كشفت دراسة إسرائيلية جديدة وفريدة من نوعها، النقاب عن أن نظرية حديثة لتحليل الاحتلال الإسرائيلي تؤكد بأن وضع السكان الفلسطينيين الذين يرزحون تحت نير الاحتلال يشبه كثيرا وضع العبيد السود في أمريكا في القرن الـ19، وأن الإسرائيليين المأسورين في نظرية التوسع الاستيطاني ليسوا على استعداد للاعتراف بذلك، كما قالت عالمة الاجتماع الإسرائيلية إيفا إيلوز، التي أعدت الدراسة ونشرتها في ملحق صحيفة (هآرتس) العبرية.

وساقت إيلوز قائلة إن "الإسرائيليين يتعاملون مع الفلسطينيين من منطلقات عسكرية فقط: إنهم جنود، هم أعداء ويجب هزيمتهم، ليسوا مواطنين عاديين، إنهم يشكلون خطرا على الإسرائيليين ويملكون الوسائل لذلك، يجب استعبادهم بالقوة، ويجب الانتصار عليهم بالضربة القاضية، لأن غير ذلك، سيكون بمثابة هزيمة للإسرائيليين".

وجاء أيضا أن النزاع الذي بدأ بصبغة عسكرية، يخفي حقيقة مهمة جدا أن النزاع تحول بسبب الاحتلال إلى شكل من أشكال السيطرة على الفلسطينيين، السيطرة التي تقترب اليوم كثيرا إلى ظروف العبودية.

وأودت الدراسة معطيات مفزعة عن الاعتقالات التي ينفذها جيش الاحتلال، مشددة على أن الفلسطيني الذي لم يعتقل منذ الاحتلال في العام 1967 يعيش في حالة خوف دائم وتحت تهديد الاعتقال، مشيرة إلى أن أساليب التحقيق التي تمارسها المخابرات الإسرائيلية مع المعتقلين تتناقض جوهريا مع جميع القوانين والمواثيق الدولية. علاوة على عنف الجيش، قالت الدراسة، فإن الفلسطينيين يتعرضون بشكل دائم لعنف من قبل المستوطنين، الذين لا يقدمون للمحاكمة، إلا في حالات نادرة جدا، على حد قول الدراسة، التي أكدت على أن الجيش يحاكم الفلسطينيين بقسوة شديدة في حين يتساهل مع عنف المستوطنين بشكل جلي وواضح.

وقالت أيضا إن" الحواجز التي يضعها الاحتلال هدفها ليس فقط إعاقة تحرك الفلسطينيين، إنما لإفهامهم من هو السيد ومن هو العبد، لافتة إلى أن خطة الانفصال أحادي الجانب التي نفذها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرئيل شارون، كان هدفها الرئيسي تقطيع الأوصال بين قطاع غزة والضفة الغربية".

بالإضافة إلى ذلك، فإن سلطات الاحتلال، قالت الدراسة، "تقوم بفرض أوامر وتعليمات لمنع الفلسطينيين من تطوير الاقتصاد، موضحة أن القسم المفصلي في السيطرة الإسرائيلية يتم عن طريق إيجاد تعلق فلسطيني بإسرائيل من أجل لقمة العيش ومن أجل التنقل في الضفة، وهذان الأمران يوجدان لدى الفلسطيني ارتباط خوف نفساني لدى الفلسطينيين من الاحتلال، كما أن الاحتلال يجبر الفلسطينيين على العمل في المستوطنات بهدف رفع منسوب إهانتهم وسلبهم".

كما أن الاحتلال، قالت الباحثة الإسرائيلية،" يستخدم قانون لم الشمل للإمعان في احتقار الفلسطينيين ومنع الزوج من لقاء زوجته، بسبب القانون الذي يحظر على الفلسطينيين الزواج من فلسطينيين يعيشون في إسرائيل أو بالعكس، وهذا الأمر ينسحب على أزواج يعيشون في الضفة والقطاع أيضا. وبحسب الدراسة فإن أكثر من سبعين بالمائة من الفلسطينيين يعيشون في ظروف احتقار وازدراء، وخوف مستمر من ممارسات الجيش القمعية ومن الإرهاب اليهودي، وعليه، فإنه إذا جمعنا العوامل المذكورة بعضها البعض فإنه، بحسب الدراسة، لا يمكن الهرب من استخدام مصطلح ظروف العبودية لتوصيف حالة الفلسطينيين تحت الاحتلال، على حد تعبيرها".

وقالت أيضا إن "الاحتلال سلب من الفلسطيني كل مقومات الإنسان، وتحول إلى سيطرة كاملة على حياته، والإسرائيليون باتوا أصحاب أكبر مشروع للسيطرة العسكرية بالقوة على شعب آخر، بكلمات أخرى، قالت الباحثة، تحول الإسرائيليون إلى أسياد وحولوا الفلسطينيين إلى عبيد، ويعود السبب في ذلك إلى أنه في دوائر صنع القرار في الدولة العبرية توجد مجموعات ضاغطة تؤيد هذا الوضع، وهذه المجموعات السياسية هي التي تقوم بتحديد السياسة الإسرائيلية مع الفلسطينيين، معتمدا على أن هذا الثمن هو مقبول من أجل الحفاظ على أمن إسرائيل وإنشاء الأمة اليهودية".

وأكدت الدراسة على أن المستوطنين، الذين كانوا حتى قبل عشرين عاما على هامش المجتمع الإسرائيلي، باتوا اليوم يقررون السياسة ويسيطرون على صنع القرار، وأن أفكارهم تتماشى مع أفكار مؤيدي العبودية في أمريكا في القرن الـ19.

ونوهت الدراسة إلى أن الاعتقاد السائد لدى اليهود بأنهم يتفقون على العرب الدونيين ينتشر في جميع روافد المجتمع في إسرائيل، ولكن هذا الاعتقاد يصبح أكثر فجورا في التعامل مع الفلسطينيين بالضفة الغربية. الإسرائيليون، تقول الدراسة، يرون أنفسهم الأكثر أخلاقية، مثقفون، ومتطورون أكثر من الناحية الاقتصادية والتكنولوجية مقارنة بالعرب الدونيين، وهي نفس النظرة التي كان يتبناها البيض في أمريكا في زمن عبودية السود، تماما كما كان يعتقد الرجل الأبيض في أمريكا أن الرجل الأسود هو دوني ويشبهون الحيوانات.

أما بالنسبة للمستوطنين، فقالت الدراسة، إنهم يقدسون الأرض، تماما مثل البيض بأمريكا في القرن الـ19، ويقومون بإضفاء مقولات من التوراة على ذلك، ويرون في أنفسهم أسياد الأرض، الذي يسيطرون على الفلسطينيين العبيد طاعة لأمر الله، وبالتالي فإن مواقف النواب المتشددين من اليمين مثل ميري ريغيف، داني دانون، نفتالي بينيت وياريف لفين، هي مواقف لينة مقارنة بمواقف المستوطنين، الذين يقومون، أيْ نواب الكنيست، بالدفاع عنهم. وقالت الباحثة إيلوز أيضا إن إسرائيل، الدولة الأكثر أمنية على وجه هذه المعمورة، فشلت في تحويل النزاع مع الفلسطينيين إلى نزاع عسكري، والأخطر من ذلك، أن إسرائيل أضافت للصورة العامة للاحتلال كارثة إنسانية، وخلقت بالتالي نقاشا لن يتوقف في العالم حول ‘أخلاقية’ الاحتلال، كما أن السواد الأعظم من اليهود في أمريكا باتوا على قناعة بأن الاحتلال هو كارثة بالنسبة لإسرائيل، وبالتالي توقفوا عن الدفاع عن سياسات إسرائيل بكل ما يتعلق بالفلسطينيين.

وخلصت الدراسة إلى القول إن إسرائيل توقفت منذ زمن طويل عن انتهاج الخطاب الأخلاقي كباقي الدول المتنورة، وبرفضها هذا، فإنها، أيْ إسرائيل، أصدرت الحكم على نفسها بأنْ تكون دولة معزولة عالميا، ذلك أنها لا تستطيع مواصلة الرقص في حلبة الديمقراطية على ألحان رقصة الاحتلال، على حد تعبير الباحثة.