ما زال ذاك السؤال الذي سألته للممرض ممدوح دحادحة في ذهني يتردد كلما خطرت إيمان على بالي! ماذا نفعل لكي تبتسم؟ أو ليشعر رامي أنه مثل غيره من الأطفال؛ يستطيع أن يلامس السماء بمجرد التفكير بذلك.

ايمان اتخذت من مستشفى البحريني للأطفال في مجمع فلسطين الطبي مسكنا لها منذ أن ولدت! لأنها ولدت مصابة بشلل في الرئتين، أما رامي جارها المؤقت فيعاني من نوبات صرع حادة.

تفاعل رامي تدريجيا مع عزت وداود، تناساه المرض لبضع دقائق من المرح والتهريج كانت كفيلة بأن تجعله يبستم ويصفق، أما ايمان فلم تحرك ساكنا، ويعود السؤال من جديد، كيف تبتسم ايمان؟ وعند ايمان انتهت جولة عزت وداود في المستشفى.

وخز الابر يضحك !

بوصولهما للمستشفى البحريني، بدأت جولة عزت وداود -الطبيبان المهرّجان في مؤسسة الأنوف الحمراء في فلسطين، بأخذ كشف لأسماء المرضى وحالتهم المرضية والنفسية وهذا ما أكده سامر مخلوف مدير عام المؤسسة في فلسطين : من المهم أن يعرف الطبيب المهرج كل الحالات المرضية التي ينوي زيارتها، مراعاة لظروف مرضه وحالته النفسية، ثم ارتديا زي المهرج، وأخذا يتنقلان بين غرف الأطفال المرضى، وهما يحملان ألعابا وآلات موسيقية، ويقومان بالتهريج والرقص والغناء ليرسما البسمة على شفاه الأطفال وذويهم، وهذا جزء مهم من العلاج كما وصفه الطبيب المهرج داود توتح :" نعمل على تغيير جو المريض وأهله ونخفف عن أذهانهم صعوبة يومهم لنساعد في عملية العلاج، فالكثير من المرضى تحسنت حالتهم بعد زيارتهم لأكثر من مرة، وهذا ما أكده طارق الزبون وهو المدير الفني لمؤسسة الأنوف الحمراء في فلسطين هناك أطفال يمتنعون عن الأكل، وآخرين يرفضون العلاج الكيماوي وأخذ الإبر لذلك دورنا أن نجعل الطفل يأكل ويأخذ الإبر وهو يضحك؛ فكما يتذكر الزبون أنهم دخلوا في تحدي مع الأطباء للتعامل مع طفلة لا تتحرك ولا تتكلم ولا تعطي أي ردة فعل ونجحوا في ذلك بعد أن قامت الطفلة من سريرها لتلعب معهم.

سيرك صغير

أثناء الجولة تحول المستشفى الى سيرك مصغر، فأصوات عزت وداود وحركاتهما هي سيدة الموقف، فتختفي الكآبة ويتكسر والملل والروتين الذي يفرضه الجو العام للمستشفى، وترتسم البسمة على شفاه المرضى وذويهم والأطباء والممرضين وأمن المستشفى فيقول عزت النتشة: " الهدف الأول لنا هو تغيير الجو العام للمستشفى وكسر الملل والضغط والروتين ".

العجز والوجع !

ويلقى عزت وداود استحسان كبير من الأطفال وذويهم، فمنهم من ينتظر موعد زيارتهم بفارغ الصبر فيقول عزت:" يوجد أطفال خاصة في قسمي " السرطان والكلى " تربطنا معهم علاقة إنسانية أكبر فنحن نتعامل معهم منذ أكثر من عام، فتجدهم ينتظرون قدومنا ويسألون الاطباء عنا في اليوم الذي نتأخر فيه عن موعدنا "وهنا تظهر العلاقة الانسانية القوية التي تزداد مع كل زيارة للأطفال المرضى، والتي تنعكس على إحساس كل من عزت وداود فتارة يشعرون بالفخر والفرح لأنهم كانوا سببا في علاجهم وتارة يشعرون بالوجع لأنهم عجزوا أن يقدموا لهم شئ ومنهم من يفارق الحياة!  فيقول داود " احيانا اشعر بالاختناق فهناك اطفال حالتهم المرضية صعبة جدا واعمل ما استطيع لكي ارسم الابتسامة على وجوههم لكن عندما نعود اليهم نجدهم قد فارقوا الحياة !

ويؤمن الأطباء بالطبيب المهرج وقدراته لما للحالة النفسية من أهمية في العلاج، فتقول الدكتورة مريم بصير مديرة جناح الأطفال في مجمع فلسطين الطبي: "الضحك يقلل من الألم عن طريق إفراز الأندروفين وهو مسكن للألم في الجسم ويعزز الجهاز المناعي ويجعل الأطفال خاصة المصابين بأمراض مزمنة يتقبلوا العلاج والاطباء، ويعزز عندهم الثقة أنهم كغيرهم من الأطفال يستطيعون اللعب مؤكدة على أهمية تكثيف الزيارات الى المستشفى".

 الضحك أفضل دواء

من جانبها قالت الأخصائية النفسية والاجتماعية في المركز الفلسطيني للارشاد جميلة أبو نمر: “الأطفال لديهم صورة نمطية في مخيلتهم عن الأطباء والمستشفيات ووخز الإبر والأدوية ومن الممكن أن يدخل الطفل بسببها في حالة من الاكتئاب، لذا يساعد الطبيب المهرج الطفل على نسيان مرضه ويغير سلوكه ويطرد من داخله الشعور بالخوف والقلق من الأطباء والمستشفى. واستندت "أبو نمر" إلى القول المأثور " الضحك أفضل دواء " لتعبر عن أهمية العمل الذي يقوم به الطبيب المهرج.

 والجدير بالذكر أن مؤسسة الأنوف الحمراء تأسست في فلسطين منذ 3 سنوات لتكون الاولى من نوعها في الشرق الأوسط، وهي فرع لمؤسسة عالمية في النمسا، وهي فكرة قديمة تقوم على التهريج والضحك كأداة مساعدة للعلاج التقليدي، يوجد في المؤسسة 14 طبيبا مهرجا مدربون على يد خبراء في مستشفيات أوروبية، والمؤسسة مرخصة من وزارة الصحة وتشمل الزيارات جميع المستشفيات الحكومية في الضفة مثل مجمع فلسطين الطبي في رام الله والمطلع ومستشفى الخليل وبيت جالا بمعدل زيارة واحدة كل أسبوع .