بريشة وشيء من الألوان، اتسعت لوحاته بالوطن المرمي في الرغبة ، المتحرش بأداة المناداة الخفية، والمنسوجة في الروح بحبلها السري، لوحة قد تكون إلى يافا المغروسة في جرح الابتعاد، أو إلى غزة المحاصرة بوجع الاجتثاث، أو إلى المنافي الباردة في صفير الانتظار، أو إلى الذات الفلسطينية الباحثة عن حلمها السرمدي في مأذنة الناصرة، وأسوار عكا والنشيد الطويل.

الفنان محمد السمهوري، أراد أن يرصع حبّه الكبير لوطنه، بعيداً عن المقالة والقصة والرواية، والقصيدة، بل أراد أن يبحر في ألوان واضحة، لتعبر عنه بعد أن تسبح على لوحة أو قطعة قماش، لتسافر كأي مسافر يفتش في عناوينه القديمة، يقول السمهوري معرضي "سمكة بألوان كثيرة" شغب عايشني قرابة السنتين، ما كان لي القدرة على طمسه في هاجس اللاممكن، فكان أقرب إلى الوجود، بمكان اسميته بعض من بيتي هو رام الله، واستعدت من أجل اللوحات إرادة لا تقهر، فكانت رنة المأساة بيافا حاضرة بضجيجها، كما كان وخز غزة في ضلوعي يرشدني إلى قلبي لكي يتألم ويحبس سمكة بألوان كثيرة، وهي قرى أهلي القدماء، رغم عبرية صاخبة في شوارع تعانق الشمس اليوم، ولكن الدليل أنها لأهلي سمكة بألوان كثيرة، فكان معرضي الأول، في وطني، بعد أن غردت منفرداً في المنافي، ببعض ما لدي من أجنحة، ووضعت دمعاتي بألواني في أول معرض دلهم علي في الشارقة، دولة الإمارات العربية المتحدة، من عام 2008، ومن ثم حطت ألواني بلوحاتها في بيروت عام 2010، لأصل بسمكتي وألوانها الكثيرة إلى مدينة رام الله، أو نافذة الروح إلى وطني.

ويضيف السمهوري :" لوحاتي من حفر بأحبار وجرائد كانت مسار سمكة مكبلة أمام جدار الفصل العنصري، وكانت في الثلاثين بعد الثماني لوحة تعلق شغف حنيني على جدران المعرض، المقام منذ الخامس عشر من حزيران في مؤسسة عبد المحسن القطان، المصيون، رام الله ، والمارون عليه مثلي يلبسهم وطن يعيش فينا ، ونحاول أن نفتح له باب الحرية.

لم تكن سمكتي بعيدة عن غزة بل أردتها من بحرها، بعد أن استعانت السماء مراراً بطائر لا يتعب من أعمال مبدعة لكثيرين، فأردتها سمكة ومحاصرة لما يعنيه واقعنا اليوم في غزة، وأتيت بالسمكة المحاصرة لأضعها أمام الجدار العازل، لكي تقول الألوان ما لا أحبّ.

محمد السمهوري، الفنان الفلسطيني الذي عاش بين المنافي الباردة وبعض البيت، يبدع في حبّه لوطنه، سواء أكان بحبر ينزف في مقالة أو رواية أو قصة، أو لوحة تحفر وتنتصر بألوانها .