس الكيان الاسرائيلي بعنصريته وفظائعه وارهابه، وحتى مهما دعونا جميعا لحل الدولة الفلسطينية على جزء من أرض فلسطين.

اريد القول ان وحد الشعب جامعة مانعة ووحدة هدف الفصائل هي المشكلة، وان أسميناها الوحدة الوطنية، ونحن اليوم بعد مسيرة عذاب فلسطينية لسنوات عشر عجاف دامت اكثر من سنوات النبي يوسف عليه السلام السبع العجاف احوج ما نكون لتطبيق ما اتفقنا عليه يحدونا النظر في حقيقة المتغيرات الداهمة حولنا حيث الأمة بلا حول ولا قوة، ومن يتدخل فيها في شأننا انما يهدف لحصر الفائدة في نطاقة وحيزه بعيدا عن مركزية القضية.

حسنا فعلت حركة "فتح" بالاستجابة لحل اللجنة الادارية في غزة من قبل "حماس" وحسنا فعلت "حماس" بالاستجابة لمتطلبات الدخول في منطقة الحل لا الاغراق في منطقة الأنا المتضخمة أومنطقة التذبذب والمصالح المستحدثة والمحاور.

 وحسنا يفعلون بان يغلقوا أفواههم اليوم ويدعون العمل يثبت حسن النوايا والثقة والارادة، ولا نريد أن يستمر التيه الفلسطيني كما حصل في تيه بني اسرائيل القبيلة العربية اليمنية المنقرضة لأربعين عاما انقضت ومضت.

ان الشعب الفلسطيني كما ظل يردد القائد الفذ ياسر عرفات أكبر من قيادته، بل واوعى منها في كثير من المراحل، وعليه فإن استجابة القيادات السياسية لمتطلبات الشعب هو تصويب للمسيرة وتعديل لمؤشر البوصلة الذي يجب أن يشير لكعبة نضالنا وهي فلسطين.