مريم فتح الله، التي تعرف باسم «أم أكرم»، هُجّرت من قرية الزيب قضاء عكا إلى مدينة صور في الجنوب اللبناني وهي في الثامنة عشر من عمرها إبان «النكبة»، ومن ثم إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين بمدينة صيدا، لتبدأ بذلك رحلة المعاناة التي عاشتها مع اللاجئين الذين هجّرهم الاحتلال من قراهم في فلسطين.

 بدت ملامح الحنين إلى الوطن واضحة على وجه السيدة الفلسطينية مريم فتح الله السعدي من مخيم عين الحلوة في مدينة صيدا بلبنان، لدى وصولها إلى مدينة الولايات المتحدة الأميركية مطلع شهر نيسان المنصرم، لتنطلق بجولة تجوب الولايات الأميركية وكندا، ترافقها فيها الشابة الفلسطينية آمنة الأشقر (22 عامًا) من مخيم برج البراجنة ببيروت، للتعريف بالقضية الفلسطينية وأحداث النكبة ومعاناة اللاجئين الفلسطينيين.

تبلغ «أم أكرم» اليوم 86 عامًا، ولم يمنعها ذلك من معاناة إضافية لسفرها البري عبر المدن الأميركية والكندية كمشاركة رئيسية في «جولة النكبة»، التي تنظمها كل من «حركة فلسطين حرة»، و«حركة التضامن الدولي في شمال كاليفورنيا»، وترافقها فيها آمنة الأشقر، بالتزامن مع مرور 68 عامًا على النكبة.

يتنقل المشاركون في «جولة النكبة» من مدينة إلى أخرى، ومن ولاية إلى أخرى، تستضيفهم فيها عائلات صديقة للمبيت في منازلهم، ويمضون معظم أوقاتهم في ندوات ومحاضرات أمام جمهور يأتون من عدة أماكن، للاستماع إلى ما تقولانه أم أكرم وآمنة الأشقر عن النكبة ومعاناة اللاجئين، وليتعمقوا في مجريات الأمور وظروفها.

يقول بول لارودي، أحد مسؤولي حركة التضامن الدولية، ومنسق «جولة النكبة»، أن الأميركيين هم ضحايا للبروبغاندا الصهيونية، وهذا يجعلهم يصدقون أشياء غريبة حول «إسرائيل»، حيث تنفق المؤسسة الصهيونية مبالغ باهظة في سبيل إيهام المجتمع الأميركي بأن «إسرائيل» هي دولة مسالمة ولها الحق في الوجود، وأن الفلسطينيين هم إرهابيون يحاولون تدميرها بسبب أفكار عنصرية.

ويضيف:" الحقيقة هي عدو «إسرائيل»، ولهذا السبب علينا أن نستخدمها قدر المستطاع، فمعظم الأميركيين لا يعرفون شيئًا عن النكبة، وعن اللاجئين الفلسطينيين، ونحن هنا لنعرّفهم بذلك".

أما عن العقبات التي واجهت «جولة النكبة»، فكان لمعارضة بعض المستضيفين للمواد التي سيتم الحديث عنها النصيب الأكبر، مطالبين المشاركين في الجولة بعدم الحديث عن الأمور الجوهرية التي أتوا من أجلها، كمثل ما حدث في جامعة ستانفورد.

تقول آمنة الأشقر :" كان من المفترض أن نلقي محاضرة في جامعة ستانفورد، برعاية منظمة «طلاب من أجل العدالة في فلسطين»، ولكن بعض أعضاء المنظمة رفضوا أن أتكلم بصدق عن مشاعري ومشاعر الآلاف من اللاجئيين الفلسطينيين المحرومين في مخيمات اللجوء وأوضاعهم، وأن أتكلم عن النكبة، وحول «الحق في الوجود» الذي تدّعيه إسرائيل".

وتضيف: " لقد احتجّوا أيضًا على وجود الكاتبة البريطانية المناهضة للصهيونية أليسون ويرد، والتي كانت ترافقنا في الجولة، متهمين إياها بمعاداة الساميّة، وبالتالي اتخذت قرارًا بالانسحاب من حرم الجامعة وعدم الحديث بتاتًا".

لا مثيل لجولة بالسيارة في أنحاء أميركا الشمالية، يتعرف خلالها المشاركون على جغرافية الأماكن، والأقاليم، في الوقت الذي يشعرون فيه بتضارب الثقافات والحنين إلى منازلهم، لا سيما وأنهم لم يغادروا لبنان قطّ طيلة حياتهم، فيبدو الأمر صعبًا عليهم.

أوضح بول لارودي، أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان هم بطرق عديدة في أسوأ حال، وبالتالي فإنهم أفضل مثال لعرضه على الأميركيين، كما أن الأميركيين المتعاطفين مع فلسطين غالبًا يفكرون بالفلسطينيين الذين يعيشون تحت السيطرة الإسرائيلية في فلسطين، ولا يفهمون أنه هنالك عدد كبير من الفلسطينيين لا يعيش في فلسطين.

ويضيف: "هؤلاء اللاجئون ليس لديهم مصلحة في «حل الدولتين»، لأنه لا يقدم أي تغيير في وضعهم، ومعظمهم يرفضون حتى استخدام اسم «إسرائيل» او «الإسرائيليين». وجهة نظرهم هي أن أرضهم وحقوقهم يجب أن تُعاد بالكامل، وهم ليسوا مستعدين لتقديم حل وسط مع الناس الذين سرقوا أرضهم وطردوها منهم".

ويشير لارودي، إلى أن الجولة تهدف إلى "تعريف الأميركيين إلى وجهة النظر هذه، وليس فقط وجهة نظر الفلسطينيين الذين هم على استعداد لتقديم تنازلات من أجل إنقاذ ما تبقى من أراضيهم، فإذا كان هنالك من يريد صنع السلام، فنحن نعتقد أن جميع وجهات النظر الفلسطينية يجب أن تُسمع، لأنه بخلاف ذلك فإن الملايين لن يكون لهم صوت في المناقشات."

«جولة النكبة» والتي سوف تستمر حتى مطلع شهر يونيو المقبل، لم تخلُ من المرح والترفيه بالرغم من العقبات التي تواجهها، فقد زار المشاركون مدينة «ديزني لاند» الترفيهية، وتوقفوا عند حديقة «جراند كانيون»، التي تعتبر أحيانًا من عجائب الدنيا السبع، وإلى العديد من الأماكن والمزارات التي تضفي السعادة في قلوب المشاركين.