بقلم: بلال غيث كسواني

يقف المواطن شريف عوض الله قرب منزله المطل على مطار القدس الدولي في قريته قلنديا، ينظر إلى مدرج المطار الذي قضمه الاحتلال الإسرائيلي تلقائيًا فحول جزءا منه إلى محطة حافلات، والجزء الآخر إلى مصنع للإسمنت لخدمة المشاريع الاستعمارية، ومحطة لترحيل النفايات.

ومطار القدس الدولي أو كما تشيع تسميته بـ "مطار قلنديا"، بدأ تأسيسه عام 1920، وافتتح عام 1924 كأول مطار للانتداب البريطاني في فلسطين، واستخدمت الخطوط الملكية الأردنية المطار وبدأت برحلات تجارية يومية من وإلى المطار قبل عام 1967. وفرضت إسرائيل سيطرتها على المطار بعد احتلالها الضفة الغربية.

ويقول عوض الله وهو من مواليد عام 1942: أن "الاحتلال يقتل المطار منذ احتلاله عام 1967، ويصادف هذا العام الذكرى المئة لافتتاح المطار، والذي كان من أهم المطارات في الشرق الأوسط"، مستذكرًا سفره من مطار القدس إلى العاصمة اللبنانية بيروت في طائرة ذات محركين، مشيرًا إلى أنه سافر من المطار ثلاث مرات، وقامت السلطات الأردنية بتوسيع المدرج وتطوير مبنى المطار ومواقف للسيارات وربطه بشبكة مواصلات دائمة، موضحًا أن المطار جلب العمران لقرية قلنديا، حيث تم تزو بخدمات المياه والهاتف والكهرباء.

ويضيف عوض الله الذي يبعد بيته 150 مترًا عن المطار: "كان يعج بالحياة حيث يحضر إليه المواطنون من مختلف أرجاء فلسطين للسفر عبره، أو لوداع المسافرين واستقبال القادمين إلى فلسطين، أما الآن فأصبح اليوم شبه منسي وغير مستخدم ويكاد يضيع من الذاكرة وسط الأحداث المتلاحقة كالموج والتي تشهدها المنطقة"، مشيرًا إلى أن هناك مواطن كويتي قام ببناء منازل له ومسجدًا أسماه "مسجد المطار" ولا يزال يستخدم للصلاة حتى اليوم، فكان معظم الأشقاء العرب يسافرون عبر مطار القدس من أجل الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، كما كان الآلاف من الحجاج المسيحيين يصلون إلى فلسطين عبر المطار للصلاة في كنيستي القيامة في القدس والمهد في بيت لحم خلال عيدي الفصح والميلاد.

وبعد سيطرته على المطار، منع الاحتلال الإسرائيلي البناء والتعمير حوله، وحوّل أراضي المطار الفارغة إلى منطقة صناعية لوثت حياة المواطنين، ولمدرسة للطيران لتدريب طياريه، ويقول عوض الله: "نحن على قناعة أن الاحتلال إلى زوال وستعود لنا أرضنا ويعود لنا مطارنا".

وضم الاحتلال الإسرائيلي المطار عام 1981 بموجب ما يسمى "قانون القدس"، وأطلق عليه اسم "مطار عطروت" نسبة إلى مستعمرة عطروت المقامة على أراضي المواطنين في المنطقة، وقامت شركات الطيران الإسرائيلية بتشغيله بين عامي 1967 و2000.

ويقول الكاتب أسعد الأسعد، الذي يسكن قرب المطار: أن الطائرات كانت تأتي من الشرق وتهبط في مطار القدس المقام على أراضي قلنديا والرام وبيت حنينا، وبقي المطار يعمل لغاية عام 1967، وبعد احتلاله قامت شركات الطيران الإسرائيلية بتشغيله للرحلات الداخلية، قبل أن يصبح مهجورًا.

ويضيف: "عندما أنظر إلى أرض المطار اليوم ومدرجه، أشعر بحزن شديد على المطار الذي كان يفترض أن يكون نواة للدولة الفلسطينية، فمن ينظر إلى كل المنطقة يرى كيف دمر الاحتلال المطار والمنطقة كاملة لصالح مشاريعه الاستعمارية، كغيره من الأراضي المحتلة في القدس حيث تغيرت معالم الجغرافيا في كثير من المناطق لحساب المستعمرات المبنية على أراضي المواطنين الفلسطينيين".

وخلال فترة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، طورت سلطات الاحتلال الإسرائيلي المطار، لكن سلطات الطيران الدولية أخذت بعين الاعتبار أن المطار يقع ضمن أراض محتلة ولم تسمح بهبوط الرحلات الدولية فيه، لذلك فقد اقتصر استخدامه على الرحلات الداخلية والمستأجرة، قبل أن يغلق بشكل كامل عام 2000.

ويقول المحلل السياسي المقدسي راسم عبيدات: أنه في ذكرى مرور 100 عام على افتتاح مطار القدس الذي كان يفترض أن يكون مطار الدولة الفلسطينية، فإن الاحتلال وضمن سياسته للسيطرة على مدينة القدس، قتل المطار وحوله إلى منشآت وبعد ذلك يخطط لإقامة مستعمرة على مدرج المطار ومحيطه بهدف عزل المدينة عن محيطها الفلسطيني.

ويضيف: أن هذا المطار الذي كان ينقل آلاف المسافرين أصبح مستهدفا من الاحتلال الذي يريد أن يقيم مكانه 9 آلاف وحدة استعمارية، في إطار محاولات الاحتلال لتهويد المدينة وتقليص مساحة الوجود الفلسطيني وتكبير حجم المدينة بالمستعمرات لتصبح مساحتها تبلغ 10% من مساحة الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن الاحتلال يعمل على عزل القدس عن بقية الضفة الغربية بإقامة مستعمرات شمالها وجنوبها وشرقها، في مخطط يهدف إلى تقويض إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس.

ويقول عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة القدس، عدنان الحسيني: أن المطار كان يتنقل منه الفلسطينيون والطيران الدولي ينزل فيه، وكان عنوانًا لفلسطين في العالم، والآن كل ما له علاقة بالسيادة الفلسطينية في القدس يعمل الاحتلال على محيه ويسعى لمسح العنوان السيادي في مجال الطيران للقدس، مشيرًا إلى أنه في عام 2020، قدمت ما تسمى "وزارة الإسكان" في حكومة الاحتلال مخططًا لبناء حي استعماري ضخم على أراضي المطار وقرية قلنديا، يشمل وحدات سكنية ومباني تجارية وأخرى صناعية، بالإضافة إلى فندق ضخم سيتخذ من قاعة الاستقبال والمغادرة في المطار مركزًا له، موضحًا أن الاحتلال حارب المطار منذ اليوم الأول لاحتلاله، حيث حوله لمطار داخلي ثم مطار عسكري، وما نراه في المطار حاليًا مؤلم فالاحتلال يريد أن يغير الرواية بأنه لا يوجد شيء في هذا المكان، وما يقومون به تحت الأرض وفوق الأرض في محيط المطار يهدف لمحو هذا الرمز الفلسطيني.

ويضيف: أن الاحتلال يمحي حاليًا الخط الأخضر في الضفة الغربية، عبر إنشاء مستعمرات، وفي القدس يسعى الاحتلال لتهويد المدينة وهويتها العربية الفلسطينية، حيث يعاني المواطنون المقدسيون الأمرين من سياسات الاحتلال، ويتعرضون لعدوان على مساكنهم وأرزاقهم.

ويتابع أن الاحتلال يقوم بعمل ممنهج لتدمير مطار القدس بالكامل، فالمطار كان موجودًا ويمكن توسعته، وكان واجه لفلسطين واستقبل فنانين وسياسيين عرب وأجانب على مدار سنوات، لكن الاحتلال حاصره ودمره ويحاول بناء مستعمرة مكانه من أجل زيادة معاناة الفلسطينيين الذين لا يملكون أي مطار للسفر من خلاله.