يصادف يوم غدٍ الجمعة، الثاني عشر من آب، الذكرى الـ40 لمذبحة "تل الزعتر".
بعد النكبة، ونتيجة تجمع عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، أقيمت مجموعة من المخيمات لإيوائهم، ومن ضمن هذه المخيمات: مخيم تل الزعتر الذي أقيم عام 1949، في شمال شرق بيروت، حيث تسيطر الأطراف المسيحية، وأقيم المخيم على مساحة ألف دونم "كيلو متر مربع".
ومنذ عام 1975، بعد بداية الحرب الأهلية، حدثت احتكاكات كثيرة متفرقة بين القوات اللبنانية "المسيحية المارونية"، والفلسطينيين، وفي إحدى هذه المناوشات، عثر على أربعة جثث لأعضاء من الكتائب المارونية، فبدأت المليشيات المسيحية بوضع نقاط تفتيش في مرفأ بيروت، وقتلت المئات من فلسطينيين ولبنانيين على هذه النقاط، وكان القتل يتم على الهوية، ونتيجة ذلك اندلعت اشتباكات عنيفة أدت إلى انقسام بيروت إلى شرقية وغربية، وبشكل مفصل أكثر، الشرقية خاضعة للمسيحيين والغربية مختلطة مع أكثرية إسلامية، أما المنطقة الشرقية من بيروت فكانت محاطة بمخيمات فلسطينية.
في 18 كانون ثاني 1976، قامت الميليشيات المسيحية باقتحام منطقة "الكرنتينا" ذات الأغلبية المسلمة، والواقعة تحت سيطرة منظمة التحرير الفلسطينية، ويسكنها أكراد، وسوريون، وفلسطينيون، وقتلت المليشيات المسيحية 1500 من سكان تلك المنطقة
بعد تلك الحادثة، فرضت القوات اللبنانية المسيحية المارونية الحصار على مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين، والذي بدأ في شهر كانون الثاني 1976، ولكن المسألة لم تقف عند الحصار، فقد بدأت القوات المارونية بشن هجوم على المخيم في 22 حزيران من العام ذاته، بعد ستة أشهر من الحصار، وشمل الهجوم أيضاً مخيم جسر الباشا وحي التبعة اللبناني، نُفذ الهجوم بالصواريخ والقذائف، التي ساقطت كالمطر "دون مبالغة" على المخيم من الفجر إلى غياب الشمس على مدى اثنين وخمسين يومًا متتالية، وقدر الخبراء عدد تلك القذائف بـ 55 ألف قذيفة.
وتمكنت القوات اللبنانية من اقتحام مخيم جسر الباشا وحي التبعة في نهاية تموز 1976، وارتكبوا جرائم إبادة، وتمكنت قوة الردع العربية من عقد اتفاق بين القوات اللبنانية والمقاتلين الفلسطينيين يقضي بخروج المدنيين والمقاتلين من المخيم لتتكفل بهم قوة الردع العربية والصليب الأحمر اللذان سيزودانهم بوسائل النقل اللازمة.
في السابع من آب 1976، غدرت القوات المارونية اللبنانية بالفلسطينيين الذين كانوا متحصنين في تل الزعتر، وذلك عندما فتحت ميليشيات القوات اللبنانية المسيحية المارونية النار على جميع سكان تل الزعتر، وهم يغادرون المخيم عزلا من السلاح وفقا للاتفاق، فقتلوا بضعة مئات، ودخلت مجموعة من القوات اللبنانية إلى داخل المخيم، وأخذوا في إطلاق النار على كل من يصادفونه، وقامت مجموعة أخرى بإيقاف الناقلات التي تراكم فيها الناجون على الحواجز المنصوبة على الطرقات، ويقتلون من بداخلها بطرق بوحشية أو يقتادونهم إلى جهات مجهولة، أحد شهود العيان قال "إنه شاهدهم يربطون شاباً بين شاحنتين وكل شاحنة مشت في اتجاه".
في أواخر حزيران من العام ذاته، بدأ حصار مخيم تل الزعتر من الجيش السوري، والقوات المارونية اللبنانية، التي تتألف من: حزب الكتائب بزعامة بيير الجميل، وميليشيا النمور التابعة لحزب الوطنيين الأحرار بزعامة كميل شمعون، وميليشيا جيش تحرير زغرتا بزعامة طوني فرنجيه، وميليشيا حراس الأرز، وكان يقطن في المخيم 20 ألف فلسطيني، و15 ألف لبناني مسلم، وبلغت شدة الحصار أن طلب سكان المخيم فتوى من الشيوخ تحلل لهم أكل جثث الشهداء حتى لا يموتوا جوعاً.
في 14 آب، سقط مخيم تل الزعتر، فدخلته الكتائب وارتكبت فيه عملية إبادة، وبقر لبطون الحوامل وهتك للأعراض عدا عن ذبح الأطفال والنساء والشيوخ، وحدث الشيء نفسه في مخيم جسر الباشا ومنطقة "الكارنتينا".
قدر عدد الشهداء في المذبحة بثلاثة آلاف فلسطيني، ويذكر عدة مؤرخين من بينهم اليهودي إسرائيل شاحاك وآخرين بأنه خلال الحصار حظيت القوات المسيحية بدعم كامل من إسرائيل وأمريكا.
بعد المجزرة قامت الجرافات التابعة للقوات اللبنانية بتسوية المخيم بالأرض، وما زال الدمار في المخيم قائمًا إلى اليوم ولا يسمح بإعادة بنائه، وتشتت سكان تل الزعتر في عدد من المناطق اللبنانية خاصة البقاع وبعلبك، ثم انتقلوا إلى منطقة الدامور الساحلية القريبة من بيروت؛ إلا أنهم هجروا منها مرة أخرى بعد الاجتياح الإسرائيلي، وانتهى بهم الأمر أن أقاموا مساكن من صفائح التنك على أرض مجاورة لمخيم البداوي وأطلقوا على المخيم الجديد اسم "مخيم تل الزعتر" باعتبار أن سكانه من مهجري تل الزعتر، ويسكن في هذا المخيم بحسب تقدير السكان ما يقارب من ثلاثة آلاف شخص، ولا تعترف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين"الأونروا" بهذا المخيم، بحجة أنها ولا تستطيع أن تقدم خدماتها، إلا لذلك المخيم الشرعي المهدوم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها