عبر عدد من سكان البلدات الاسرائيلية في الجنوب عن عدم ثقتهم بما حققه الجيش في العدوان على قطاع غزة، مؤكدين أن الكثيرين ممن غادروا المنطقة يرفضون العودة، فيما يجد السكان الذين بقوا صعوبة في التأقلم مع الواقع الذي أنتجته الحرب ويقولون إن حجم المخاوف بعد الحرب ازداد عما كان قبلها.
ويقول أرون دلبا، سكرتير كيبوتس "زيكيم" لصحيفة هآرتس: "لا يمكنني القول إننا نشعر اليوم بحال أفضل من ناحية الأمن الشخصي، أكثر شيء نريده هو العودة لحياة طبيعية ، لكننا نخاف، خوفا مميتًا". ويضيف: "حتى اليوم لم نتلق إجابة على السؤال، هل أزال الجيش خطر الأنفاق. لم يأت أحد ليقول لنا: يمكنكم العودة للنوم بهدوء".
ليلى نحاميا، أم لثلاثة وزوجها يؤدي خدمة الاحتياط في الجيش، بعد عملية الكوماندوز البحرية التي نفذتها كتائب القسام في منطقة محاذية للكيبوتس غادرت هي وأولادها المنطقة، لكنها قررت بعد ذلك العودة بسبب الإعياء والإرهاق من التنقل الدائم. وتقول: "لا أعتقد أن هذه الحرب انتهت. بالنسبة لي على الأقل وبالنسبة لصديقاتي في الكيبوتس، الأمر لم ينته".
وتضيف: "بعد حملتي (عامود السحاب) و(الرصاص المصبوب) شعرنا بأن الأمر انتهى. لكن اليوم الشعور مختلف تمامًا، نحن في حالة خوف أكثر من الأيام التي سبقت خروج الجيش للحملة العسكرية. نحن نشعر بأننا لا يمكننا الذهاب إلى البحر القريب. أنا أقول الحقيقة أخاف من خروج أحدهم مجددا من البحر. إذا انتهى الأمر في الظروف الراهنة ليس لدينا شك بأننا سنكون أمام جولة أخرى بعد سنة أو سنتين. لكن سيكون من الصعب علينا نفسيا تحمل حادث مشابه".
من جانبه، يقول إيتان روزنليت، من مستوطنة نير عام: لا شك بأن الأنفاق خلقت واقعا جديدا. من أجل إعادة السكان إلى الكيبوتس يتطلب من الجيش توفير حماية بمستوى عال، ونشوء قوة مقاتلة حقيقية ونوعية".
ويقول مئير شرفيف، من كيبوتس باري: "الحملة لم تحقق لنا الهدوء النفسي الذي توقعناه. لا أعرف كيف نعيش مع ذلك". ويضيف: " قولهم انهم أنهوا كل شيء هو كذب. يمكننا الاحتماء من صواريخ القسام والغراد، لكن ماذا سنفعل مع هؤلاء الذين يخرجون من باطن الأرض. أنا وعائلتي سنمضي فترة الأعياد بعيدا عن هنا، لن نبقى هنا. كانت التوقعات أن يتم توجيه ضربة قاتلة لحماس، إذا كانوا يعتقدون بأن الناس هنا سيتحملون جولة أخرى فهم مخطئون، الناس سيرحلون".
من جانبها، تقول فيريد من كيبوتس باري: "في الكيبوتس فوجئوا من القدرات التي أبداها مقاتلو حماس، وينبع خوفنا من المهنية التي أبدوها. ما أثر علينا هو أننا اكتشفنا وجود عدو لم نقدر قدراته. لم يعودوا كما كانوا في السابق يطلقون النار من زقاق ويهربون، هؤلاء مقاتلون حقيقيون".
من جانبه، قال رئيس مجلس "شاعر هنيغيف" الون شوستر، لصحيفة "يديعوت أحرنوت" إن الحملة الأخيرة "أنتجت أزمة ثقة عميقة وغير مسبوقة بين سكان المنطقة وبين الحكومة والجيش. ثمة فجوة كبيرة بين ما يحصل في الميدان وبين ما يشعر به الناس، وترميم تلك الثقة سيستغرق شهورا طويلة. صحيح أننا خرجنا بسلام، بصعوبة، لكن ثمة ذهول حقيقي، هناك مئات الآلاف الذين يسكنون هذه المنطقة ، والآلاف ببساطة غادروا".
وينتهي التقرير بالقول: "رغم أن السكان يتحدثون عن الحاجة لتعميق الحملة فمعظمهم يدركون بأن التسوية السياسية وحدها يمكن أن تؤدي لوقف إطلاق النار وإزالة خطر الأنفاق".
ولم يبق في كيبوتس "كفار عزة" المحاذي لقطاع غزة، سوى عدد قليل من الاسرائيليين بعد ان دفع الخوف الذي تثيره الانفاق بمعظم سكانه الى الهرب. وقال الناطق باسم هذه القرية التعاونية نوعام ستال "نحن معتادون على القذائف والصواريخ لكن الانفاق التي يمكن ان يخرج منها ارهابيون تشكل تهديدا يخيفنا فعلا".
ولم يبق سوى مئة من اصل 750 شخصا هم سكان الكيبوتس الواقع مقابل مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين شمال قطاع غزة. وتم اجلاء كل الاطفال البالغ عددهم 250 في اجراء وقائي.
وقال ستال "نطالب الحكومة بضمان امننا ونحن نشعر بخيبة امل لان اسرائيل لم تجد حلولا بعد كل هذه السنوات". واضاف ستال "لا اؤمن بالسلام لكننا نحن نحتاج الى السلام لنا ولسكان غزة" ايضا.
وخلال جولة في الكيبوتس يتحدث ستال عن الاضرار التي نجمت عن قذائف الهاون الاخيرة التي سقط اكثر من عشر منها في القرية. وبدت المنازل خالية بينما دمرت قذيفة جزئيا جدار دار للحضانة. ويسود صمت في الكيبوتس لا يقطعه سوى دوي القصف الاسرائيلي على قطاع غزة والصواريخ التي تطلق باتجاه اسرائيل.
ويقول دودي دورون (56 عاما) الذي يعيش في هذه الكيبوتس منذ ثلاثين عاما "هنا لا نسمع صفارات الانذار لأننا قريبون جدا من مواقع اطلاق الصواريخ". ويضيف "شهدنا اطلاق صواريخ لكن تهديد الانفاق جعل الوضع اسوأ. نحن نتساءل عما اذا كان بامكاننا العيش هنا بعد الآن". ويتابع "سمعت انا وجيراني اصواتا تحت الارض لكن لم يأخذ احد ما قلناه على محمل الجد".
ويقول "ارغب فعلا في وقف لاطلاق النار لكنني اتساءل في الوقت نفسه ما اذا كنا سنعيش محكومين بحرب اخرى اذا لم ينجز الجيش مهمته حتى النهاية".