إنني العاشق والأرض حبيبة هذا حال لسان الكل فلسطيني، على الأرض، في الشتات، وفي كل مكان. ومع ازدحام الحديث عن نقل الفلسطينيين من فلسطين إلى بلاد أخرى تارة بحجة إنسانية، وأخرى الانتقال المؤقت بحجة الإعمار والحقيقة أن الهدف من النقل هو لتحقيق مآرب الاحتلال في موطئ قدم على حساب الشعب الفلسطيني، للتوسع والضم. في علم الحروب، لا يوجد شيء اسمه مؤقت ، علمتنا التجارب ان المؤقت يصبح دائما ويجد له كل الوسائل من أجل استمراره، بمعنى أن التجربة جعلتنا نعيش مع التهجير. سبعون عامًا على الهجرة، استوطنت الفكرة في عقول المهجرين، وهم يعيشون إلى الآن معطياتها.
والهجرة الأولى تكونت لها إدارة دولية لرعايتها في كل البلاد التي استوعبت المهجرين، واستمرت إلى هذه اللحظة التي يستعد فيها الاحتلال الإسرائيلي إلى الدخول في مرحلة جديدة من تكوين الكيان الصهيوني. ومع مرور سبعة عقود على النكبة الأولى والتهجير، والفلسطيني أبقى على مفتاح العودة رمزًا لها، إلا أن العودة بقيت في غياهب الجب لأسباب يطول شرحها. لكن الفلسطيني الذي تعلم الدرس من النكبة الأولى سنة 1948، والثانية سنة 1967 لم يعد في وسعه أن يتنقل إلى غير هذه الأرض.
التفسير الوحيد لهذا الهدم الواسع في قطاع غزة، وبصورة مصغرة في الضفة الغربية هو إجبار أصحاب البيوت المهدومة على مغادرة القطاع، وفي الضفة كذلك الحال، فقد كان التدمير هائلاً. إسرائيل في حربها القائمة والتي تسعى إلى ديمومتها حتى تحقيق أهدافها إلى كي الوعي ومسح الذاكرة الفلسطينيين، بخصوص حق العودة إلى أراضيهم وبيوتهم التي هجروا منها في 1948. وهذه من أهم أسباب إعلان الحرب على غزة، لأن الفلسطيني ما زال يحلم بحق العودة إلى المناطق التي هُجر منها منذ النكبة الأولى.
إجراءات احتلالية واسعة أيضًا قد تم اتخاذها في الضفة الغربية، حرب مخفية شرع الاحتلال بممارستها على الأرض، فيها كل أنواع المضايقات والحواجز، تحمل في طياتها معاني الأبرتهايد والتميز العنصري والإضطهاد، كل ذلك من أجل إجبار الناس على ترك فلسطين، والهجرة منها.
البوادر الأولى لعودة النازحين بالطريقة والكيفية والأعداد التي عادوا فيها من جنوب القطاع إلى مناطق الشمال، توحي أن الفلسطينيين ثابتين في وطنهم وأرضهم ولا توجد لديهم أدنى النوايا للهجرة خارج القطاع، بالرغم من أنهم يعلمون أن بيوتهم أصبحت أنقاضًا ورمادًا وأحبتهم قد قضوا تحت تلك الأنقاض. مما يعني أن الوعي الفلسطيني ما زال حاضرًا ومنذ سنوات النكبة الأولى في وجدانهم، وأن غير ذلك سيفقدهم الهوية، وسيضاعف من آلامهم.
التجارب الأليمة التي عاشها الشعب الفلسطيني منذ احتلال إسرائيل لفلسطين، لم تجبره عن التخلي عن أحلامه ولو لمرة واحدة في الثبات أولاً وحق العودة إلى وطنه ثانيًا. هكذا وصف محمود درويش الحالة الفلسطينية في قصيدته وطني ليس حقيبة وأنا لست مسافر؛ "نحن فى حل من التذكار، فالكرمل فينا، وعلى أهدابنا عشب الجليل". وهنا نقول للرئيس الأميركي ترامب وغيره إنني لست مسافر ووطني ليس حقيبة، وإنا لعائدون. الفلسطيني عندما يسافر إلى كل البلاد الجميلة في العالم، قبل أن تطأ قدمه خارج فلسطين يتلو قول الله تعالى: "إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد"، تُيمنا بالعودة إليها.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها