بقلم/ عضو المجلس الثوري المحامي لؤي عبده
في غضون العشرين عاماً الماضية دخلت حركة فتح في الممارسةوالتطبيق والتعامل مع ثلاثة نظريات، الأولى: الديمقراطية والتعددية السياسية، والثانية:البناء الكياني والاجتماعي والسياسي، والثالثة: التفاوض مع أشرس عدو عرفه التاريخ لإنتاجدولة مستقلة أسوة بباقي الشعوب، وتحقيق السلام لأرض السلام وشعبها في فلسطين. وتحملتفتح خلالها ما لا تتحمله الجبال من ضغوط وعراقيل وسياسة الأمر الواقع الاحتلالي الاستيطاني.
قبلت فتح التحدي لتكريس ما حققته م.ت.ف في المنافي والأروقةالدولية، ولحق الحياة والوجود على أرض فلسطين وفرضت مفهوم السلطة الوطنية وإقامة برلمانونظام حكم تأسيسي يعكس تطلعات شعبنا بالحياة والأمن والاستقرار وحل الدولتين، أي الانتقالمن حالة الهوية إلى حالة الدولة، ومن نظرية الثورة، إلى نظرية الحرية والاستقلال بمفهومالمأسسة الاجتماعية والاقتصادية والقانونية، بالرغم من استمرار الصراع والعدوان الإسرائيليالاستيطاني.
لكن الأمر أصبح مختلفاًعما كان في السابق، فتحول النضال إلى أهداف ووسائل أكثر ثقلاً وأبعاداً وتعقيدات، وهوما قد يستدعيه الطريق إلى الدولة، لإنهاء مسيرة المليون ميل بالدولة الحل.
حركة فتح منذ أن تبلورت إلى فكرة ناضجة وقبل أن تطلقرصاصتها وتوقد شعلة الحرية، أدركت ماهية الأزمة في الوطن العربي، وماهية الصراع القائم.وجددت احتياجات ومتطلبات ووسائل المعركة. ورفعت شعاراتها وطرحت مبادئها ومفاهيمها ومنطلقاتهاللتعامل مع الواقع بكل أبعاده وتطوراته، وكان حينذاك على الساحة العربية وغيرها: الشيوعيوالإسلامي الإخواني والسلفي، والوهابي والسنوسي والمهدي والشيعي وغيرهم والقومي الليبراليالعلماني الوطني الديمقراطي وكل ما إلى ذلك من أيديولوجيات وأصوليات ومدارس فكرية.لذا لم تطرح فنج أي أيديولوجيا، أو نظرية اجتماعية، واتخذت من المنهجية، (المنهج التجريبيللتعامل مع المشهد بكل تغيراته وتفاعلاتها) طريق لها جامعا لكل الحالات الفكرية، وأكدتبشدة نمسكها بمفهوم الصراع الوطني ( النضال الوطني - البناء الوطني).
وأقامت "فتح" مفهومها الاجتماعي على نظريةأن الأرض للسواعد التي تحررها ولمن عليها؛ لأنها تريد تسهيل العمل لا تعقيده، وأن تعطيالنضال ضد الاحتلال الأولوية القصوى، ولا تريد اللهو بشعبنا أو أمتنا، ولا أن يضيعالوقت في "عبثية" لا جدوى منها.
وراحت بعد إنشاء السلطة الوطنية على أجزاء من أرضناالمحتلة، إلى الاستفادة من كل الطاقات والقوى الاجتماعية، لأن فلسطين لكل الفلسطينيينضمن مفاهيم التعددية والمساواة.
لم تهرب فتح إلى منظمات N.G.Os ولم تعتمد عليها في البناءالوطني والنضال لإزالة الاستيطان ودحر الاحتلال، بل اليسار والطفيليين هم الذين ذهبواإلى تلك المدرسة الغربية ليندمجوا بها، مدعين مفاهيم مصطلحات "العمل المجتمعي"والديمقراطية، والشفافية التي يمكن تحقيقها في معزل عن الارتهان إلى منظومة خارجيةلها أهدافها الدفينة. علماً أن الغرب وأمريكا -من وجهة نظر هؤلاء- هي العدو "الأمبرياليةالأمريكية"!! لكننا نراهم اليوم من (المتحولين) إلى أدوات بيدها عبر هذه المنظماتالمشبوهة، والتي تهدف إلى تغيير ثقافة شعبنا وأمتنا لما يخدم مصالح الغرب و"الأمبريالية".
إن البساطة والواقعية والوضوح في البناء والعمل في الطريقلتطبيق المفاهيم الوطنية، وتمكين شعبنا من تحقيق حقه في تقرير المصير وبناء دولته بواقعية،وإحداث تراكم مأسستي مفهوماتي في البناء الوطني.
ولقد ثبت ودون أدنى شك؛ أن القوى الحزبية -أصولية أوغيرها- لن تتنازل عن مفهومها بأن الحزب فوق الجميع، وأن المصلحة الوطنية في المرتبةالثالثة من المناهج الفئوية، حتى لو على صوتها إلى أقصاه، وحتى لو تبنت إطلاق الرصاصمن بنادق أمريكية وغربية.
ومع اشتداد الأزمة، واحتدام الصراع مع الاحتلال تزدادالمزايدات والإنتهازية وتظهر المصالح الفئوية، علماً أن الصراع مع الاحتلال صراع رئيسيمهما علا التناقض الثانوي. ولكن في عصرنا هذا تغيرت الأحوال والمفاهيم والقيم أيضاً؛فالحركة الفلسطينية مشغولة بالبحث عن الدخل المالي والتمويلات، تحت شعارات البحث عنالحل الوطن !، ونتساءل : من يستطيع أن يفسر هذه المعادلة اليوم، ويستطيع أيضاً أن يطبقهامن مجموع هؤلاء المدعين؟!
فتح أخذت على عاتقها الشراكة مع الجميع في بناء سلطةالدولة ومأسسة المجتمع والعمل، والتصدي لكل ممارسات الاحتلال جماهيرياً وسياسياً ودولياً،والمضي قدماً في الطريق لانتزاع حريتنا واستقلالنا، من مفهوم واحد، ومن منطلق واحدألا وهو انتزاع الاستقلال، وفرض الواقع الفلسطيني على الأرض، بالرغم من الحصار والمعيقاتوالعقبات الذي يضعها الاحتلال وبعض الذين لا يرون الآخر.
هذا ما خاضته شعوب عدة في العالم ولم تستكن حتى نالتاستقلالها. ولن يستكين شعبنا ولن يتراجع بنضاله حتى ينال ما يصبوا إليه، وهنا ننتظرالإرادة المتفائلة الواعية لقضايا الصراع ومتطلبات الواقع والحياة، فيد تبني واليدالأخرى تناضل.
وفتح واجهت الطابور الخامس، وأعداء شعبنا في الداخلوالخارج، فهي ثورة في صحراء كبرى، حاولوا إجهاضها وقتلها لكن ولأنها تحمل رسالة شعبللحرية والاستقلال؛ فإن منطلقاتها من صميم شعبنا وتاريخنا وحضارتنا.
ففي البعد الاجتماعي والاقتصاديلا تطرح "فتح" نظرية؛ وإنما تتبع المنهج الوطني المستقل للبناء، فالديمقراطية،والعدل والمساواة، وحقوق الإنسان، والحفاظ على التراث والتسامح جاء ذكرها في كل الأدبياتوالمبادئ التنظيمية، وفي وثيقة إعلان الاستقلالالتي صدرت في 1988م من المجلس الوطني الفلسطيني لكل فئات وقوى شعبنا بمفهوم أساسه بناءالدولة والمجتمع.
إن الطريق مازال طويلاً أمامنا لبناء بنيتنا الاجتماعيةالاقتصادية، طالما يستديم الاحتلال والاستيطان وتغيب بذلكـ الحرية. وعليه فإن مفهومكل الكفاءات والطاقات والجهود والعمل نحو المعركة المركزية لحسمها وتحقيق النصر تتمسكبه فتح منهجاً وأسلوباً.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها