من أغرب الحجج التي تطلقها اسرائيل والولايات المتحدة ضد قرارات بعض الدول كالسويد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، الادعاء بأن هذه القرارات هي خطوات من جانب واحد تعيق السلام، وأن الدولة الفلسطينية لا يمكن ان تنشأ الا على طاولة المفاوضات مع اسرائيل.


وهذا الادعاء هو مثل رش الملح على الجرح. فأصحابه يعرفون ثلاث حقائق جلية كالشمس :-

أولا :   ان المفاوضات ماتت منذ زمن، والذي قتلها هو نتنياهو من خلال وقفها والتنصل من تعهداته ومن خلال التوسع الاستيطاني غير المسبوق في حجمه وشدته، ولا مكان لمفاوضات جادة ما دام ميزان القوى مختل لصالح اسرائيل وحكوماتها العنصرية.

ثانيا :   ان الذي يقوم بخطوات أحادية من جانب واحد على الأرض هو اسرائيل. فهي التي توسع الاستيطان بوتيرة زادت خلال العام الحالي بنسبة 140% أكثر مما كانت في الأعوام السابقة. وهي التي تواصل ضم وتهويد الأراضي المحتلة، وهي التي شنت أربع حروب تدميرية على قطاع غزة ارتكبت خلالها ما يجمع انصار حقوق الانسان على انه جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية.

وهي التي قامت بتصفية اتفاقيات أوسلو وأبقت منها ما يخدم مصلحتها فقط، وتفننت في تقطيع وتجزئة أراضي الدولة الفلسطينية المنشودة لتحولها الى كانتونات ومعازل وبانتوستانات.

ثالثا :   ان اجراءات إسرائيل أحادية الجانب تدمر ما تبقى من إمكانيات لقيام دولة فلسطينية مستقلة، وجل ما تسعى اليه الحكومة الإسرائيلية هو كسب الوقت لانهاء تصفية امكانية قيام دولة مستقلة ولاستكمال نفس عمليات الضم والتهويد الجارية منذ عام 1948.

ولكي تنجح اسرائيل في مساعيها فانها تريد ان يجلس الفلسطينيون دون حراك، وأن يتوقفوا عن المقاومة بكل أشكالها حتى لو كانت سياسية أو سلمية أو دبلوماسية.

وما تظهره احدى وعشرون عاماً من سنوات أوسلو العجاف أن المفاوضات لم تكن سوى بديل للحل يهدف الى منع الوصول الى حل، وغطاءاً للتوسع الاستيطاني ووسيلة لتعميق الإنقسامات في الصف الفلسطيني. وباختصار صارت عملية السلام البديل المناسب للسلام نفسه الذي تخشاه اسرائيل، بل أكثر من ذلك صارت سلاح اسرائيل في كل مرة لمنع أي توجه فلسطيني جدي لتغيير ميزان القوى على الأرض او في المحافل الدولية

وإذا كان من المفهوم سبب اطلاق اسرائيل لهذه المقولات المغرضة، فان من العجيب والغريب ان يكررها ممثلو دولة لها وزنها وثقلها كالولايات المتحدة، بعد أن أهين وزير خارجيتها ورئيسها مراراً وتكراراً على يد نتنياهو ووزرائه. فهل أصبحت السياسة الخارجية للولايات المتحدة خاضعة للاملاء والسيطرة الاسرائيلية في كل ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني؟

إن ما نحتاجه اليوم كفلسطينيين هو بالضبط ان نواجه الخطوات الانفرادية الاسرائيلية لفرض الأمر الواقع الاسرائيلي بخطوات فلسطينية مضادة وقوية لفرض الأمر الواقع الفلسطيني، ولا يجب ان نخشى من قول ذلك بوضوح وجلاء.

فخطواتهم تدمر امكانية السلام وحلم الاستقلال الفلسطيني وخطواتنا تعزز فرص السلام وتحقيق حل عادل للشعب الفلسطيني.

وبعد أن فشل العدوان الاسرائيلي على غزة، رغم فداحة الخسائر والتضحيات، وفرضت حالة التهدئة من جديد، فان من واجب الشعب الفلسطيني تصعيد مقاومته الشعبية وأحد أشكالها المقاومة السياسية والدبلوماسية كانتزاع الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والذي صوتت الى جانبه بالمناسبة الغالبية الكبرى من أعضاء الجمعية العمومية للامم المتحدة.

لا بد من جعل حرية الفلسطينيين واستقلالهم واقعاً دولياً ومحلياً، بالانضمام كذلك لكافة الهيئات والمعاهدات والمؤسسات الدولية، وعلى رأسها محكمة الجنايات الدولية، وبتعزيز الصمود الفلسطيني على أرض فلسطين، وبالمقاومة الفعالة لكل أنشطة التطهير العرقي والاستيطان.

وللأسف، فأن درس مواجهة الاستعمار القديم ما زال صالحاً، ومضمونه ان الحرية تنتزع ولا تمنح، وأن الحرية كما قال نيلسون مانديلا "لا يمكن أن تعطى على جرعات فالمرؤ إما أن يكون حراً أو لا يكون حراً".

والشعب الفلسطيني لم يقدم كل هذه التضحيات والشهداء والدمار والمعاناة على مدار قرن من الزمان من أجل أن نعيش عبيداً أذلاء في معازل محكومة بنظام تمييز وفصل عنصري واضطهاد وإذلال يمس كرامة الناس على مدار الساعة وعلى كل حاجز ومعبر.

نحن نريد الحرية الحقيقية والكاملة ولذلك لم يعد ممكناً خداعنا بالحديث عن المفاوضات والحلول التي لم ولن تأتي، ولاننا نريد الحرية فيجب ان نمسك بزمام المبادرة بيدنا، ونقتلع شوكنا بيدنا، وننتزع الإعترافات الواحدة تلو الأخرى، ونزرع الحقائق على الأرض المرة تلو الأخرى، وننجب الأطفال ونربيهم ونعلمهم ونثقفهم بحب الوطن والحرية حتى لو سمونه تحريضاً.

ولعل تجربة غزة قد علمتنا مرة أخرى أنه "ما حك جلدك مثل ظفرك".

*الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية