بقلم: فؤاد شراكله، مدير الأبحاث؛ شركة IDC لأبحاث الأسواق في الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا
وفيكتوريا مينديز، محللة أبحاث؛ شركة IDC لأبحاث الأسواق في الشرق الأوسط وتركيا وإفريقيا
لم يكن من المستغرب أن تتراجع سوق الحواسيب الشخصية التقليدية على مدى العامين الماضيين بالنظر للشعبية الهائلة التي حظيت بها الأجهزة اللوحية. لكن هل يؤذن هذا التوجه المتعاظم نحو الأجهزة الأخف وزناً والأسهل حملاً باقتراب نهاية الحواسيب الشخصية؟ نحن في شركة IDC لأبحاث الأسواق لا نعتقد أن هذا السيناريو الكارثي سيحدث، لا سيما أن الحواسيب المحمولة تبقى صاحبة الحصة الأكبر من بين جميع منتجات الحواسيب الشخصية المتوافرة في الأسواق.
ومع الفئات الجديدة المبتكرة التي تواصل الظهور، مثل الحواسيب المحمولة والحواسيب المكتبية من نوع الكل في واحد (all-in-one) المجهزة جميعها بشاشات لمس، فمن الواضح أن سوق الحواسيب الشخصية ما تزال نابضة بالحياة.
يواصل منتجو الحواسيب الشخصية تطوير تصاميم جديدة في محاولةٍ لتعويض الأموال التي ضاعت منهم خلال موجة صعود الأجهزة اللوحية. وتجلت أحدث محاولة للابتكار بظهور ما يسمى “أجهزة 2 في 1″، والتي يمكن استخدامها كحاسوبٍ شخصي محمول، أو فصل لوحة المفاتيح عنها لتصبح جهازاً لوحياً. وتُعرف هذه الأجهزة الفريدة أيضاً بالحواسيب المحمولة المتحولّة (convertible)، حيث تجمع بين أداء ووظائف الحاسوب المحمول وسهولة استخدام الجهاز اللوحي عبر واجهة تعمل باللمس.
تحمل هذه الفئة الجديدة من الحواسيب المتحولّة قدراتٍ لا شك فيها لاستعادة حصتها في السوق على حساب كبار مزودي الأجهزة اللوحية، فهي تمتاز بتصاميم نحيفة وأنيقة تضاهي الأجهزة اللوحية المنافسة، والأهم من ذلك، أنها مجهزة بمستوى عالٍ من قوة المعالجة يتفوق كثيراً على الأجهزة اللوحية المتوافرة اليوم. لكن من الواضح أن نجاح هذه الأجهزة مرهونٌ بأن تصبح أكثر جاذبية لفئة أوسع من مستهلكي التقنية.
وترجع الحصة الصغيرة نسبياً لأجهزة 2 في 1 من السوق اليوم إلى عاملين أساسيين، هما السعر والأداء. ومع أن الأجهزة عالية المستوى تقترن دوماً بسعر أعلى، فإن الأسعار التي تُطرح بها أجهزة 2 في 1 حالياً تحول دون قبولها على نطاق أوسع في السوق، بينما لا تزال هذه الأجهزة أضعف أداءً من الحواسيب المحمولة التقليدية.
ومع ذلك، فإن التحسينات المتوقعة في كلٍّ من الجانبين ستجعل هذه الأجهزة أكثر شعبية في المستقبل على الأرجح، وتتوقع شركة IDC لأبحاث الأسواق أنها ستلعب دوراً محورياً في إنعاش سوق الحواسيب المحمولة خلال السنوات المقبلة.
بالإضافة إلى ذلك، ما يزال الابتكار نشطاً ومستمراً في سوق الحواسيب المكتبية أيضاً. ومع أن حصة هذه الفئة من السوق ما تزال تواصل انخفاضها، فإن شركة IDC لأبحاث الأسواق تتوقع طلباً قوياً على هذه الحواسيب في أنحاء المنطقة، لا سيما في الدول الإفريقية النامية وأجزاء من منطقة الشرق الأوسط. كما أن الحواسيب المكتبية ما تزال مطلوبة من قبل مجتمع عشاق الألعاب الذين ينشدون سرعات المعالجة العالية وقدرات الرسوميات المتفوقة لهذه الفئة من الأجهزة. كما أن بعض المؤسسات، مثل المصارف والمكاتب الحكومية، تفضل الحواسيب المكتبية نظراً لحساسية البيانات التي تتعامل معها.
وضمن هذا الفئة، نحن نشهد تحولاً تدريجياً من الحواسيب المكتبية التقليدية إلى حواسيب “الكل في واحد”، وهي الحواسيب المكتبية التي تدمج مكونات النظام كلها ضمن شاشةٍ تعمل باللمس مثل الأجهزة اللوحية. ويأتي النجاح الذي حققته هذه الفئة الناشئة من الأجهزة كمكافأة على الاستجابة المبتكرة لمنتجي الحواسيب المكتبية في مساعيهم لإحياء هذه السوق المتعثرة.
ومع أن حواسيب الكل في واحد تركت أثراً إيجابياً على سوق الحواسيب المكتبية، فنموها ما يزال بطيئاً نسبياً، حيث يبقى السعر عاملاً رئيسياً في تحديد أنماط شراء المستهلكين، وما تزال هذه النماذج المبتكرة من الحواسيب الشخصية مكلفة نسبياً. ومع ذلك، كما هو الحال مع الحواسيب المحمولة من فئة 2 في 1، فإن أسعار هذه الأجهزة ستنخفض تدريجياً بكل تأكيد، وتتوقع IDC نمواً قوياً لهذه الفئة عندما يحدث ذلك.
لكنّ منتجي الأجهزة اللوحية لا يقفون متفرجين على كل تلك التطورات. كما أضحت المنافسة شديدةً للغاية ضمن هذه الفئة بين العديد من المنتجين، سواء الشركات متعددة الجنسيات أو العلامات التجارية زهيدة الثمن من شرق آسيا.
واليوم، لن تكاد تجد متجراً للإلكترونيات الاستهلاكية لا يعرض بعض الأجهزة اللوحية بأسعار ترويجية أو كجزءٍ من صفقة شراء أجهزة أخرى. وعلى الرغم من أنّ هذا يعني على الأرجح تقليص هوامش الأرباح، فإن الشركات المنتجة تواصل مثل هذه الاستراتيجيات في محاولةٍ لتعريف المستهلكين بالعلامات التجارية الخاصة بها.
أمّا من حيث الابتكار، فقد شهدنا بالفعل تحولاً واضحاً في سوق الأجهزة اللوحية من الشاشات الكبيرة التي برزت في البداية إلى المقاسات الأصغر (بين 7 و 8 بوصات) التي تهيمن على السوق الآن. كما نلحظ نهجاً آخر يزداد شعبية، هو تسويق الأجهزة اللوحية المناسبة لنمطٍ معين من الاستخدام. فهناك أجهزة لوحية مصممة خصيصاً للأطفال، وأخرى لمحبي الطهي، وثالثة لهواة الألعاب، وهكذا… وكلها محاولاتٌ للابتكار في هذا المجال. ويتم تزويد هذه الأجهزة بتطبيقات مخصصة لنمط الاستخدام المستهدف، وهي تُباع عادةً بأسعار معقولة.
على سبيل المثال، تمتاز الأجهزة اللوحية الموجهة للأطفال بألوان جذابة للطفل وتجربة استخدام بسيطة ومشوقة، مع خيارات الرقابة الأبوية لتقييد المحتوى المتاح ومراقبته؛ في حين تُقدّم الأجهزة اللوحية الموجهة للمطبخ قدرات رسوميات عالية المستوى، وكاميرات أمامية وخلفية لعرض إبداعات الطهي، وعدداً من تطبيقات الطهي والفيديو والموسيقى المصاحبة.
أما بالنسبة لهواة الألعاب، فتقدم الأجهزة اللوحية الحديثة الموجهة لهم أفضل تجربة لعب ممكنة على جهاز نحيفٍ خفيف، مع أزرار حقيقية وعصا تحكم بالإصبع. كما تلاحظ شركة IDC لأبحاث الأسواق أيضاً انتشاراً تدريجياً للأجهزة اللوحية الخاصة المقاومة للمياه والغبار إلى السوق، لكنها تبقى حكراً على شريحة خاصة للغاية من المستهلكين نظراً لارتفاع أسعارها.
من المشجع أن نشهد مثل هذا الابتكار الواسع والمتنوع في جميع فئات الحواسيب الشخصية، من الحواسيب المكتبية إلى المحمولة والأجهزة اللوحية. ومن المثير للاهتمام بشكل خاص ملاحظة أنّ التحدي الذي مثّله صعود الأجهزة اللوحية اللمسية لم يدفع منتجي الحواسيب الشخصية المحمولة والمكتبية للاستسلام، بل على العكس، نجدهم ينفذون هجوماً مضاداً من خلال إدماج مزايا الأجهزة اللوحية الأكثر شعبية في تصاميم مبتكرة لأجهزتهم. ووحده الزمن سيخبرنا ما إذا كان التقليد حقاً هو أصدق أشكال الإعجاب.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها