إنَّ الاحزاب والفصائل أينما كانت تحدد مواعيد ثابتة لعقد مؤتمراتها، ولا يجوز تأجيل إنعقاد هذه المؤتمرات إلاّ لأسباب وجيهة محددة في النظام الداخلي وهي الظروف الأمنية التي لا تسمح لأعضاء المؤتمر أن يجتمعوا في قاعة معينة في مكان معين، وتحديد هذا السبب الأمني يجب أن يكونه محلَّ إجماع وإقناع حتى لا تلعب المزاجيةُ الشخصية غير المبررة الدورَ المباشر في التأخير، وهذا التأخير يضرُّ بمصالح التنظيم، ويفاقمُ المشاكلَ الداخلية، ويحرم القاعدةَ الممثَّلة بأعضاء المؤتمر من محاسبة القيادة الحالية ووضعها أمام مسؤولياتها.

لم يكن تحديد مواعيد انعقاد المؤتمرات بشكل دقيق (المناطق، والاقليم بعد سنتين، والمؤتمر العام بعد أربع سنوات) قضية عشوائية، وانما جاءت من خلال خبرة وجدية العاملين في مفوضيات التعبئة، وهذه المواعيد ترتكز إلى برامج تنظيمية تم إقرارُها في المؤتمر السابق، وتم اختيار قيادة جديدة لتنفيذ هذه البرامج التطويرية المقرَّة والمفترض انجازها في الفترة ما بين المؤتمرين، وأعضاء المؤتمر مُلزمون بحكم انتمائهم أن يحاسبوا القيادة المنتخَبة على سلوكها الحركي بعيداً عن المجاملات، والعلاقات الشخصية، والمؤتمر سيسأل القيادة التي انتخبها: هل كانت مؤتمنة على الأمانة؟ هل كانت تعمل بجدية تنظيمية لخدمة حركة فتح، أم أنها كانت تسعى من أجل مصالحها الشخصية؟ هل نجحت في تكريس العمل التنظيمي في الأطر التنظيمية من حيث الاجتماعات الدورية في مواعيدها، والسماح بحرية التعبير، وحرية النقد والنقد الذاتي، وفتح باب المساءَلة حول مختلف القضايا؟

المؤتمر سيسأل القيادة هل كانت ملتزمة بالنظام الداخلي ومواده أو أنها كانت تأخذ قراراتها بما يعزِّز الأوضاعَ الشخصيةَ والنفوذَ الشخصي لأعضاء القيادة؟ المؤتمر سيسأل القيادة أين هي الدورات التنظيمية، والتعبوية، والسياسية، والامنية لتفعيل دور التنظيم وحمايته من الأمراض التنظيمية المتفشية كالمحورية، والشللية، وتغييب الكادر النظيف والواعي، واستبعاد المُعارض وتقريب الموالي؟ أيضاً المؤتمر سيسأل قيادته التي انتخبها كيف تصرَّفت بالأموال، والموازنات، والمخصصات، وعمليات الشطب، وتحديد المراتب التنظيمية والمسؤوليات في كافة الأطر، هل كانت تتم عبر مكتب التعبئة بالعودة إلى الملفات والسجل النضالي، أو أنها كانت تتم بشكل مزاجي دون حسيب أو رقيب ولحسابات عشائرية، أو لحسابات انتخابية؟

المؤتمر سيسأل قيادته ماذا فعلت بخصوص عشرات الكوادر الفتحوية المفرَّغة وغير المفرَّغة الموجودة في كل شعبة، وفي كل منطقة، وهي كوادر مُستبعدة، أو مُهمَلة؟ هل فتحت حواراً معها، واستمعت إلى اقتراحاتها، وهل تبنَّت ملاحظاتها النابعة من وعي هذه الكوادر، وحرصها، وانتمائها، وغيرتها على الحركة وسمعتها؟ أم أنَّ هذه القيادة ارتأت تجاهلَ هذه الكوادر الواعية لأنَّ التعايشَ مع أفكارها التنظيمية أمرٌ مُتعب، ويتطلبُ نسفَ الكثير مما هو موجود، ويحتاجُ إلى تفكيكِ ما تمَّ تركيبه على أسس مغلوطة ومنغِِّرة؟

المؤتمر سيسأل قيادته عن علاقة التنظيم مع الجماهير، هل نجحت هذه القيادة عبر التربية التنظيمية الأصيلة والثورية، والحريصة على التقاليد والعادات الشعبية، أن تقدِّم للجماهير الكادرَ النموذجي الفتحاوي صاحب الخلق البعيد عن الشبهات، البعيد عن الغطرسة، المحصَّن ثورياً وأخلاقياً كي يستطيع أن يكون مقبولاً لأبناء مجتمعه مؤثِّراً فيهم لا مفروضاً عليهم؟

قلنا إنَّ المؤتمر سيحاسب قيادتَه هل نفَّذت البرامج التنظيمية المقررة أو أنها أثبتت فشلها؟ وهذا هو الهدف الجوهري من انعقاد المؤتمر، وعقد المؤتمرات في وقتها المناسب حق لأعضاء المؤتمر، وحق مشروع للحركة حتى لا تمر شهور من عمرها، والأمور تتفاقم وتتعقد.

في لبنان تحديداً كان مؤتمر الإِقليم السابق قد عقد في 23/12/2008، واذا عقد مؤتمر الأقليم القادم في شهر تموز فسيكون قد مرَّ عليه على الأقل سبعة شهور.

الأهم من ذلك كله هو أن المناطق حسب ما أُشيع ستعقدُ مؤتمراتِها بعد مرور ثمانية أشهر على المؤتمرات السابقة. والسؤال الجوهري والتنظيمي الذي يجب أن يطرحه كل كادر فتحاوي على نفسه إذا كان حريصاً على إنجاح المؤتمر هو: ماذا أعددنا للمؤتمر؟ وكيف سنشارك في المؤتمر؟ وما هو سلاحنا التنظيمي الذي سنخوض به معركة إنجاح المؤتمر، وتطوير البنية الحركية، ووضع هذه الحركة في موقعها القيادي والريادي الذي يجب أن تكون فيه بما تمثِّل من قوافل الشهداء، والآف المعتقلين والأسرى، ومن تضحيات جسام؟ والأهم أن نتذكَّر بأنَّ عضو المؤتمر الذي أعطاه النظام الداخلي حقَّ الحضور لا يمثِّل نفسه، ولا رأيه الشخصي وانما يمثِّل الإطار الذي خوَّله بالحضور. والسؤال المهم والجوهري والأساسي هو هل عضو المؤتمر عقد لقاءً مع من يمثِّل ليناقش معهم وجهاتِ نظرهم، وآراءهم، واقتراحاتهم، وهل استمع إلى انتقاداتهم وإلى تقييهم، وتطلعاتهم، من أجل أن يتحدث باسمهم وليس باسمه الشخصي؟ بمعنى أوضح هل اجتمعت أطُر الشعب، والمناطق، والمكاتب الحركية مع مفاصل العمل الأساسية للاستماع إليهم، ومحاورتهم، والتوصل إلى أفكار جريئة وصريحة، وحيوية سيتم طرحها في المؤتمر. وهذا الامر يحتاج إلى قيادة شجاعة، واعية تنظيمياً، حريصة وطنياً، ملتزمة برؤية قواعدها، تسعى إلى توحيد الحركة، وتؤمن بتحكيم الضمائر في القضايا المتعلقة ببنية الحركة، كما تؤمن أيضاً بتعميم نظرية النقد والنقد الذاتي، واعطاء شبكة أمان للذين تربَّوا على الجرأة والمصداقية، والبحث عن الحقيقة حرصاً على الأمانة الوطنية.

أما عملية الانتخابات التي تأتي بعد المداخلات، وتثبيت البرامج التنظيمية التي تضمن سلامة البنيان والاطر الحركية وليس سلامة مصالح الأشخاص والتكتلات فإن هذه العملية الانتخابية حتى تكون في موقعها الطبيعي، وفي مجراها الفتحاوي الصحيح لا تأتي قبل المداخلات ومناقشة التقارير وانما بعدها لأسباب وجيهة وهي أنَّ المطلوب في ذلك:

أولاً: إنتخابات قيادة حركية مؤهَّلة، ومؤتمنة وصاحبة فكر حركي وسلوك تنظيمي، وهذه المواصفات تكون قد برزت في قيادات محدودة من خلال سيرتها السابقة، ومن خلال مداخلاتها الجريئة والواعية والحريصة على المصلحة العامة.

ثانياً: عملية اختيار القيادة الجديدة تخضع لحسابات شفَّافة ونزيهة تأخذ بعين الاعتبار تجربة السنتين والنصف السابقتين أين كان الفشل، وأين كان النجاح؟ ومن الذي امتطى الحركة لأهدافه الخاصة، ومن الذي حمل الحركة على أكتافه متجاوزاً كافة العوائق؟

ثالثاً: إختيار القيادة الجديدة هي أن يقف عضو المؤتمر أمام صندوق الإقتراع متجرداً من الذاتية، متناسياً كافة محاولات شراء صوته لصالح وعود مستقبلية، أو من اجل تغليب فريق على فريق دون وجه حق، ورافضاً أيضاً كافة محاولات الترهيب والترغيب لأنَّ على صوته الفتحاوي النقي يتوقف مصير هذه الحركة، ومستقبلها.

رابعاً: عملية الإختيار تحتاج إلى التفكير جيداً بمجموعة أسماء تشكل فريقاً فتحاوياً وفياً يستطيع تحمُّل أعباء حماية الحركة من كل ما يحيط بها من مخاطر، وتكون هذه الاسماء قادرة على ان تتكامل في إنجاز المهام المكلَّفة بها في هذا الإطار.

خامساً: عليك ان تتفحَّص جيداً قائمة الأسماء، وأن تعطي الأولوية في الأختيار لأصحاب السلوك الأخلاقي القويم كما ورد في النظام الداخلي، ولأصحاب السجل الأمني النظيف، وللأسماء المعروف نهجها بالبعد عن السلوك الانتهازي، والوصولي، والعشائري، والتقسيمي.

لقد سبق لمفوضية الاقاليم الخارجية أن قررت بداية عقد المؤتمرات في 15/10/2010 ، ولكن رغم التأخير الذي حصل بالامكان تعويض هذه الفترة بوقفات مبدئية فتحاوية نابعة من صلب النظام الداخلي ومن ادبيات الحركة التي شكلت القاعدة الصلبة لهذا البنيان الثوري الذي صنع فجراً جديداً للشعب الفلسطيني، وأعاد له هويته الوطنية، وأعاده بقوة الى المسرح السياسي الدولي.

وإننا لعائدون

الحاج رفعت شناعة

مفوضية الاعلام والثقافة / لبنان

29/5/2011


حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح / إقليم لبنان
مفوضية الثقافة والاعلام