بيان صادر عن قيادة حركة فتح – إقليم لبنان
يا جماهير شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات ...
يا ابناء امتنا العربية والاسلامية في كل أرجاء المعمورة ..
أيها الصامدون في معتقلات الاحتلال الصهيوني وزنازينه ..
يا أبناء هبة الاقصى ومقاومتها الباسلة في بقاع الوطن..
يا أهالي الشهداء والجرحى، دماء أبنائكم وأرواح شهدائكم ترسمُ ملامحَ الوطن المتألق في سماء الحرية والمجد والعزة..
تحتفل حركة فتح بذكرى انطلاقتها الواحدة والخمسين، إنطلاقة الثورة الفلسطينية عنوان هويتنا الوطنية والنضالية، والمدافعة عن حقوقنا وتقرير مصيرنا، والحافظة لتراثنا وانجازاتنا التاريخية.
إن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح بكل مكوناتها واطرها، وقواعدها في الوطن والشتات، وفي هذا اليوم المشهود، وهذه الليلة المباركة فإنها تؤكد تمسكها بمدرسة الثوابت الوطنية وهي التي أسسها الشهيد الرمز ياسر عرفات، ورعاها طوال حياته بحكمته وشجاعته وخبرته السياسية، وأهَّلها لأن تبقى طليعة الحركة الوطنية الفلسطينية، والعمود الفقري لمنظمة التحرير الفلسطينية. لقد أثبتت حركة فتح قدرتها على تحمُّل الأمانة في الحفاظ على مسيرة الثورة الفلسطينية بعيداً عن التبعية، والوصاية، والارتهان، والتمسك بالقرار الفلسطيني المستقل، ورفض كل محاولات وأشكال الهيمنة والتدجين والمساومة.
إنَّ قيادة حركة فتح التي تمردت على حياة الخيام واللجوء والضياع ، وتلاقت لتصنع تنظيماً وطنياً ثورياً قادراً على الانطلاق، والاستمرار، والاستفادة من التجارب السياسية المحيطة، ودراسة الخيارات الممكنة، وأختيار المبادىء والأهداف والبرامج السياسية والتنظمية الكفيلة باستنهاض الشعب الفلسطيني بعد تداعيات النكبة ومآسيها التي شردت شعبنا، وألقتْ به في مخيمات البؤس والضياع وفقدان الهوية، والتعرض لمختلف أشكال الضغوطات الامنية والنفسية والاجتماعية بهدف نزع القضية الوطنية من عقله ووجدانه.
لقد تمكنت قيادة حركة فتح من وضع اللبنات التأسيسية لهذه الحركة الرائدة في العام 1957 – 1959، وهذه المرحلة شهدت تأسيساً تنظيمياً على يدي ثلة قيادية تقدمها الرمز ياسر عرفات، وخليل الوزير ابو جهاد، وصلاح خلف، وخالد الحسن وآخرون.
وما إن حل العام 1964 حتى استكملت الحركة بناء المجموعات العسكرية ،والخلايا التنظيمية، واخذت قرارها التاريخي بتنفيذ العملية العسكرية الاولى للحركة في 1/1/1965 بمهاجمة خزان عيلبون المخصص لجر مياه نهر الاردن الى داخل الاراضي المحتلة وانعاش المستوطنات، وكانت هذه العملية رسالة عنيفة وواضحة الى الاحتلال بأَننا قد بدأنا عصراً جديداً، عصر حرب التحرير الشعبية، والكفاح المسلح وإزالة الاحتلال، واستعادة الهوية الوطنية الفلسطينية والكيانية السياسية التي استهدفها الاحتلال لتضييع الحقوق الفلسطينية.
أنَّ حركة فتح التي أسسها وقادها الشهيد ياسر عرفات، ووضع ركائزها وقواعدها، وصقل مفاهيمها وصان انجازاتها، جاء بعده الرئيس أبو مازن صاحب الارث النضالي والتجربة الغنية ليكمل مسيرة سلفه الراحل ،ويصون الثوابت الوطنية التي ضحى من أجلها أبو عمار، وعاش من أجلها نصف قرن، ثم وضعها في أيدٍ أمينة.
 إن استشهاد ياسر عرفات المؤسس، وأبو الوطنية الفلسطينية، وصاحب الرمزية، والقادر على اتخاذ القرار الصعب في السلم والحرب، والذي يصنع من الهزيمة إنتصاراً، شكَّل استشهاده وغيابه عبئاً وحملاً ثقيلاً على من جاء بعده، خاصة ان تجربة حصار ياسر عرفات في المقاطعة حوالي ثلاث سنوات حملت العديد من الرسائل المستقبلية، سواء أكان الامر يتعلق بالعدو الإسرائيلي وارتكاب جريمة قتل ياسر عرفات، أم ما كان يتعلق بالدول العربية التي قاطعته وهو على فراش المرض والموت.
لقد تحمَّل الرئيس أبو مازن مسؤولياته بأمانة واقتدار، وقاد المركب الفلسطيني في ظل الأمواج المتلاطمة، وجود الاحتلال الإسرائيلي الجاثم على صدر الشعب الفلسطيني، والانحياز الاميركي وبعض الدول الاوروبية، والصمت العربي.
ورغم التحديات الدولية، والتعقيدات الاقليمية، والأوضاع الداخلية الفلسطينية، إلاَّ أنه استطاع أن يشقَّ الطريق بأقلِّ الخسائر نحو إزالة الاحتلال، وتحقيق الاستقلال. وهنا لابد من التوقف أمام العديد من المحطات، والانجازات، والمواقف، والتصورات وأهمها:
أولاً: لقد تعاطى الرئيس أبو مازن مع معضلة الانقسام بمسؤولية عالية، فهو تعالى على الجراح، وأصرَّ على الحوار الجاد مع حركة حماس بمشاركة كافة الفصائل، وتم التوصل إلى إتفاقات موقَّعة من الجميع، وبشهادة الجميع، وتحتاج فقط إلى التنفيذ العملي، فقيادةالحركة التزمت بتشكيل حكومة الوفاق الفلسطينية والتي اتفق على أنَّ دورها هو إعادة الأعمار، وتوحيد المؤسسات، والأهم الاعداد للانتخابات على إختلافها خلال ستة شهور من اجل إعطاء الفرصة للشعب الفلسطيني كي يختار قيادته على طريق تحقيق مصيره. والاصرار على الانقسام هو جوهر المعضلة الفلسطينية لانه هو السبب في غياب الوحدة الوطنية، والمانع لرسم أي استراتيجية موحدة ضد الاحتلال، لأنَّ العدو الاسرائيلي يعيش على تداعيات الانقسام في الساحة.
إنَّ حركة فتح قدمت كل ماهو مطلوب منها من اجل إنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية، وتبقى المسؤولية على الكل الوطني لوضع الوثائق الموقعة موضع التنفيذ والاَّ فإنَّ الحريق سيطال الجميع.
ثانياً: إن حركة فتح تتألم للواقع الذي يعيشه اهلنا الصابرون الصامدون في قطاع غزة الحبيب، فإضافة الى الحصار الذي يفرضه العدو الاسرائيلي هناك المعاناة الداخلية الاقتصادية والاجتماعية، والامنية، وعملية الدخول والخروج من والى القطاع، والثمن الباهظ الذي يدفعه الاهالي، ولا شك انه بالإمكان حل مشكلة المعبر من خلال تسليم حكومة الوفاق وحرس الرئاسة المسؤولية لإقناع الجانب المصري بتسهيل الأمور، لأن الحكومة المصرية لا تتعاطى مع أحزاب وفصائل وانما مع حكومة رسمية. والحكومة الفلسطينية تسعى باستمرار لتزويد القطاع بما يحتاج ضمن إمكانياتها، ولا تنسى ان 54 % من موازنة السلطة يتم دفعها لقطاع غزة، والسلطة تدفع الرواتب لكافة الموظفين في قطاع غزة. اما موظفو حماس فهناك ألية منطقية تم التفاهم عليها، وهناك لجنة ادارية، مالية، فنية متخصصة معنية بدراسة ذاتيات هؤلاء الموظفين، والموضوع ينتظر موافقة قيادة حركة حماس.
ثالثاً: إنّ قيادة "م.ت.ف" قد حددت وجهتها بالنسبة للعلاقة مع سلطات الاحتلال، وتأكد ذلك في مقررات المجلس المركزي الذي انعقد مؤخراً، والتي أكدت على ضرورة إعادة النظر في مكونات اتفاق أوسلو وخاصة التنسيق الامني، واتفاق باريس الاقتصادي لأنه لا يمكن للمنظمة أن توافق وتلتزم بما لم يلتزم به الجانب الاسرائيلي، وقد تم تحويل هذا القرار إلى اللجنة السياسية في "م.ت.ف" لدراسة الآلية التي يجب اتباعها لإنجاز ذلك. وكان المنتظر أن يُعرض رد اللجنة السياسية على المجلس الوطني في حال انعقاده لأنه بالغ الحساسية، ويحتاج إلى موقف جماعي مدروس من أجل تحمُّل المسؤولية تجاه المجتمع الفلسطيني في حال حصلت أية تطورات في الميدان
رابعاً: إنّ قيادة "م.ت.ف" ورئيسها أبو مازن شقّت طريقها الكفاحي ضد الاحتلال الاسرائيلي على مختلف الجبهات، وبشكل متوازن ومتكامل، ففي الوقت الذي يواصل شعبنا كفاحه الميداني، والصمود بوجه كافة الاجراءات الاجرامية والعدوانية، وبذل التضحيات، ونزيف الدماء، فإن الرئيس محمود عباس يجوب أطراف المعمورة زائراً، ومحاوراً، ومبدياً كل ما يتعلق بالموقف الفلسطيني وإيجابياته القائم على أساس قرارات الشرعية الدولية، وأيضاً توضيح السلوك الاجرامي الإسرائيلي المتعارض مع كافة القرارات والمواثيق الدولية، وممارساته العنصرية والدموية بحق الأطفال والنساء والشبان، إضافة إلى تصاعد الاستيطان والتهويد.
وبالتالي إنه يجند دول العالم لتأييد الحقوق الفلسطينية، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وبحق تقرير المصير، والسيادة المطلقة على الأرض الفلسطينية المحتلة العام 1967.
خامساً: إنّ الاعتراف الدولي الساحق بفلسطين دولة تحت الاحتلال على الأراضي المحتلة في الرابع من حزيران العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية كان الرد السياسي العالمي على عمليات الاستيطان والتهويد، والتدمير والاقتلاع، والحصار والارهاب لأنه عدوان على أرض فلسطين، وشعب فلسطين، والرواية التاريخية الفلسطينية، وبالتالي فإن كل ما يقوم به الاحتلال هو باطل ومرفوض حسب قرارات الشرعية الدولية، كما أن قبول فلسطين عضواً عاملاً في مختلف المؤسسات الدولية، وشريكاً فاعلاً في قرارات هذه الهيئات، إضافة إلى رفع العلم الفلسطيني فوق كافة مؤسسات هيئة الأمم المتحدة هو رسالة واضحة بأن الاحتلال إلى زوال، وأن النصر الفلسطيني يتحقق بالنقاط وبعملية التراكم وليس بالضربة القاضية بحكم الظروف التي تحكم واقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما يتم تحقيقه اليوم على صعيد المحكمة الجنائية الدولية، ومجلس حقوق الانسان إنما هو جزء لا يتجزأ من محاصرة العدو، وتشديد الخناق على قيادته الارهابية الخارجة على كافة القوانين الدولية، والمدعومة من الولايات المتحدة التي تشكل غطاءً سياسياً للكيان العنصري الاسرائيلي، وتمنع معاقبته من خلال استخدام حق النقض الفيتو مما يسبب استمرار معاناة الشعب الفلسطيني.
سادساً: إنّ حركة فتح تتطلع إلى حلول سياسية للصراعات الجارية في الوطن العربي لأَن ما يجري هو نوع من التدمير الذاتي على حساب شعوبنا العربية ومستقبل وجودها على أرضها، والامعان في الصراعات الدائرة انما يكرّس تقاسم النفوذ لصالح الدول التي لا ترى إلاّ مصالحها، وهي تغرق هذه الدول بالنزاعات الطائفية والمذهبية والاثنية وتؤسس لمزيد من التقسيم الذي لا يخدم إلاّ الكيان الاسرائيلي العنصري وتطلعاته في المنطقة.
سابعاً: إنّ حركة فتح تدعو كافة المؤسسات والهيئات الدولية إلى ممارسة ضغوطاتها على وكالة الانروا المعنية بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين إلى الالتزام الكامل بواجباتها تجاه أبناء شعبنا الفلسطيني الذين يعيشون ظروفاً مأساوية ولا تُحتمل بسبب تقليص الخدمات على كافة الأصعدة، والتملُّص من الالتزامات السابقة تجاه أهلنا في لبنان وفي مخيم نهر البارد، واتجاه أهلنا اللاجئين الفلسطينيين المهجّرين من سورية بسبب الحروب والدمار والمعاناة التي تلاحقهم من مكان إلى مكان، وتضعهم أمام الخيارات الصعبة وأبرزها خيار الهجرة، وخيار الموت والضياع والعذاب.
إننا نرى في هذه الاجراءات، وفي هذا الوقت بالذات حيث الازمات الاقتصادية، والاجتماعية، والامنية، والعسكرية إنما هي تصبُّ في مؤامرة سياسية لإعفاء وكالة الانروا من مسؤولياتها، وفكِّ إرتباطها بقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين ينتظرون إنصافهم بالعودة إلى أرضهم استناداً إلى القرار الاممي 194) منذ ما يزيد على سبعةٍ وستين عاماً. وأمام هذه المخاطر فإننا ندعو إلى رفع الصوت الفلسطيني من كافة الجهات، والاطراف، والمستويات القيادية لمنع استكمال المؤامرة على أهم حقوقنا السياسية.
ثامناً: إننا ندعو كافة القوى الفلسطينية الوطنية والاسلامية في المخيمات إلى تعزيز الوحدة الداخلية عبر المواقف المسؤولة، والحوار البناء، والشراكة الحقيقية لحماية أمن المخيمات، وتحصين الأمن الاجتماعي، ومحاربة كل أشكال الفتنة، والانخراط في عملية صياغة علاقات أخوية تخدم المشروع الوطني الفلسطيني، وتجعلنا أقدر على تحمل مسؤولياتنا في الحفاظ على السلم الأهلي اللبناني الفلسطيني عبر التنسيق الأخوي مع الجهات الأمنية اللبنانية المعنية بالسيادة على كافة الاراضي اللبنانية، وتفويت الفرص على كافة الجهات المعادية لأمن واستقرار مخيماتنا، وتطلعاتنا الوطنية.
تاسعاً: إننا في حركة فتح نقدّر عالياً هبة الأقصى وأبطالها المقاومين، ومواقف الصمود الوطني لدى أهالي الشهداء والجرحى والمعتقلين من الأطفال والنساء والشبان، كما نثمّن الرد الفلسطيني الشامل على مجموع الجرائم التي ارتكبها العدو الإسرائيلي، والتحلي بالصبر والثبات بوجه جيش الاحتلال، والمستوطنين، والمستعربين.
إننا نرى في هبة الأقصى ومقاومتها الشعبية البطولية استحقاقاً وطنياً جاء رداً تلقائياً على السياسات العنصرية الاجرامية، والاعدامات الميدانية، وحرق العائلات، ومواصلة الاستيطان والتهويد وتقطيع أوصال القدس.
إننا على ثقة بأن هذه الهبة الشعبية ماضية في طريقها لتصبح إنتفاضة شعبية عارمة. كما ندعو الجميع لاحتضان هذه الوقفة الشبابية، وحمايتها برموش الأعين، لأنها باتت تشكل الأمل المُنتظر في هذ المرحلة المعقدة، وعليها يقع الرهان بتوحيد الصف الفلسطيني، وانهاء الانقسام، ووضع الاحتلال الاسرائيلي أمام خيار وحيد وهو الانسحاب، والتسليم بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
 إننا نطالب الامة العربية والاسلامية بالانتصار والدعم لهبة الأقصى حتى تستطيع الصمود، والاستمرار في مواجهة المخططات الاسرائيلية.
في هذه الذكرى المباركة ذكرى انطلاقة حركة فتح فإننا نؤكد تمسكنا بثوابتنا الوطنية، وحقنا في تقرير مصير شعبنا، وعودة اللاجئين إلى الأرض التي شردوا منها. كما نؤكد إلتزامنا بمبادئ وأهداف وتماسك هذه الحركة الرائدة وهي الضمانة الأساسية لنجاح المشروع الوطني، وبقاء منظمة التحرير الفلسطينية. كما نؤكد أنّ إلتفافنا الذي كان عبر عقود سابقة حول الشهيد الرمز ياسر عرفات سيستمر التفافاً وتماسكاً حول الرئيس محمود عباس أبو مازن الذي أثبت وفاءه لنهج ياسر عرفات، ولقوافل الشهداء، ولمعاناة الأسرى، ولتضحيات شعبنا.


وإنها لثورة حتى النصر
حركة فتح – إقليم لبنان
31/12/2015