في الحرب على غزة توصلت قيادة الجيش الإسرائيلي إلى نتيجة مفادها أن الفصائل الفلسطينية فكرة لا يمكن استئصالها في الحرب. ففي تقديرات القيادة العسكرية الإسرائيلية أن الحرب على رفح انتهت لكن نتنياهو يقول أنه بحاجة لأسابيع لإنهائها ذلك أنه بحاجة للوقت لأنه لا يملك أجوبة سياسية لليوم التالي وينتظر ما ستفضي إليه زيارته لواشنطن ولقائه في الكونغرس ومع المسؤولين الأميركيين. فهو يريد ثمنًا عسكريًا وماليًا من الإدارة الأميركية للمضي في مبادرة الرئيس الأميركي جو بايدن حول إنهاء الحرب وتبادل الأسرى. من هنا السؤال الأساسي هو حول الحرب المفتوحة على لبنان التي يهدد بها اليمين الديني اليهودي ومعه نتنياهو.

يعرف رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو أن حربًا مفتوحة على لبنان غير ممكنة من دون مشاركة وإسناد عسكري أميركي، وذلك لأن واشنطن تؤثر على "الحل الديبلوماسي" وتعتبره هو الأصلح لمستقبل إسرائيل في المنطقة ولتطبيع علاقاتها بالمنطقة وتهدئة الساحة الفلسطينية وإيجاد المخارج الهادئة لها لفترة بعيدة في الزمن. 

إنما في ظل دعوة الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وبعض دول غربية إلى رعاياها بتجنبوزيارة لبنان خلال هذه الفترة، ثمة خشية من إقدام الحكومة الإسرائيلية على "ضربة عسكرية موجعة للبنان" يتهيأ لها ليوجعهم بضربة مماثلة في العمق الإسرائيلي. ولعل هذا الاحتمال الوارد هو ما يفسّر كثافة الحركة الديبلوماسية الدولية باتجاه لبنان وإسرائيل في آنٍ معًا. وهذا ما يفسّر استنادًا لمعلومات كيف أن الوسيط الأميركي هوكشتاين ينتظر أن يعلن نتنياهو عن أن الحرب على رفح قد انتهت ليبادر فورًا إلى مطالبة لبنان في تنفيذ ما تمّ الإتفاق عليه حول تطبيق القرار الدولي 1701 وفقًا لشروط محددة يلتزم بها لبنان وإسرائيل في آنٍ معَا ما يتيح الفرصة لترتيبات حدودية معينة. والواضح أن لبنان يربط القبول بأي "مخارج معقولة" بإنهاء الحرب على غزة وإعطاء الحقوق الفلسطينية مكانها في أية حسابات وبلجم التدخلات الخارجية في لبنان والتي ترمي إلى تعميق الإنقسامات الداخلية.

وفي هذا السياق يراهن لبنان على الإدارة الذكية للمفاوضات التي يقوم بها الرئيس نبيه بري سواء مع "الداخل اللبناني" أو "الخارج الدولي". فالرئيس بري يرتكز إلى أمرين وحدة الموقف الشيعي والإنفتاح على القواسم المشتركة مع المكونات اللبنانية وكيفية مواجهة الإنقسامات الداخلية على قاعدة تجنب أي فتنة داخلية لا يستفيد منها سوى اليمين الديني اليهودي. وهذه القاعدة تؤمن التلازم بين الخيارات الوطنية تأسيسًا على الصعيد اللبناني لليوم التالي للحرب. وهكذا فإن انتخاب الرئيس اللبناني يندرج في الحوار الوطني الذي يمكن أن ينجم عن تغليب "الحل الديبلوماسي" لإنهاء الحرب التي تتعزز دوليًا والتي ترمي إلى تجنب اتخاذ خطوات غير محسوبة عسكريًا وتؤدي إلى تفجير المنطقة بأكملها وما هو ليس في صالح أحد. 

في كل الأحوال الخيار الوطني يفترض مراجعة عامة منها مسألة الميثاقية الطوائفية ومنها إعادة النظر بالقانون الانتخابي الذي أرسى نسبية لم تنتج سوى تحالفات طوائفية خاطئة على حسابات الخيار الوطني الذي يفترض توجهات فعلية.

والأجواء في المنطقة تشير إلى حلول ديبلوماسية آتية، فمن المتوقع أن يعلن نتنياهو في الكونغرس خلال زيارته للولايات المتحدة نهاية الحرب على غزة و"تحقيقه النصر شكلاً" فتأخذ واشنطن المبادرة إلى ترتيبات ديبلوماسية سبقها تقارب تركي – سوري يساهم في استعادة الدولة السورية لسيادتها على الأرض. كل هذا ممكن ما لم تحصل مفاجآت غير متوقعة أو تنجح المعارضة الاسرائيلية في إحداث تحولات داخلية في اسرائيل تشلّ اليمين الديني اليهودي وتحالفاته.