الجمهورية: ألان سركيس

بين البُعد الزمني والجغرافي والديني والسياسي، يقِف رئيس أساقفة حيفا والأراضي المقدسة للموارنة المطران موسى الحاج، منتظراً زيارة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إلى أبرشيّته التي يقع قسمٌ منها تحت السيادة الإسرائيلية. وعلى رغم التداعيات الداخلية والإقليمية المتوقّعة، يتحدَّث المطران الحاج بسعادةٍ عن الزيارة، ويقول لـ»الجمهورية»، إنّ «الموارنة والفلسطينيّين ينتظرون الراعي بفرحٍٍ كبير».

لا يُسقط المطران الحاج من حساباته التداعيات السياسية للزيارة والعناوين التي سيَرفعها سيّد بكركي لجهة المطالبة بحلٍّ عادل للقضية الفلسطينية وعودة المهجّرين الموارنة الى قراهم خصوصاً قرية كفر برعم المارونية، ويبدي ثقته بأنّ «أيّ مواجهة قد يفتعلها اللوبي اليهودي مع اللوبي الماروني سيربحها الموارنة لأنّهم أصحاب حقّ في قراهم». وهنا نصّ الحديث:

• كيف تتحضَّرون لزيارة الراعي، وما هي الاجراءات التي تتَّخذونها؟

- مثلما زار البطريرك الأبرشيات المارونية في العالم، سيأتي هذه المرة الى الأراضي المقدّسة ليستقبل البابا فرنسيس مع بطاركة الشرق، وفي الوقت نفسه سيزور أبرشيّتنا، ونحن على أتمّ استعدادنا، ووضعنا برنامجاً لزيارة الرعايا كافةً، لكي يتعرَّف إليهم ويَسمع مطالبهم ويستمعوا إليه. فالجميع فرحون، لأنّه وللمرة الأولى يزور بطريرك ماروني شعبه في فلسطين، والتحضيرات لا تشمل فقط الاستقبال الشعبي، بل هناك احتفالات فرح وصلوات وقداديس للإفادة من الزيارة رعوياً ومعنوياً.

• كيف تتوزّع مناطق تمركز الموارنة بين فلسطين وإسرائيل؟

- العدد الماروني الأكبر، أي نحو 90 في المئة موجود في أراضي الـ48، أي اسرائيل حالياً وقرب الحدود اللبنانية. في حيفا هناك 3500 ماروني، وفي الجش 2000 أصلهم من كفر برعم المهجّرة، وهناك 1500 ماروني في الناصرة، اضافة الى تجمّعات في عكا ويافا والجليل.

• هذا يعني أنّ الزيارة ستكون الى اسرائيل؟

- كلّا، هناك زيارة الى بيت لحم، والناس طالبوا برفع القداس هناك مع العلم أنّ العائلات المارونية قليلة، والطلب أتى من رؤساء البلديات والفاعليات والكهنة الكاثوليك واللاتين والأرثوذكس.

• هل تتنقَّل كرئيس لأبرشية حيفا بطريقة عادية بين فلسطين واسرائيل؟

- نعم، لا حدود هناك، فأنا أزور القدس من دون المرور بحواجز، فيما الزيارة الى بيت لحم تتطلب المرور على حاجزٍ اسرائيلي، لكن من دون أن يتعاطوا معنا.

 

ترحيب فلسطيني

• كيف تتفاعل هذه الزيارة في الاوساط الفلسطينيّة؟

- الفلسطينيون يرحبون بالزيارة، والرئيس الفلسطيني محمود عباس إعتبرها خطوةً جريئة للإعتراف بفلسطين وقد اصدر بياناً لهذه الغاية، لأنّ هذه الزيارة ستساعد على رفع الصوت من أجل حلّ القضية الفلسطينيّة.

• وفي اسرائيل؟

- لا نتعاطى مع اسرائيل، إلّا في القضايا الادارية، ونحن نعرف دورنا ونحترم أنفسنا.

• ما صحّة الكلام عن شروط وضعتها إسرائيل على الزيارة؟

- هذا الكلام غير صحيح، ولا يستطيع أحدٌ طلبَ شيءٍ منا، وممنوع على اسرائيل فرض شروط على رئيس كنيسة، واذا قرَّرت فعل ذلك، فنحن لا نخضع لشروط أحد.

• هل ستُقدِم اسرائيل على إحراج الراعي بإرسال وفد رسمي لاستقباله؟

- كلّا، جاء بطاركة كثر إلى الأراضي المقدسة ولم تُقدِم إسرائيل على خطوة مماثلة. وإذ فاجأتنا بذلك، سيكون تصرفاً غير مسؤول وسنرفضه، فالبطريرك ذاهبٌ الى بلد ليرى شعبه، وإن كانوا هم الحاكمين فلا يستطيعون مَنعنا.

• هل هناك أبعادٌ للزيارة غير الأبعاد الرعوية؟

- للزيارة أبعادٌ كَنَسيّة ورعويّة، أما الجانب السياسي فندَع غيرنا يقرأه. في فلسطين يعيش نحو 200 ألف مسيحيّ ينتظرون البابا، فرحة الناس كبيرة، لكنهم يريدون وجهاً مارونيّاً عربيّاً شرقيّاً لبنانيّاً يطلّ عليهم ويهتمّ بهم ويُشعرهم بأنهم غير متروكين لقدَرهم، وهؤلاء ابناء الكنيسة، ونحمل قضاياهم الصعبة، وهم يعيشون في بلد غريب عنهم ومضطهدون، ويتعرّضون للإحراج في كل المحطات، ويريدون قائداً يحمل قضاياهم ويدافع عنهم.

 

قيادة مسيحيّي الشرق

• بعد هذه الزيارة، هل نستطيع القول إنّ قيادة مسيحيّي الشرق باتت مع الموارنة، ببركة الفاتيكان؟

- الفاتيكان يرغب في أن يأخذ كلّ إنسان أو مؤسسة دورها. ثقل الكنيسة المارونية موجود في لبنان، لكنّ لديها أيضاً ثقلاً مشرقياً، فالمسيحيّون الشرقيّون يقولون اذاً «بكركي بخير فنحن بخير»، والدليل على ذلك، ترقّب مسيحيّي الشرق أخبار الكنيسة المارونية ورئاسة الجمهورية، ويشاهدون التلفزيونات اللبنانية ومحطة «تيلي لوميار» لمتابعة أخبارنا، لأنّ الشرق ينقصه تلفزيونات وإعلام حرّ إلّا في لبنان. من هنا يترتب على كنيستنا مسؤولية حمل كل قضايا شعبنا العادلة.

• يُقال إنّ خطوة الراعي تؤسِّس لفتح ابواب القدس أمام المسيحيّين المشرقيّين، فهل تكون هناك ردة فعل يهودية على هذا الأمر؟

- البطريرك يهتمّ بالشؤون الرعوية والإنسانية، لكنّنا لا نتعاطى ككنيسة بفتح الحدود أو التطبيع مع اسرائيل أو مفاوضات السلام، لأنّ هذه القضايا مسؤولية الدولة ونحن نلتزم قراراتها، ولبنان قرّر أن يكون البلد الأخير الذي يوقّع معاهدة سلام مع اسرائيل.

• ما الذي يمنع تنظيم رحلات حج من لبنان الى القدس؟

- لأنّ الحجاج سيمرون على حواجز اسرائيلية، ونحن على عداء معها، القدس الشرقية فلسطينية ولها طابع عربي لكنها تحت السيادة الاسرائيلية، أما القدس الغربية فمحاطة بالمستوطنات، والاحتلال الاسرائيلي يمسك بالضفة الغربية، لذلك هناك عوائق كثيرة تحول دون الزيارات.

• هل وقَّت الراعي لحظةَ زيارته جيداً؟

- بعدما زار البطريرك لبنان والعالم قال لي أريد أن أزوركم في اللحظة المناسبة، فكانت زيارة البابا الى الاراضي المقدسة تلك اللحظة.

• هل سيرافق بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام البابا والراعي في زيارتهما إلى الأراضي المقدسة؟

- كلّا، فقد اعتذر بداعي العمل وسيكتفي بمرافقتهما الى الأردن.

• هل تعتقد أنّ هذه الزيارة تعطي طابعاً شرقيّاً للموارنة بعدما كانوا يُتَّهمون بالانعزال والتقوقع؟

- فلسطين هي أمّ القضايا، ففي عام 1948 نشأت دولة اسرائيل، وتهجّرت 450 بلدة. بعض الفلسطينيّين غادر، وآخرون بقوا في مخيمات داخل فلسطين، وهناك مَن لا يزالون يحتفظون بمفاتيح منازلهم. القضية الفلسطينية شائكة، والبطريرك سيساهم على طريقته في حلها من خلال حضوره الدائم، والجميع يذكر نجاح البابا القديس يوحنّا بولس الثاني في محاربة الشيوعية من خلال الوقوف مع شعبه وزياراته الى البلدان لتحريرها من الشيوعية، والبطريرك يسير على خطاه، لكنّ هذا لا يعني أنه يتعاطى السياسة ويدخل باستراتيجيّة الجيوش. فالزيارة هي كسر جدار نفسي وواقعي على الارض ولنقول إننا نزور أبناءنا وهذا واجب علينا كما قال البطريرك على أرض مطار بيروت.

• الفاتيكان كان يطالب بتدويل القدس، فهل تساعد الزيارة بذلك؟

- البطريرك يتشاور مع الفاتيكان، والبابا يحتاج الى الراعي بجانبه ليستوضح منه بعض القضايا ضمن بطريركيته، ونعرف أنّنا نزور دولة معادية لكنّ الكنيسة هي فوق الحدود الجغرافية وتتخطّاها، والفاتيكان يلعب دوراً أساسياً في ربط مسيحيّي فلسطين بمرجعياتهم في الدول المجاورة ومن ضمنها لبنان.

• هل يمكن أن تخلق الزيارة نزاعاً بين اللوبي اليهودي واللوبي الماروني؟

- نحن لا نتحدّى احداً ونعمل ما يمليه علينا ضميرنا، وإذا كان اللوبي اليهودي سيضايقنا فإنه بالتالي سيضايق الفاتيكان، لكنه لن يجرؤ على خطوة مماثلة. فاللوبي الماروني منتشر في العالم ولا يقتصر على الكنيسة لأنّ الكنيسة لا تتعاطى السياسة، هم يعتبرون فلسطين أرض الميعاد، بينما نحن نقول إنّ «مملكتنا ليست من هذا العالم»، والسامرية عندما سألت المسيح عن مملكته، أجابها: «هيكلنا هو عبادة الله بالروح والحق». فلسطين ليست أرض ميعادنا، بل نعتبرها أرضاً مقدسة عاش فيها المسيح وسنحافظ عليها.

• إذاً، هل ستترك الزيارة ترددات سلبية على الفاتيكان؟

- كلّا. الفاتيكان قويّ جداً ولا يستطيع أحد المسّ به، ومثلما قال السيد المسيح: «لن تقوى ابواب الجحيم علينا». نسير حسب ضميرنا، فالمسيح زار العشار والفرّيسيّين لأنهم يحتاجون إليه أكثر من غيره، ومهما فعلنا سنبقى نتعرَّض لانتقادات، لكن سيكون لهذه الزيارة نتائج إيجابية. أهالي كفر برعم الذين تهجَّروا منذ 60 عاماً يطالبون بالعودة وسيجدون في الراعي مَن يحمل لواء قضيّتهم.

• ما هو وضع كفر برعم؟

- البلدة مدمّرة باستثناء الكنيسة، وموارنتها موزّعون بين حيفا وبقية البلدات. وقد تهجّرت بعدما ربح الأهالي الدعوة في ملكية أراضيهم في المحكمة العليا الإسرائيلية، عندها دمَّرها الطيران الإسرائيلي لمنعهم من العودة، لكنّ أبناءها سيزحفون لملاقاة البطريرك الذي يقصد بلدتهم.

• هل تخافون من استغلال اسرائيل الزيارة؟

- كيف ستستغلها؟ البطريرك سيرفع القداس في كفر برعم المدمّرة ليظهر للعالم صورة التهجير الاسرائيلي، وسيطالب بحلّ القضية الفلسطينيّة، وكلّ هذه الأمور تصبّ ضدّ مصلحة إسرائيل.

 

حماية البطريرك

• من سيؤمّن الحماية للبطريرك؟

- الحماية ليست رسمية بل ذاتية اتخذناها، وسنرافقه في كل تنقّلاته داخل اسرائيل تحسّباً لأيّ عمل أمني، ولم نُنسِّق مع اسرائيل.

• هل تخافون من الإغتيال؟

- كلّا، شهدنا زيارات مماثلة لكننا دائماً نأخذ احتياطاتنا. ونحن ذاهبون لنقول «هو شعنا الآتي باسم الرب»، ولسنا ذاهبين للقتال.

• كيف تصف وضع الموارنة داخل اسرائيل؟

- الموارنة يعملون بكل الاعمال، ولا يتعاطون مع الاسرائيليّين بسبب النكبة ولا ينضمّون الى الجيش الاسرائيلي مثلما فعل الدروز، ويتكلمون العبرية والعربية ويحملون جوازات سفر اسرائيلية.

• هل سيغطّي الإعلام الإسرائيلي الحدث، ومن سيرافق البطريرك في الزيارة؟

- التغطية الإعلامية ستشمل وسائل الإعلام اللبنانية والعالمية الموجودة هناك، وبالطبع الإعلام الإسرائيلي مهتمّ بالزيارة، وسأكون برفقة البطريرك مع النائب البطريركي العام المطران بولس صياح، والزيارة ستستمرّ بعد مغادرة البابا الأراضي المقدسة.