بل حوالي ستة أشهر ، سخر الرئيس الامريكي باراك اوباما من المعارضة السورية التي تفتح لها العواصم الاوروبية والعربية ابوابها وصالاتها وفنادقها على مدار ثلاث سنوات دون ان تحرز تقدما ملموسا يمكن ان يبنى عليه شيئا استراتيجيا ، واعتقد الراعون والداعمون والممولون والمسلحون – بكسر اللام – ان المشكلة تكمن في من يقود المجلس الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي تغيرت قيادته عدة مرات ، بدءا ببرهان غليون مرورا بمعاذ الخطيب وجورج صبره واحمد الجربا واخيرا هادي البحرة ، ووصل الامر في جامعة الدول العربية استبدال مقعد سوريا ومنحه لهذه المعارضة .
قبل ذلك بستة أشهر تقريبا ، انقلبت امريكا على امير قطر السابق حمد بن خليفة ورئيس وزرائه حمد بن جاسم ، - والاخير هو الذي اشتهر بعبارته الصارخة "كلنا نعاج" ، في الرد على ان الاسرائيليين ذئاب - لأسباب قيل انها تتعلق بدعمهم للحركات الاصولية المتطرفة ومن ضمنها داعش التي تم تأسيسها أمريكيا لكي تناهض جبهة النصرة الموالية لتنظيم القاعدة ، لكن ليس ان يصل الحد الى اعتمادها بديلا للمعارضة "المعتدلة" التي يتم اعتمادها اليوم من جديد ، وتمويلها وتسليحها تسليحا ثقيلا واحيانا بسلاح غير تقليدي .
اليوم تعود أمريكا لترمم صورتها وهيبتها في المنطقة ، خاصة وقد استمر النظام السوري في تحقيق المزيد من الانتصارات على المعارضة وصلت في الكثير من المناطق الى احتوائها بشكل وبآخر ، واستمر العراق الامريكي بالتشظي واستمرت معارضته الأصولية والداعشية في تحقيق انتصارات "مجازر ارتقت الى التطهير العرقي" بقدر ما تثير في النفس الاشمئزاز بوحشيتها ، بقدر ما اثارت الخوف من ان تمدد سيطرتها على سوريا ولبنان والاردن والسعودية وتركيا .
ان الحلف الذي شكلته امريكا وقادته ضد داعش ، هو موجود اصلا ، وهو يدور في فلكها ويأتمر بأوامرها ، ولكن الاعلان عنه ، هو من اجل التملص من جريمة انشاء هذه المنظمات الارهابية ، والتي وصل الامر بها ان تذبح رعاياها ، رعايا امريكا ، على الملأ وعلى الهواء مباشرة كما يقولون ، من جهة ، ومن جهة اخرى لكي تعيد ما تبقى من هيبتها وصورتها التي تزعزعت واهتزت امام حلف له ملامح نموذجية واخلاقية متمثل في روسيا والصين وايران وسوريا ، تتوطد اواصره وتتعزز ويحرز انتصارات على جبهات مختلفة ، ناهيك عن حالات تضعضع في معسكر حلفائها التقليديين الذين اصبح السيسي عنوانا بارزا لها ، ومعه الكثير من دول الخليج وعلى رأسها المملكة السعودية ، التي نأت بنفسها عن هذه الجماعات ، ومن بينها حركة الاخوان المسلمين .
كل الدلائل والمعطيات ، تفيد ان عملية الترميم الامريكية لصورتها وهيبتها ، حتى وهي تقاتل داعش وتنتصر عليها ، لن تنجح . المشكلة ليست في داعش ، بل في صورة امريكا التي اصابها من التهتك والتشويه ما اصابها .
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها