رسمت فلسطين ملامحها في وجهها، وتركت حزنها ومأساتها تنساب مع شجن وعذوبة حنجرتها، لتنقل هذه الشابة ذات السبعة عشر ربيعاً حكايات وقصص الوطن السليب الذي لن ييأس طالما بقي أبناؤه متمسكين به. إنها الفنانة ميرنا ناصر عيسى ابنة حطين المولودة في عين الحلوة، التي لم يغادرها وطنها يوماً وإن كانت تعيش بعيدة عنه.
حوار: ولاء رشيد
كيف اكتشفتِ موهبتك، ومن أين بدأت مسيرتك الفنية؟
في صِغَري كنتُ أغني دائماً في الاحتفالات المدرسية، وغالباً ما كان زملائي يخبرونني ويخبرون والدي عن مدى جمال صوتي. ولكن موضوع الغناء لم يُثار حتى ذكرى النكبة، حين أُقيمت مسيرة العودة إلى الشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلَّة عند مارون الراس. ويومها كنت برفقة والدي، وقد علقَت بذهني صورة الشهداء التي آلمتني كثيراً. وعندها قرَّرت أنا ووالدي أن نقوم بإعداد أغنية لشهداء مارون الراس تخليداً وتكريماً لذكراهم. فتحدَّث أبي إلى الشاعر محمد قادرية، الذي تولَّى كتابة الكلمات، وهكذا خرجت بأول أغنياتي تحت عنوان "يا بلادي" التي كانت من توزيع والحان فادي زيدان. وهذه كانت الخطوة الأولى التي مهَّدت لي الطريق نحو إنتاج وتصوير ثلاث عشرة أغنية وطنية أخرى قمت بها.
كيف كانت ردة فعل عائلتك عندما أبديت رغبتك بالغناء؟
رحبَّت عائلتي برغبتي في الغناء كثيراً خاصةً أنني اخترت اللون الوطني. وقد كان والدي أكبر داعم لي، بدليل أنه حالياً يشرف بنفسه على تصوير أغنياتي ومتابعة إنتاجها. كذلك فأخي علاء هو مسؤول صفحتي على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وهو يتولَّى الإعلان عن أنشطتي وتحميل كل مادة جديدة لي.
هل كان لممارستك هذه الهواية أي تأثير على دراستك؟
لم تؤثر ممارستي للغناء على دراستي، لأنني عرفت كيف أوازن بينهما، حيثُ إنني لا أقوم بتصوير وإعداد الأغاني خلال الفصل الدراسي. وأنا انوي أن أواصل الغناء واستكمل تعليمي الجامعي في الوقت نفسه لأرفع اسم بلدي مرتين.
من الجلي التزامك بخط الأغنية الوطنية وهو ما تحرصين على إظهاره من خلال ارتدائك الدائم للملابس الفلسطينية التراثية والرمزية في جميع إطلالاتك. فما هو سبب التزامك بهذا اللون؟ وهل تعتزمين التمسُّك به؟
منذُ اللحظة الأولى التي قرَّرت فيها الغناء كان هدفي إيصال صوتي وصوت شعبي، لأقول بأننا شعب يحب الحياة ويستحقها، ولأنقل مأساة شعبنا وقصة عذابه. كذلك أنا فأنا أغني لأقول للعالم حولنا إننا نحن الفلسطينيين مبدعون ولدينا من المواهب الكثير ولسنا مجرد حالة مأساوية أو ضحايا فحسب، وإنما نحن قادرون على العطاء والإبداع كغيرنا من الشعوب وإن لم يكن أكثر. ولهذا فرسالتي ستبقى واحدة ولن أحيد عن الأغاني الوطنية الملتزمة التي اعتبر أنني اخدم شعبي من خلالها، لأن الغناء هو شكل من أشكال النضال.
عم تتمحور أغنياتك؟ وما هي أبرز مشاركاتك الفنية؟
في رصيدي أربع عشرة أغنية تتحدَّث عن فلسطين بكل تجلِّياتها. فأغنية حمامة فلسطينية أخاطب من خلالها الفتاة الفلسطينية لكي أقول أن الفتاة أيضاً بمقدورها الوقوف في وجه العدو. أمَّا أغنية شعب الجبارين فقد أعددتها من أجل ذكرى الشهيد الرئيس أبو عمار حيثُ إن الأغنية تتضمن الكثير من العبارات التي كان يقولها الشهيد. كذلك أتحدَّث في أغانٍ أخرى عن فلسطين ومدنها وعن أبطال الميدان الشباب الفلسطينيين وبطولاتهم وقوتهم.
وبالنسبة لمشاركاتي الفنية، فقد شاركت في العديد من المناسبات الوطنية، وكان أول حفل لي في قاعة زياد الأطرش بعين الحلوة في ذكرى النكبة. كما غنيت في ذكرى استشهاد الرئيس أبو عمار في بلدية صيدا العام الماضي، وقدَّمت أغنية خلال مسرحية "كان يوم ذاك طفلاً" في مؤسسة غسان كنفاني، كما غنَّيت في حفل افتتاح مركز أطباء بلا حدود في عين الحلوة.
وهل من جديد لديك؟
حصل والدي منذ فترة على كلمات أغنية وطنية جديدة ولم يبقَ سوى أن نتم تلحينها وتوزيعها وتصويرها لاحقاً.
كفنانة فلسطينية مولودة في المخيم، ما هي أبرز الصعوبات التي واجهتك ولا زلت تواجهينها؟
لا شكَّ أن بعض الصعوبات قد واجهتني وواجهت عائلتي، حيثُ إنني كنت أول فتاة من مخيم عين الحلوة تقوم بالغناء، لذا فبعض المحيطين بنا في المخيم استغربوا ذلك ولاموا أبي بعض الشيء. ولكن مع الوقت عرف الناس أنني لا أفعل شيئاً خاطئاً وإنما أغني لأرفع اسم بلدي عالياً.
كذلك فكفنانة فلسطينية كان لابدَّ لي من مواجهة بعض المشاكل حيثُ أنني لا أحظى بأي دعم، وأبي هو من يغطي تكاليف إنتاج أغنياتي، ما يجبرني على تسجيلها في استوديوهات غير مزوَّدة بكافة التقنيات الفنية المتطورة اللازمة. والمشكلة تكمن في أن قبول رعاية شخص أو جهة معينة لك يعني أنك محسوب عليها وهذا ما جعلني ارفض أحياناً عرض جهات معينة. حتى أن إحدى الفرق عرضت علي أن أكون عضواً فيها ولكنني لم أوافق خشية أن يتعارض جدول أعمال الفرقة مع دراستي، كما أن الفنان عمار حسن كان قد نصح أبي عندما زارنا في إحدى المرَّات، بألَّا يوافق على انضمامي لأي فرقة لأن صوتي "يحتاج لأن يتألَّق" على حد تعبيره.
كذلك فقد تمَّت محاربتي على صعيد المخيم حيثُ حاول البعض سرقة أغنية من أغنياتي في إحدى المرات، وفي مرة أخرى كنت قد دُعيت لإحياء حفل في غزة أنا والفنانة ميس شلش وفرقة عشاق الأقصى ورغم تأكيد منظمي الاحتفال أنهم أرسلوا لي الدعوة، إلا أن شيئاً لم يصلني وكأن الدعوة تبخَّرت أو ضاعت، هذا عدا عن العديد من المواقف التي حدثت معي.
من جهة ثانية، ولأنني أحس بمعاناة الفنان الفلسطيني فقد أنشأت حملة داعمة للفنان الفلسطيني محمد عساف لأنه ابن بلدي ولأنه أوصل بصوته قضيتنا الفلسطينية وأثبت أنه يستحق الفوز.
هل من رسالة أخيرة توجِّهينها للقراء؟
أتوجَّه إلى الشعب الفلسطيني أينما كان لأقول له أنه علينا أن نكون يداً واحدة لندحر الاحتلال، لأن وحدتنا هي السلاح الأقوى في وجه المحتل الغاصب. كما أرجو الشفاء للجرحى وفك الأسر لأسرانا البواسل، وأتمنَّى أن يجمعني الله بكل فلسطيني داخل وخارج فلسطين لنطأ معاً أرض فلسطين الحرَّة المستقلّة وترابها الغالي.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها