فداء الرويضي- هي فتاة في الثامنة عشر من عمرها، نحيلة الجسد سمراء البشرة، نادرا ما تراها بدون كوفيتها التي تتوشح بها منذ دخولها العالم الجامعي، بعد أن انهت دراستها الثانوية التحقت بجامعة فلسطين الأهلية في بيت لحم، اختارت تخصص المحاسبة، ومنذ أيامها الأولى في الجامعة انضمت لأخوات دلال المغربي لتكون عضو في اللجنة، هي المقدسية دانا رويضي.
كانت تساعد الطلبة في بداية عامهم الدراسي ترشدهم على كيفية التسجيل، وتشارك في المناسبات الوطنية التي تحيها الجامعة وغيرها..، قبل أسابيع وبعد فوز الشبيبة الفتحاوية في الجامعة، رشح اسمها ضمن 33 اسم لاستلام مناصب المجلس "رئاسة المجلس، النائب، رئيس اللجنة مالية... الخ"، وبعد انتخابات داخلية أعلن عنها لتكون رئيسة لمجلس الطلبة الذي لطالما غابت المرأة عن تولي إدارته.
تقول دانا : "لم أكن أتوقع يوما أن أكون مسؤولة عن طلاب الجامعة جميعهم، منذ استلامي رئاسة المجلس بدأت أرسم المخططات في رأسي لألبي احتياجات ما يزيد عن ألفين طالب وطالبة".
وتضيف:" منذ أن أعلن أني سأستلم رئاسة المجلس دعمني الكثيرون، وباتت تصلني رسائل من أماكن مختلفة حتى من غزة ومن أشخاص لا أعرفهم دعموا الفكرة وأمنوا بوصولي الى هذا المكان، حتى حراس الجامعة هنؤوني وفرحوا لي، على الجهة الأخرى كان هناك معارضين ليس لشخصي انما لفكرة تولي فتاة هذا المنصب، لكنهم كانوا الفئة الأقل، رأيت منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي "كيف لها أن تحل مشاكلنا، كيف لفتاة أن تأخذ مطالبنا الى الادارة وتصارع لتحقيقها" لم يهمني كلامهم كثيرا فسأثبت لهم أن الفتاة تستطيع أن تفعل أكثر ما يمكن أن يتصوره عقلهم الصغير".
تقول دانا:" "حققتي حلمي" كانت هذه من أكثر الكلمات التي أثرت بي وأشعرتني بحجم المسؤولية، وصلتني هذه الرسالة من أكثر من فتاة، وسأتلي عليك رسالة من هؤلاء الرسال:" يمكن فرحت أكتر منك لانتخابك رئيسة لمجلس اتحاد الطلبة، مع إني ما بعرفك ولا بتعرفيني، من زمان ناضلت لتوصل صبية لهالمنصب، كنت عام 1997 مسؤولة لجنة أخوات دلال بالجامعة، بس ما قدرت أصير مسؤولة أو منسقة للشبيبة، حققتي حلمي".
"روحي اطبخي أحسنلك"
التجربة التي ستخوضها دانا عاشتها بهادر رزق الله قبل ثلاث سنوات، فكانت رئيسة مجلس طلبة جامعة القدس المفتوحة "طولكرم"، وبقيت في هذا المنصب لمدة سنتين ونصف، هي الفتاة القوية الطموحة الصابرة المثابرة، بعد وفاة والدتها كانت ابنة الثامنة عشر ربيعا تركت دراستها لتعتني بإخوتها وبعد عامين التحقت بجامعة القدس المفتوحة، ودرست العلوم المالية والمصرفية.
تقول بهادر الصعوبات التي واجهتها في حياتي خلقت مني انسانة ناجحة قادرة على تحمل المسؤولية، كان علي النجاح مع عائلتي وفي دراستي وعلي أن أقود رئاسة مجلس الطلبة، تجربتي في رئاسة المجلس لم يكن طريقها مفروشا بالورود، فكوننا نعيش في مجتمع ذكوري ينظر للمرأة على أنها أقل من الرجل، ودائما على الفتاة أن تعمل ضعف الشاب لتثبت نفسها، لذلك كان بعض شباب الجامعة متخوفين من فكرة أن تكون رئيستهم فتاة".
تضيف بهادر:"بعض الشبان كانوا يحاولون ازعاجي كوني فتاة، وكانوا يستخفون بأي نشاط أقوم به، هذه الفئة لا تستوعب أن تكون المرأة على رأس الهرم، كون رئاسة المجلس أعلى الهرم في الجامعة، كنت أملك الأسلوب والكفاءة لتحقيق المطالب العادلة للطلبة، رغم ما كان يثار حولي من هؤلاء الشبان لطلبة الجامعة " ماذا ستفعل هذه؟، لا تستطيع أن تحقق لكم شيئا" لكني في كل مرة كنت أثبت لهم عكس ما يتوقعونه، وبعدها استحالة أن يقولو أني حققت".
"روحي أطبخي أحسنلك" أحدهم قال لبهادر ذلك، فقالت:" بكل فخر أطبخ، وأغسل، وأقوم بكل الواجبات المنزلي، وأرسل إخوتي الى مدارسهم وجامعاتهم ثم أتي الى الجامعة لأتولى مهامي في رئاسة المجلس، هم نفسهم لا يستيطعون القيام بكل ذلك".
وجهت بهادر رسالة الى الإعلام:" الجميع تناول قضيتي كوني فتاة ووصلت الى رئاسة المجلس، لكن لا أحد منهم تابع ماذا فعلت في هذه الفترة وماذا حققت للطلبة، أدعوهم الى متابعة مثل هذه النماذج لتشجيع الفتيات على خوض هذه التجربة التي كنت سعيدة بها، على هذه التجربة أن تدعم من كل الجهات لأنها تستحق، ولأن الفتاة تستطيع أن تصنع المستحيل".
أين المرأة من الأدوار القيادية؟
وعن قلة تواجد المرأة في رئاسة مجلس الطلبة، التقينا لمى غوشة التي وثقت تاريخ الحركة الطلابية في جامعة بيرزيت في فيلم تحت عنوان "رجعوا التلمذة" وناقشت فيه تأثير الأحزاب السياسية على الحركة الطلابية وتأثرها بالأحزاب، وكذلك دور المرأة في الحراك الطلابي.
تقول لمى ":" مشاركة الأنثى في الحركات الطلابية كانت قليلة جدا وتحديدا في جامعة بيرزيت، ويعود ذلك الى أسباب عدة منها: قلة رغية النساء في المشاركة بالعمل السياسي، لأنه يحتاج الى متطلبات لا يتقبلها المجتمع الفلسطيني كونه مجتمع ذكوري كحل مشكلات تتطلب ساعات طويلة كالمبيت في الجامعة او البقاء لساعات الليل".
وقد وثقت لمى في فيلمها "رجعوا التلامذة" تجربة أول رئيسة فتاة لمجلس طلبة جامعة بيرزيت عام 1978 وهي الهام خوري، فتم توليها المنصب بعد تعرض الكثير من رؤوساء المجالس للإعتقال، وكانت تملك المؤهلات الكافية لاستلامه.
تضيف لمى:" داخل أحزاب الجامعة تتولى الفتاة مناصب مختلفة، لكن لا يوجد لديها الجراءة الكافية لتكون في موقع القيادة، أما إذا بدأت الفتاة تفكر بطريقة مختلفة ولديها حب وشغف لتكون في هذا المكان فإنها حتما ستلاقي الدعم، ولدينا نماذج في هذه الفترة كلينا خطاب في جامعة بيرزيت التي تلاقي التفاف من الوسط الجامعي حولها، ودانا رويضي التي استلمت رئاسة مجلس طلبة جامعة فلسطين الأهلية ولاقت دعم كبير، وهذا مؤشر أن النساء يحاولن استرجاع هذا الدور القيادي في الجامعات.
46 "مع" المرأة و 18 "ضد"
وفي استفتاء سريع على مواقع التواصل الإجتماعي تحت سؤال "مع أو ضد أن تتولى المرأة رئاسة مجلس الطلبة؟" تنوعت الإجابات بين من أيد وعارض ومنهم من قلب الموضوع الى "موضوع ديني" وأخرون اعترضوا على السؤال من أساسه ومنهم من جرح المرأة وأهانها بكلماته.
64 شخصا أجابوا على السؤال منهم 43 فتاة و 21 شاب، وكانت الإجابات كالتالي:
34 مرأة من أصل 43 أجابوا بأنهم "مع"تولي المرأة لرئاسة المجلس، و 9 كانوا "ضد" تولي المرأة للمجلس.
ومن أصل 21 شاب أجابوا على السؤال، 12 منهم كانوا "مع" تولي المرأة لرئاسة المجلس، و9 "ضد".
"السياسة للنسوان تياسة"، "المرأة بطبيعتها ترجح العاطفة على العقل" ، "ناقصات عقل ودين"، "تشتغل ببيتها أحسنلها"، كانت هذه أبرز التعليقات التي أنقصت من قيمة المرأة في تولي المناصب القيادية كمنصب رئاسة المجلس، ومن أبرز الإجابات على هذه التعليقات:" يرضع الطفل من امه حتى يشبع وبينقص الكالسيوم من عظامها يوجع أسنانها و بضل قلقانه لحتى يكبر ويصير زلمه ! وبعدها بحط رجل ع رجل و بصير يحكي المرأه بنص عقل !! عمرك سألت حالك عقلك انت كيف اكتمل ؟ اكتمل من غذاء صاحبة العقل الناقص".
ولكل من قال أنها "لا تستطيع" عليهم أن يقرأوا التاريخ جيدا، واليكم نموذج من تاريخنا الفلسطيني:
دلال المغربي "رئيسة مجموعة لتنفيذ عملية فدائية"
"دلال المغربي"، كيف نذكر اسمها دون أن نستذكر عملية كمال عدوان، تلك الفتاة الفلسطينية التي ولدت في إحدى مخيمات بيروت بعد أن لجأت عائلتها من يافا في أعقاب النكبة، كانت ابنة العشرين ربيعا حين قادت مجموعة "دير ياسين" وهي المجموعة التي نفذت عملية "كمال عدوان"، ووضع خطتها خليل الوزير "أبو جهاد".
في 11 مارس عام 1978، انطلقت المجموعة من لبنان باتجاه فلسطين، باتوا في عرض البحر ليلة كاملة، ثم وصلوا الى الشارع العام في "تل أبيب"، احتجزوا حافلتين ووصل عدد الرهائن داخلهما الى 68 رهينة، وكانت دلال خلال الرحلة تطلق النيران مع فرقتها على جميع السيارات العسكرية التي تمر بقربها مما أوقع مئات الإصابات في صفوف جنود الاحتلال.
"نحن لا نريد قتلكم نحن نحتجزكم فقط كرهائن لنخلص إخواننا المعتقلين في سجون دولتكم المزعومة من براثن الأسر" هكذا خاطبت دلال الرهائن ، ثم أخرجت من حقيبتها علم فلسطين وقبلته بكل خشوع ثم علقته داخل الحافلة وهي تردد: "بلادي … بلادي لكِ حبي وفؤادي، فلسطين يا أرض الجدود إليك لابد أن نعود".
وحدات كبيرة من الدبابات وطائرات الهليوكوبتر برئاسة "باراك" لاحقوا حافلة المجموعة إلى أن تم إيقافها وتعطيلها وهناك اندلعت حرب حقيقية بين “دلال” والقوات الإسرائيلية.
استشهدت دلال المغربي بعد أن كبدت جيش الاحتلال حوالي 30 قتيلا وأكثر من 80 جريحًا، كرقم أعلنته قوات الاحتلال، ووقع أحد المقاومين في الأسر متأثرًا بجراحه، فأقبلت قوات الاحتلال على الأسير الجريح تسأله عن قائد المجموعة فأشار بيده إلى "دلال"، لم يصدق "إيهود براك" أن كل هذه العملية تقوم بها هذه الفتاة العشرينية، فأعاد سؤاله على الأسير الجريح مهددًا ومتوعدًا فكرر الأسير قوله "إنها دلال المغربي"، فاقبل عليها “باراك” يشدها من شعرها ويركلها بقدمه ويمثل بجثتها.
تركت دلال وصيتها والتي قالت فيها "وصيتي لكم أيها الإخوة حملة البنادق تبدأ بتجميد التناقضات الثانوية وتصعيد التناقض الرئيسي ضد العدو الصهيوني وتوجيه البنادق كل البنادق نحو العدو الصهيوني، استقلالية القرار الفلسطيني تحميه بنادق الثوار المستمرة لكل الفصائل أقولها لإخواني جميعًا أينما تواجدوا الاستمرار بنفس الطريق الذي سلكناه".
كتب نزار قباني مقالاَ بعد العملية قال فيه: "إن دلال أقامت الجمهورية الفلسطينية ورفعت العلم الفلسطيني، ليس المهم كم عمر هذه الجمهورية، المهم أن العلم الفلسطيني ارتفع في عمق الأرض المحتلة، على طريق طوله (95)كم في الخط الرئيسي في فلسطين".
إذن هي دلال المغربي التي رفعت العلم الفلسطيني في عمق الأرض المحتلة، وهي ليلى خالد هاوية خطف طائرات العدو، هي وفاء ادريس التي غرست أظافرها في وجه جندي على حاجز سردا، وهي فدوى طوقان شغفها الشعر، هي الوزيرة لعبتها السياسة، هي المقاومة حزام نأسف على جسدها النحيل ينفجر بلحظات في وجه من استوطن الأرض واغتصب الوطن، هي المعتقلة، وهي الشهيدة، هي الصحفية الحاضرة في الميدان الملتهب لنقل الحدث، وهي معلمة تدرس الأجيال، هي تدافع عن موكلها أمام القاضي، أو لربما هي القاضية التي تحكم بين الناس بالعدل، هي مديرة احدى الشركات، أو محاسبة في إحدى البنوك، هي طالبة جامعية تطمح لأن تكون، وهي مصممة أزياء أو خياطة تحيك الملابس، هي الحاجة التي تبيع بضعا من الخضراوات على الرصيف، هي المهندسة، وهي الدكتورة الجامعية التي تناقش وتجادل، هي التي تحمل أعباء المنزل فوق ظهرها، هي التي تعمل بوظيفتين داخل البيت وخارجه، أو لربما تكون هي رئيسة مجلس الطلبة في إحدى الجامعات.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها