رغم بداية التراجع المتدحرج لخطة الرئيس دونالد ترمب الهادفة لأكبر عملية تطهير عرقي لأبناء الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، التي عكسها يوم أول أمس الخميس 13 شباط/فبراير الحالي توقع بعض مستشاريه باختفاء وزوال فكرة "ملكية غزة"، بعد أن اتضح أنها غير قابلة للتطبيق، وأيضًا ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" عن السفير الأميركي السابق بإسرائيل، تأكيده أن مقترح ترمب ليس جادًا، وطرح الفكرة قد يؤدي لمزيد من التطرف. وتلازمت تلك المواقف مع تصريح لوزير خارجيته، ماركو روبيو أمس الجمعة، بأن الإدارة الأميركية تنتظر أن تسمع وترى الخطة العربية البديلة، إلا أن هذه التلميحات لم تثنِ 145 نائبًا في الكونغرس من توجيه رسالة إلى الرئيس الـ47 يطالبونه فيها بالتراجع عن تصريحاته بشأن بسط الولايات المتحدة سيطرتها على قطاع غزة، حسب موقع "أكسيوس".
وأكدوا أن مثل هذه الخطوة "لن تكون غير قابلة للدفاع عنها أخلاقيًا فحسب، بل إنها ستلحق الضرر بالمكانة العالمية للولايات المتحدة، وتضع القوات الأميركية في طريق الخطر، وتؤدي لزيادة الإرهاب". وأضافوا، أن تصريحات ترمب "تهدد الفرصة المتاحة لواشنطن للعمل مع الشركاء العرب". في إعادة بناء غزة وإيجاد نهاية سلمية للصراع مع إسرائيل.

ومن جانب آخر، أكد السيناتور الديمقراطي في مجلس الشيوخ، تيم كين، أنه قدم مشروع قانون جديد بعنوان "الولايات المتحدة لن تسيطر على غزة"، منتقدًا خطة دونالد ترمب، وتابع السيناتور الديمقراطي، إن "الفلسطينيين لهم الحق في تقرير مصيرهم، وإن الاحتلال من شأنه أن يؤدي إلى التطرف، ولا مصلحة في حرب جديدة إلى الأبد"، مضيفًا إلى أنه "سيكون خطأً كبيرًا للولايات المتحدة الادعاء أنها ستأخذ على عاتقها القيام بما يقوله ترمب بخصوص غزة". وأردف قائلاً: أن الهدف من مشروع القانون التأكد من أن أموال الأميركيين لا تستخدم لترحيل سكان قطاع غزة، أو إرسال جنود أميركيين إلى غزة، موضحًا أن غزة مسألة دولية تحتاج إلى حل دولي، ولا يجب أن تدعي الولايات المتحدة بشكل مفاجئ أنها هي من ستقوم بحلها.
وشارك في تقديم مشروع القرار من أعضاء مجلس الشيوخ: ريتشارد بلومنتال، وديريك دوربين، وجون أوسوف، وبيرني ساندرز، وكريس فان هولين، ورفائيل وارنوك، وبيتر ويلش، ورون وايدن، وتامي داكوبرث، وجيف ميركلي. وجميعهم أدلوا بمواقف متوافقة مع ما حمله مشروع القرار، والتصريحات التي أدلى بها تيم كين، ومن أبرز ما ورد في تلك التصريحات، ما عبر عنه السيناتور الديمقراطي، كريس كونز لمجلة "نيوزويك" بالقول: أن الخطة "أمر جنوني" كما أجمع نواب الحزب الديمقراطي على وصف ترمب، بأنه "فقد عقله" بعد تصريحاته، حول سيطرة الولايات المتحدة على قطاع غزة، وتهجير الفلسطينيين إلى أرض جديدة.
وكان السيناتور الجمهوري، غرهام ليندسي أحد أبرز المقربين من الرئيس ترمب، والذي صرح بأن خطته غير واقعية، وعبثية ولا تستقيم مع آليات حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فضلاً عن العديد من النواب والنخب السياسية والثقافية والأكاديمية الأميركية التي رفضت فكرة ساكن البيت الأبيض الجديد، التي تعكس جهله وغروره وفقر حاله الفكري السياسي.

المؤكد أن مشروع الاقتراح لأعضاء الكونغرس والشيوخ من الديمقراطيين يشكل خطوة هامة وضرورية لوقف توريط الولايات المتحدة في متاهات غير محمودة، تضاعف من أزماتها الداخلية والخارجية، وهي في ذات الوقت، تتناقض مع ما ادعاه ترمب نفسه، من أنه يسعى لوقف الحرب. لأن خطته الجهنمية والغبية تؤجج الحروب، وتضاعف من حدة الفوضى والإرهاب والتوتر مع حلفاء أميركا العرب، وليس مع الشعب الفلسطيني فقط.
لا أحد ضد تحويل قطاع غزة إلى "ريفييرا" الشرق الأوسط، ولكن دون تهجير سكانه، وطمس القضية الفلسطينية وحقوق الشعب السياسية والقانونية، كما ذكر سفير المملكة العربية السعودية في بريطانيا، خالد بن بندر مع إذاعة LBC اللندنية أمس الجمعة، ولكن لا أحد يقبل خطة ترمب المفصولة عن الواقع، التي تعتبر أسوأ وصفة لمواصلة الإبادة الجماعية إلى الأبد على الشعب الفلسطيني. لأنها هيجت حكومة الإبادة والنازية الإسرائيلية، وأطلقت العنان لمخيلاتهم الاستعمارية الاحلالية والاجلائية المتنكرة لأبسط حقوق الشعب الفلسطيني، ودفعتهم لمواصلة وتوسيع خططهم وانتهاكاتهم وجرائم حربهم المنفلتة من عقال القانون الدولي في الضفة الفلسطينية، وبالتالي فإن مشروع عزل الرئيس ترمب هام ويحمي الولايات المتحدة من أخطار التفكك وإشعال فتيل الحرب العالمية الثالثة. لأن خططه لا تقتصر على قطاع غزة وفلسطين، إنما يستهدف العالم وقبل الجميع حلفاء واشنطن الاستراتيجيين في كندا والاتحاد الأوروبي ودول أميركا اللاتينية وخاصة المكسيك وبنما والصين وغيرها من الدول. وعلى كل معني بوحدة أميركا الشمالية أن يوقف التدهور الخطير الناجم عن سياسات الرجل المجنون.