نعرف سيدي الرئيس، أنَّنا في صحيفة الحياة الجديدة، لسانُ حال المشروع الوطني التحرُّري، بقيادته الشرعية التي تمثِّلها وتترأسها وتتقدَّم صفوفها مناضلاً يقتحم أصعب الساحات، ويخوض أعقد المواجهات وأكثرها التباسًا، وبنص الخطاب الوطني، الذي لا يقبل تأويلاً ولا تفكيكًا يمكن أن يحرِّف معانيه وتطلُّعاته، أو يشكِّك بها، نعرف سيدي الرئيس أنَّك صاحب هذا النص الذي يناهض غايات الاستهلاك الشعبوية، ولا يرضى بغير كلمة الحق بقوة مصداقيتها، وشجاعة صراحتها المكلفة أحيانًا، لأنَّ الخارجين عن الصف الوطني كارهون للحق وكلمته، فيحاولون تشويهًا لهذه الكلمة، لا مصير له غير الازدراء والسقوط المخزي، ولأنَّنا نعرف ذلك وبشرط المهنية وأخلاقياتها، لا نتقدَّم ولن نتقدَّم على نص الخطاب الوطني، وبقدر ما نثق به وبصواب رؤياه وبرامج عمله، بقدر ما ندرك أنَّه النص الذي يحرِّض دومًا على الكلمة الشجاعة، التي تظل دائمًا ضرورة تقدُّم وتطوُّر. والكلمة الشجاعة في اللحظة الراهنة تدعونا أن نقول وبمنتهى الوضوح إنَّ حركة "حماس" بعد بيان القيادي الحمساوي صلاح البردويل، ليست في وارد التصالح وإنهاء الانقسام أبدًا...!! وبيان البردويل هو بيان المكتب السياسي لحماس، لا لأنَّ البردويل عضو في هذا المكتب فحسب، وإنَّما لأنَّ صياغته أساسًا تدل على توافق أعضائه على هذا الموقف من حيث التشبُّث بنفس الكلمات والذرائع "والمطالب" التي ناورت بها "حماس" طوال الفترة الماضية، بل هي ذات اللغة المخاتلة التي واصلتها طوال سنوات الحوار الوطني، لكي لا تصل إلى أي شكل من أشكال المصالحة.
"حماس" سيدي الرئيس، لا تريد إنهاء الانقسام، بل إنَّها تعمل في كلِّ خطوة تخطوها على تكريسه، لأنَّ هدف الإمارة غايتها الكبرى، ومبرِّر وجودها، ولأنَّ المخططات الإقليمية المشبوهة تريدها كذلك، وعلى هذا الأساس تواصل تمويلها، و"حماس" لا تملك قرارها وهذه هي طامتها الكبرى، ومعضلتها التي لا تريد مواجهتها..!!
نعرف أنَّ كلَّ هذا الأمر لا يغيب عنك سيدي الرئيس، ونعرف حرصك الوطني وإصرارك على مواصلة المحاولة مع حركة "حماس" عبر الحوار وأخلاقياته الوطنية، لعلَّها تُمسك بطوق النجاة الوطني، وكنتَ أنتَ سيدي الرئيس من أدخلها النظام السياسي الفلسطيني، لتمضي في دروب النضال والديمقراطية والعمل البنَّاء، مع الكلِّ الوطني في أُطُره الشرعية، وندرك ونرى أنَّ انتصار القدس والأقصى، قد عزَّز لديك الأمل بتفتُّح وعي وطني لدى "حماس"، فاستقبلت وفدًا منها في مقر الرئاسة، وقدَّمت إلى جانب ما قدَّمت من أجل المصالحة الوطنية، وتعزيز انتصار المرابطين في القدس العاصمة، مبادرةً مُخلِصة لطيِّ صفحة الانقسام البغيض فورًا ومن دون الرجوع إلى تفاصيل المربّع الأول ومناكفاته، لكنَّ "حماس" في بيان البردويل عادت إلى ذات لغتها بالغة الإفك والتلفيق والتزوير والمخاتلة، ما يؤكِّد أنَّها ليست في وارد أيّة مراجعة تُنهي الانقسام، ولا بأيِّ شكلٍ من الأشكال، الأمر الذي يجعل من المعالجات الموجعة والجراحات العميقة لاستئصال ورم الانقسام الخبيث ضرورة ملحّة في اللحظة الوطنية الراهنة، لحماية المشروع الوطني، ومن أجل التقدُّم به نحو تحقيق أهدافه الاستراتيجية، واسمح لنا سيدي الرئيس أن نردِّد ما تمناهُ عليكَ شاعرنا الكبير محمود درويش ذات مرة أن تكون أقل ديمقراطية رجاءً، وإنَّها المفارقة الفلسطينية البليغة حيث الشاعر يطالب بشرط الحكم الصارم، والقائد يصر على التفهم الديمقراطي، ويرفض صرامة الحاكم حتى مع توغّل المعارضة في مواقف الاعتراض العدمية وحسابات المصالح الضيِّقة، نرجوك سيدي الرئيس، ونتمنّى عليك الحسم الذي آن أوانه، إذ لا شيء سيُحرِّض "حماس" ويدفع بها إلى المصالحة الوطنية التي تُنهي الانقسام مرة وإلى الأبد، بعد معركة القدس ونداء الوحدة الذي أطلقته خلالها، لا شيء سيُحرِّضها على الوحدة، ومعركة القدس كانت المحرِّض الأكبر على الوحدة والتصالح، بل إنِّها كانت الفرصة التاريخية أمام "حماس"، لتعود إلى الرشد الوطني، وقد ضيَّعتْها بمكابرات لُغتها المخاتلة وادّعاءاتها الفارغة.. نأملُ صادقين أن نكون على خطأ، في تقديراتنا، ولك الأمر سيدي الرئيس، والقرار قرارك.
رئيس تحرير صحيفة "الحياة الجديدة" محمود أبو الهيجاء
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها