بيان صادر عن حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح – إقليم لبنان
يا جماهير شعبنا الفلسطيني المكافح والمجاهد في الداخل والشتات.
تحَّل الذكرى السادسة والستون لنكبة الشعب الفلسطيني، عندما اكتملت حلقات المؤامرة الاستعمارية والصهيونية والتواطؤ الرسمي العربي آنذاك، وكان شعبنا الفسطيني هو الضحية المُستهدَفة في الشرق الاوسط في إطار مؤامرة مدروسة تقضي باقتلاع شعبٍ أصيل من ارضه التاريخية فلسطين، قلبِ العروبة النابض ، أرضِ الرباط والمقدسات الاسلامية والمسيحية، واحلال العصابات الصهيونية من شُذاذ الافاق في أرضه بدعم ميداني من دولة الانتداب بريطانيا، عسكرياً، وسياسيا ،ً وماديا ،ً ولوجستياً ، وبالتالي إقامة هذا الكيان الصهيوني المسخ بقوة السلاح، وارهاب المجازر، والتنكيل بالاطفال والنساء والشيوخ ، و يتم ذلك كله عل مرأى ومسمع من الامم المتحدة ،والجامعة العربية ، والدول الاسلامية .
في الخامس عشر من أيار كانت الطَّامة الكبرى على الامة العربية الصامتة ، وعلى الشرق الاوسط ،واصبح هذا الكيان اللقيط يتحدى العالم كله ويرفض تنفيذ أي قرار من قرارات الشرعية الدولية ، ويصرُّ على تنفيذ مشروعه الصهيوني القائم على الاستيطان والتهويد ،والعدوان، والتوسع ، واستباحة المقدسات ، والتصفيات الجسدية لابناء فلسطين ،وتعذيب الاسرى ، وممارسة القرصنة والبلطجة على دول المنطقة ، وتدمير احلام الشعب الفلسطيني، وضرب طموحات الامة العربية ، وتحطيم امالها بالوحدة والتعاون بسبب هذا السرطان المدمِّر الذي تم زرعه منذ وعد بلفور العام 1917 ، ثم نما وتطور بفضل التآمر الدولي حتى أصبح الجميع مهددا ً ، وتلاشت عملية السلام بفضل الضربات الاسرائيلية القاصمة التي قصمت ظهرها .
لقد تمكَّن شعبنا من خلال طليعته القيادية التي فجَّرت الثورة العام 1965 من تجاوز الجزء الاكبر من تداعيات النكبة المأساوية ، فقد تمكنت ثورتنا المعاصرة من استعادة الهوية الوطنية الفلسطينية ، وبناء منظمة التحرير الفلسطينية واعتراف العالم بها ممثلا ً شرعيا ً وحيدا ً لشعبنا في كل اماكن تواجده ، ثم كان الانجاز الملفت العام 1988 في المجلس الوطني في الجزائر بإعلان قيام دولة فلسطين بكلمات مدوية من أعماق التاريخ اطلقها الشهيد الرمز ياسر عرفات، ثم كان التجسيد العملي لهذه الدولة على ارضنا الطاهرة فلسطين في العام 1993 رغم أنف الاحتلال. ومن فلسطين ،ومن ارضنا المباركة استكملنا مسيرة كفاحنا الوطني وسط نهر من دماء التضحيات وارتقاء الشهداء، واشتداد المعاناة ، لكننا رفضنا الا ان نكون وجها ً لوجه ، وفي الخندق الامامي في مواجهات شاملة ضد الاحتلال مؤكدين تمسكنا بحقوقنا الوطنية المشروعة . واستطاعت قيادتنا التاريخية وعلى رأسها الرئيس ابو مازن من الحصول على القرار الدولي بالاعتراف بدولة فلسطين عضوا ً مراقبا في الامم المتحدة بموافقة (138) دولة، واعتراض دولتين هما واشنطن وتل ابيب ، وهذا ما فتح آفاقا كفاحية جديدة سياسية ودبلوماسية ، وقانونية ، ووطنية ، وأصبحنا بفضل نضالات شعبنا ، وحكمة قيادتنا المؤسِّسة لأعظم وأطول ثورة في التاريخ المعاصر ، أصبحنا دولةً تحت الاحتلال ،واصبح بإمكاننا مقاضاة الاحتلال ومحاسبته على جرائمه ، وانتهاكه لكل الحقوق والحريات والمبادئ، نحن اليوم دولة تحت الاحتلال ، ولكننا لسنا في عزلة ، وانما الاحتلال هو الذي يعيش في عزلة خانقة، فالعالم الحر يلتفُّ حول شعبنا وحقوقه المشروعة ، ويتضامن معنا في كل المؤسسات والهيئات الدولية ، وها هي اوروبا صديقة الكيان الاسرائيلي تأخد قراراً بمعاقبة الاحتلال الغاشم وتقاطعُ منتجات مستوطناته ، كما تقاطع كافة الشركات التي تتعاطى مع هذه المنتوجات،وكافة المؤسسات والمراكز العلمية والجامعات ، التي تتعاطى مع هذه المستوطنات .
في هذه الذكرى الأليمة ، ورغم كل ما فيها من مآس ٍ ومجازر إلاَّ أننا اليوم سعداء بأننا قد طوينا الأنقسام الاسود ، وانطلقنا باتجاه تعزيز جبهتنا الداخلية، وبناء وحدتنا الوطنية على الأسس التي توافقنا ووقَّعنا عليها من منطلق الوفاء لشعبنا، وشهدائنا واسرانا،و ندرك ان اتمام برنامج المصالحة يحتاج من كل الافرقاء الى الثقة المتبادلة، والى البحث عن المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني ، وليس البحث عن المصالح الحزبية والتنظيمية الضيقة . لقد وصل الجميع الى قناعة تامة بطيِّ صفحة الانقسام الاسود الذي استخدمه العدو الاسرائيلي لتعميق الجرح الفلسطيني، واثارة الخلافات والانقسامات ، وتجزئة الوطن والشعب والقضية .
يا جماهير شعبنا العظيم.
نحن في حركة فتح نعتبر المصالحة والوحدة الوطنية جزءا من استراتيجتنا ، وليس عندنا أي عن المصالحة ، ولذلك نحن نضع ثقلنا التنظيمي والقيادي في هذا المجال ، نتمنى من الجميع ان يكون قد حسم خياراته خاصة بعد أن اتضح كم هو الغضب الاسرائيلي من انجاز المصالحة .
لا شك أن معالجة تداعيات وترسبات الانقسام في الساحة الفلسطينية لا يمكن معالجتها بسهولة ، فهناك ملفات يمكن للحكومة التي سيؤلفها الرئيس ابو مازن بالتشاور أن تعالجها خاصة ملفات المصالحة المجتمعية ، والحريات العامة ، وتوحيد العمل بين المؤسسات والوزارات ، وفتح المعابر ،وانعاش الوضع الاقتصادي في قطاع غزة ،وايجاد فرص العمل للتخفيف من البطالة .ولكن بالمقابل نحن ندرك أن ملف الاجهزة الامنية وتوحيدها على سبيل المثال يحتاج الى جهود مكثفة وحاسمة من حكومة الوحدة الوطنية التي سيتم تشكيلها ما بعد الانتخابات الرئاسية و التشريعية .
نحن اليوم نشعر بثقة واعتزاز بأن تتوافر الفرصة لكافة القيادات الفلسطينية لأن تجتمع وتناقش وتقرر ما فيه المصلحة الوطنية العامة وليس ما يخدم طرفا ما بعينه. وهذا يعني أن رَسْمَ الاستراتيجية النضالية السياسية والعسكرية سيشمل مختلف القضايا بالتفاصيل سواء مواضيع المفاوضات ، أو المقاومة الشعبية ، أو الحصار المالي ، أو التعاطي مع المجتمع الدولي وهيئاته ، أو معاهداته ومواثيقه ، والجوانب الامنية ، والاستيطان وغيرها .
إن ما نتطَّلع اليه في هذه المرحلة أن تُشكَّل الحكومة التي تنحصر مهمتها الاساسية في وضع واعداد كافة التحضيرات من اجل الانتخابات الشاملة لتجديد الشرعيات الفلسطينية ، وبناء ما تهدَّم في قطاع غزة من جراء العدوان الاسرائيلي المتواصل ، على أمل أن يكون هناك اجتماع قريب جدا ً للاطار القيادي الفلسطيني المعني بتفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ، وهذا الاطار سيكون له الدور الاهم لوضع الترتيبات المطلوبة وبشكل نهائي لتشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، واجراء الانتخابات حيثما أَمكن .
نحن نأمل أن لا تحصل تطورات دولية أو اقليمية تعرقل وتعيق عملية المصالحة، وخاصة الجانب المتضرر الأول من عملية المصالحة وهو الكيان الاسرائيلي، وقد يلجأ الى خلط الاوراق في المنطقة واستخدام العنف ، لكننا على ثقة بأن الموقف الفلسطيني الموحَّد قادر على مواجهة كافة التحديات والمستجدات .
صحيح أننا الآن دولة تحت الاحتلال لكننا نمتلك مساندة الشرعية الدولية لحقوقنا، ونحن جزء لا يتجزأ من المؤسسات والهيئات الدولية والمعاهدات المعنية بحقوق الانسان والتي بالامكان من خلالها ملاحقة ومحاكمة مجرمي الكيان الاسرائيلي.
كما أننا اليوم نستند الى المقاومة الشعبية التي تتصاعد في العديد من القرى والاحياء والمدن .
يا جماهير شعبنا الفلسطيني
إن َ الحفاظ على أمن واستقرار مخيماتنا في لبنان والتمسك بالصيغة المشتركة المتفق عليها مع كافة القوى الوطنية والاسلامية لحماية الامن الاجتماعي، وقطع دابر الفتنة ، هذه القضايا أصبحت تشكل جزءا ً من كفاحنا الوطني، لأن أمن المخيمات ضمانة لتفعيل أنشطتنا السياسية والوطنية والاجتماعية، والحفاظ عليها قواعدَ للثورة وجماهيرها ، وللاجيال الصاعدة .
وهذا الواقع الذي نسعى إلى تحقيقة رغم المؤامرة والمخاطر المحُدقة بنا يأتي في صلب ما نطمح اليه حفاظا ً على انجازاتنا الوطنية وعلاقتنا الاخوية ، وحماية النسيج الوطني في المجتمع الفلسطيني. ونحن عندما نركِّز على هذا الجانب انما نريد العيش بأمان وكرامة مكافحين من أجل تنفيذ حق العودة إلى أرضنا استنادا ً الى قرار 194، ومناضلين من أجل الحرية والاستقلال، آخذين بعين الاعتبار أننا ضيوف قسريون، طموحنا العودة إلى وطننا، رافضين أي محاولة لتوطيننا كبديل عن العودة .
ونحن نطالب بالعيش الكريم لا ننسى أن نؤكد على سيادة لبنان ووحدة أراضيه وقواه من أجل السلم الاهلي اللبناني. انَّ الاستقرار السياسي في لبنان يمنحنا الفرصة كفلسطينيين في لبنان وقد تواجدنا على أرضه منذ ستة وستين عاما ً، واسهمنا في بنائه، واعماره، وتعزيز إقتصاده، وهذا ما يمنحنا الحق َ الطبيعي أن نطالب بحقوقنا كلاجئين في لبنان سواء أكان حق التملك أم حق العمل، أن َ حرماننا من هذه الحقوق يجعلنا نعيش واقعا ً مأزوما معيشيا ً واقتصاديا ً .
ونحن نستذكر نكبةَ العام 1948 ، وتشريدَ شعبنا في مختلف أرجاء المعمورة فأننا لا ننسى نكبة أهلنا في مخيم نهر البارد في 20/05/2007 صباح يوم الاحد حيث بدأت المؤامرة تهدد حياة سبعة وثلاتين الفا ً من أهالي المخيم، إضافة إلى المخيم الجديد والجوار، وهذا المخيم يأتي في المرتبة الثانية بعد مخيم عين الحلوة من حيث العدد والاهمية الاقتصادية .
المؤامرة المحكمه على المخيم وأهله ، ومن خلال استخدام مجموعات ما يسمى ( فتح الاسلام ) نشأ الصراع، وخلال أيام من القصف والاشتباكات وتقطيع اوصال المخيم هُجِّر الأهالي من بيوتهم وتركوا أسواقهم وممتلكاتهم، وحملوا معهم الشهداء والجرحى . كانت النكبة حادة وقاسية لا تقل اهمية عن نكبة العام 1948 ، وعاش الاهالي ظروفا ً صعبة سواء من حيث السكن ، أو المعيشة الاقتصادية ،أو المعالجة الصحية ، أو المساعدات ، أو فرص العمل ، وللأسف فأن المخيم القديم تم تدميرة بالكامل ، وحتى الان الدول المانحة التي تعهدت بدفع المبالغ المقررة لاعادة الاعمار لم تلتزم بوعدها ، و لم يتم بناء سوى ثلث المباني المقررة ، والجميع يتساءَل هل هناك مخططات لتعطيل عملية البناء ؟ وبالتالي تشتيت الاهالي ،وتدمير الاهمية الاقتصادية لأبنائه وأسواقه، خاصة أن تجار هذا المخيم فقدوا كل ما لديهم وبما يزيد عن مئة وخمسين مليون دولار تقريبا ،ً وحتى الان لم يتم التعويض عليهم ، والاهالي ما زالوا مشتتين. ولذلك فإننا ندعو كافة الجهات المعنية للاهتمام بما يضمن إعادة الاعمار الكامل ، واعادة أهله اليه أسوة بباقي المخيمات .
كما لا ننسى نكبة بل مأساة اهلنا في مخيمات سوريا خاصة في مخيم اليرموك ، وعشرات الالاف الذين لجـأوا الى لبنان والاردن ومصر ومختلف دول العالم. ونتوقف عند هذه المعاناة التي أقضَّتْ مضاجعنا جميعا ً، ونحن نرى أبناء شعبنا يتعذَّبون في حياة صعبة وشاقة واحتياجات علاجية، وتموينية ، وسكنية، وجميعها تحتاج الى رعاية خاصة من الجهات المعنية لتأمين حياة كريمة بانتظار عودتهم، ونحن نقدر الجهود التي تبذلها قيادة منظمة التحرير من خلال اللقاءات المتواصلة مع كافة الجهات المعنية سواء النظام أو المعارضة و محاولة اقناع الجميع بتحييد المخيمات عن الصراع القائم ،وهذا هو الموقف الرسمي للمنظمة وللفصائل الفلسطينية هناك . ونحن نأمل ان يتم التوصل الى حلول سياسية تنهي هذه المأساة التي أدت الى دمار واسع في سوريا .ونطالب الدولة اللبنانية معاملة النازحين الفلسطينيين من سوريا كما يُعامَل السوريون من اجل تخفيف المعاناة المالية والامنية .
ومن نوع الوفاء لشعبنا وشهدائنا فإننا نحيي قوافل الشهداء ونخص بالذكر شهداء مسيرة العودة الذين استشهدوا في مارون الراس منذ عامين وهم عماد أبو شقرا ، وخليل محمد احمد ، ومحمود سالم ، ومحمد سمير صالح ، وعبدالرحمن صبحة، ومحمد ابراهيم أبو شُلِّيح .وأيضا الشهداء من شبابنا في مخيمات سوريا الذين استشهدوا في الجولان في المناسبة نفسها ، ولا ننسى الشهيدين محمد أبو ظهر ونديم نوارة اللذين استشهدا في مواجهة مع جنود الاحتلال أمام سجن عوفر بمناسبة النكبة.
ونحن نعيش أجواء ذكرى النكبة فإننا نُسجِّل اعتزازنا وافتخارنا بأبطال شعبنا البواسل الصامدين في معتقلات الاحتلال الصهيوني من الرجال والنساء والأطفال، يدفعون ثمن الحرية معاناةً، وعذاباً، وظلماً، لكنهم يرفضون الانحناء أمام سطوة الجلاد والسجَّان، وبالشهامة الفلسطينية يصنعون البطولات، ورغم أمراضهم المزمنة، ورغم تجاهل قرارات الشرعية الدولية التي تحمي حقوق الأسرى، ورغم الظلم الذي يطال المعتقلين الاداريين إلاَّ أن أبطالنا في الداخل يصرون على المواقف الوطنية التي ملؤها الاعتزاز بكفاح شعبنا الوطني ومسيرته التحررية، فالتحية إلى كل الاسرى والاسيرات المضربين والمتضامنين والصامدين وخاصة الأسرى القدامى، والمرضى، والى الاسير مروان البرغوثي، وفؤائد الشوبكي، واحمد سعدات وإلى كل قادة واسرى الفصائل الفلسطينية.
المجد والخلود لشهدائنا الابرار
وانها لثورة حتى النصر
حركة فتح – إقليم لبنان 17/5/2014
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها