يجلس المواطن أبو محمد حجيلة (44 عامًا) على أنقاض مبنى سكني مدمر في حي الشجاعية شرق مدينة غزة، يتأمل حجم الدمار الكبير الذي خلفته قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية حربها المدمرة على القطاع.
بينما كانت زوجته سماهر حجيلة (40 عامًا) تتجهز لطهي الطعام بمشاركة أبنائها الأطفال، يقوم الزوج حجيلة بتجهيز خشب وورق لإيقاد النار، واستصلاح ما يمكن إخراجه من أنقاض منزله المدمر ليستخدمه في حياته اليومية.
ويواجه المواطنون في حي الشجاعية المدمر صعوبات للبقاء على قيد الحياة وسط انعدام الخدمات الأساسية وشح الطعام، وأزمة نقص المياه، وتدمير البنية التحتية في ظل استمرار حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال للشهر العاشر.
ويعاني مئات آلاف المواطنين شمالي قطاع غزة من صعوبة بالغة في توفير المياه الصالحة للشرب، حيث يقطعون مسافات طويلة للحصول على بضعة لترات منها، كما ويقنن السكان من استخدامهم لمياه الشرب خشية انقطاعها وعدم الحصول على كميات جديدة.
ويواجه سكان محافظتي غزة وشمال القطاع تفاقمًا في أزمة شح الطعام التي تهدد حياتهم بسبب استمرار الحرب، وما رافقها من تشديد للحصار ومنع أو تقنين إدخال المواد الغذائية التي كانت محدودة أصلاً.
وبين فترة 28 حزيران/يونيو الماضي و10 تموز/يوليو الجاري، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلي عملية برية في حي الشجاعية، أسفرت عن استشهاد وإصابة مئات المواطنين وتسببت في دمار هائل، وبات الحي "منطقة منكوبة لا تصلح للحياة".
ويقول حجيلة، الذي يعيش مع عائلته في أحد المباني المدمرة جزئيا في حي الشجاعية: "حياتنا كلها خوف، ونعيش في خطر الموت المستمر، وسكان غزة يتعرضون لإبادة جماعية"، مشيرًا إلى أن الجوع أصبح سائدًا في المنطقة، وبأنهم يعانون من ضغط نفسي وتراكمات ونقص مياه وغذاء ودواء، فقد وصل وضعهم إلى الصفر.
ويبيّن أن زوجته أصيبت بمرض تضخم الكبد والطحال بسبب استنشاق الدخان المتصاعد أثناء عملية إشعال النيران لطهي الطعام، وتفتقر العائلة إلى القدرة على تأمين العلاج اللازم لها.
وتابع قائلاً: "الحي أصبح مدينة أشباح، حيث المنازل المسكونة قليلة، ولا توجد مقومات للحياة مثل مياه أو كهرباء، ونعيش في حالة خوف دائم، نغفو ليلاً ونستيقظ صباحًا والخوف يعترينا حتى ونحن نيام".
وبجانب الزوج، تتحدث زوجته سماهر عن الحياة الصعبة التي يعيشونها في حي الشجاعية ومعاناة المواطنين في مدينة غزة، قائلة: "نزحنا ثلاث مرات كحال سكان غزة، ونعيش الآن في محل تجاري أسفل منزل مدمر جزئيًا، والحياة صعبة للغاية من حيث المأكل والمسكن والمشرب"، مؤكدةً بأنهم يعيشون في منطقة منكوبة، والدمار يحيط بهم من كل جانب، ولا يوجد شيء أو حياة هنا، الحي أصبح مخيفًا لعدم وجود السكان فيه.
ودعت سماهر، المصابة بأزمة صحية جراء تضخم الكبد والطحال، العالم أجمع للوقوف إلى جانب الفلسطينيين وتخليصهم من الآلام والمآسي التي يعيشونها.
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يواجه المواطنون معاناة النزوح، حيث يصدر الاحتلال "أوامر إخلاء" لسكان مناطق وأحياء سكنية، استعدادًا لقصفها وتدميرها والتوغل داخلها.
ويضطر المواطنون خلال نزوحهم إلى اللجوء إلى بيوت أقربائهم أو معارفهم، والبعض يقيم خيامًا في الشوارع والمدارس أو أماكن أخرى مثل المقابر، في ظل ظروف إنسانية صعبة حيث لا تتوفر المياه ولا الأطعمة الكافية، وتنتشر الأمراض.
وقالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا": "إن 9 من كل 10 أشخاص في القطاع الذي يبلغ عدد سكانه حوالي 2.3 مليون نسمة، نزحوا قسرًا".
وأضافت: أن العائلات النازحة تبحث عن مأوى أينما تستطيع، سواء في المدارس المكتظة أو المباني المدمرة أو الخيام المتواضعة على الرمال أو وسط أكوام القمامة. وأكدت على أن أيًا من تلك الأماكن ليس آمنًا "ولم يعد لدى الناس مكان يذهبون إليه".
وفي منطقة أخرى قريبة، يجلس المواطن أبو محمد الحرازين (52 عامًا) وعائلته قرب منزلهم المدمر بشكل جزئي في "الحي المنكوب"، يحاولون استرجاع ذكرياتهم الجميلة قبل الحرب المدمرة.
ويقول الحرازين: "نعيش في خوف وقلق ورعب ونقص طعام وماء، وعانينا في حرب الإبادة ونحن نبحث عن لقمة العيش، ونعاني من غلاء فاحش ونقص في الغذاء والعلاج"، مشيرًا إلى منزله الذي تعرض للقصف عدة مرات وهم يعيشون حاليًا في ظروف مزرية داخله، حيث قام باستصلاح مكان بداخله رغم الدمار الكبير.
ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، تشن إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال، حرب إبادة على قطاع غزة أسفرت عن أكثر من 129 ألف شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة قاتلة.
وتواصل إسرائيل حربها متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورًا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني بغزة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها