بقلم: زهران معالي
دأبت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلالها الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة عام 1967 على استغلال القانون والقضاء؛ لبسط سيطرتها على الأرض، عبر اتخاذ قرارات وسن تشريعات تصب في تلك الغاية.
ومنذ ذلك الوقت، حاولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تنفيذ خطة الضم، دون الإعلان عن ذلك بشكل رسمي، وفرض السيادة على الأراضي التي احتلها عام 1967 باستثناء القدس، وزادت وتيرتها في عهد الحكومة السابقة، التي اضطرت للتراجع صوريًا عن تنفيذ الخطة، نتيجة الضغط الدولي، وفق مراقبين، وخلال السنوات الأخيرة، اتخذت سلطات الاحتلال قرارات، وسنت تشريعات تهدف للاستيلاء على الضفة الغربية، أبرزها إقرار أعضاء حزب الليكود بالأغلبية في العام 2017 بضرورة ضم الضفة.
كما عبر بنيامين نتنياهو عشية الانتخابات عام 2019 عن رغبته في ضم الضفة إلى إسرائيل، وإعلان الحكومة الـ 37 برئاسته في خطوطها العريضة أن "للشعب اليهودي الحق الحصري في تقرير المصير على أرض إسرائيل كاملة"، وهو ما ترجمه في الاتفاق الائتلافي مع حزب الصهيونية الدينية على شكل تعهد "ببسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وكذلك قرار نقل صلاحيات "الإدارة المدنية" في العام 2023 من الحكم العسكري، ووزير الجيش، إلى وزير مدني في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش، كما اتفق على توسيع القوانين الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، ويسارع أعضاء الكنسيت الإسرائيلية على طرح قوانين جديدة أو التعديل على قوانين قائمة، بهدف ترسيخ الضم القانوني للمستعمرين في الأراضي المحتلة إلى إسرائيل، وتكريس حالة الفصل بينهم وبين الفلسطينيين قانونيا وديمغرافيا، وكذلك بغية فرض القانون الإسرائيلي على بعض المناطق الفلسطينية.
ومن بين تلك التعديلات على القوانين القائمة، كان المقترح الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود داني داني والذي يقضي بتعديل القانون الإسرائيلي الخاص بالمتنزهات الوطنية والمحميات الطبيعية والمواقع الوطنية والمواقع التذكارية لعام 1998، في شهر أيار/ مايو من العام الماضي، وكذلك الإعلان عن بدء تنفيذ ما نصّ عليه قانون "إلغاء فك الارتباط" من شمال الضفة الغربية، ومصادقة "الكنيست" بالقراءة التمهيدية على ضم مستعمرات مقامة على أراضي جنوب الخليل إلى النقب.
ويوضح المستشار القانوني لسلطة جودة البيئة مراد المدني، أن التعديل على قانون المتنزهات يهدف إلى جعل القانون ساري المفعول في جميع الأراضي الفلسطينية، أي أن كافة المتنزهات الوطنية والمحميات الطبيعية والمواقع الوطنية والتذكارية، ستصبح خاضعة للقانون الإسرائيلي، وليس للتشريعات السارية في الأراضي الفلسطينية باعتبارها أراضي محتلة، مؤكدًا أنه في حال المصادقة على ذلك التعديل، فإن سيشكل خطورة كبيرة، وسيؤدي إقراره من الناحية السياسية الى فرض السيادة الإسرائيلية على تلك المناطق، وهي عبارة عن عملية ضم قانوني لها إلى إسرائيل دون إعلان سياسي، منوهًا بأن إقرار التعديل المقترح يعني أن القانون الإسرائيلي سيطبق على جميع المحميات والمتنزهات والمواقع الوطنية والتذكارية، باعتبارها مواقع إسرائيلية وبغض النظر عن مكان تواجدها في مناطق (أ، ب، ج) وفقا لاتفاق أوسلو، كما سيؤدي إلى إخضاع المواطنين الفلسطينيين في تلك المناطق إلى القانون الإسرائيلي.
ويشير مراد إلى أن هذا التعديل سيؤدي إلى امتداد صلاحيات القضاء والمحاكم الإسرائيلية إلى تلك المناطق وإخضاعها للمحاكم التابعة لجهاز القضاء في دولة إسرائيل، ما يعني تجسيد للولاية القانونية والسياسية الاسرائيلية على تلك المناطق والمواقع، مشددًا على أن خطورة الأمر يأتي من كونه استمرارا لخطة الضم، التي حاولت الحكومات الإسرائيلية السابقة تنفيذها، ولكنها تراجعت عنها بسبب تحرك القيادة والحكومة وجهود الدبلوماسية الفلسطينية والضغط الدولي، مردفا: لكننا نجد هنا محاولة لتنفيذ هذه الخطة بطريقة فرض القانون الإسرائيلي على بعض المناطق الفلسطينية.
ويسجل مركز الأبحاث التطبيقية –القدس (أريج) في الأراضي الفلسطينية المحتلة 45 محمية طبيعية معلنة رسميا من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي (53 موقعًا) في الضفة الغربية المحتلة، تُعادل مساحتها 350.7 كيلومتر مربع، وتمثل 6.2٪ من إجمالي مساحة الضفة الغربية، مشيرًا إلى أن معظم مواقع المحميات الطبيعية (294.5 كيلومتر مربع - 84٪) من إجمالي مساحة المحميات الطبيعية بحسب التصنيف الاسرائيلي) يقع في المنطقة المُصنّفة "ج" حيث ما زالت السيطرة الكلية تخضع لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، فيما تقع 4٪ فقط من مساحة المحميات الطبيعية في المنطقة المصنفة "أ" بحسب اتفاقية أوسلو الثانية المؤقتة للعام 1995، حيث تتحمل السلطة الوطنية الفلسطينية جميع المسؤوليات فيما يتعلق بالأمن الداخلي والنظام العام، بينما تقع 8.3٪ من مساحة المحميات الطبيعية في المنطقة المصنفة "ب" حيث تتمتع السلطة الوطنية الفلسطينية بالسيطرة الكاملة على الشؤون المدنية، وتسيطر دولة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الأمنية الكاملة للمنطقة.
ويقدّر خبير الاستيطان خليل تفكجي، مساحات المحميات الطبيعية بنحو نصف مليون دونم من أراضي الضفة الغربية، تقع غالبيتها في المناطق المصنفة (ج)، التي يسيطر الاحتلال عليها بالكامل، مؤكدًا أن تلك المناطق التي يستغل الاحتلال القوانين لتحويلها لمحميات طبيعية، ينظر إليها على أنها رصيد احتياطي استراتيجي للاستعمار في هذه المناطق.
ويلفت تفكجي إلى الأمر العسكري رقم 373 لعام 1970 الذي يعطي صلاحية للقائد العسكري للضفة الغربية بالإعلان عن أراضٍ معينة حدائق عامة (كما الأمر رقم 363) بشأن المحافظة على المحميات الطبيعية، إذ خوّل القانون قائد الضفة الغربية، وأداته التنفيذية "الإدارة المدنية الإسرائيلية"، الإعلان عن منطقة ما محمية طبيعية بموجب أمر يصدره، علماً أن مساحة المحميات الطبيعية تصل إلى نصف مليون دونم، منها 12 ألف دونم تم الإعلان عنها في العام 1994، أي بعد اتفاقية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
ويوم الأربعاء الماضي، أعلن وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي يوآف غالانت في بيان مشترك مع ما يسمى رئيس مجلس المستعمرات في شمال الضفة الغربية يوسي داغان، بدء تنفيذ ما نصّ عليه قانون "إلغاء فك الارتباط" من شمالي الضفة الغربية.
ويأتي هذا القرار في سياق ردود الفعل الإسرائيلية المتطرفة والغاضبة على قرار إسبانيا والنرويج وإيرلندا الاعتراف بدولة فلسطين، تكريسا لحق شعبنا في تقرير مصيره على أرضه، وفي خطوة فعلية لدعم تنفيذ حل الدولتين.
ويشير مدير دائرة التوثيق والنشر في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داوود، إلى أن قانون فك الارتباط تم تعديله في آذار 2023 مع تشكيل حكومة اليمين المتطرف مطلع العام 2023، وأنه أجري على القانون تعديل سمح بإعادة الاستعمار إلى مستعمرات شمال الضفة الغربية المخلاة الأربعة، لكن كان ينقصه إذن تنفيذي من وزير جيش الاحتلال يوآف غالانت، وأصدر بعد تعديل القانون تصريح السماح بالعودة لـ"حومش" فقط، التي توجد بها بؤرة على شكل مدرسة دينية وعلى إثرها تم بدء البناء فيها منذ تلك اللحظة، لكن يوم الأربعاء تم منح تصريح بالعودة لمستعمرات "غانيم وكاديم وسانور" في جنين، موضحًا أنه قبل إخلاء هذه المستعمرات في 2005 كانت عبارة عن مستعمرات صغيرة لا يتجاوز سكان الواحدة منها 1000 مستعمر، وأن القرار الأخير كان بمثابة رد على الاعتراف بدولة فلسطين، ودولة الاحتلال لا تستهدف فقط الأرض الفلسطينية والفلسطينيين، بل تعتدي على الشرعية الدولية بأكملها وعلى القانون الدولي ما يستدعي موقفا حاسما من العالم.
ويتابع: مع ذلك الفلسطيني سيواصل مشوار مقاومة الاستعمار والاحتلال مثلما قاومه بالفطرة الأولى منذ اللحظة الاولى من احتلال أرضه ولن يتوقف، وهو بالمجمل تحدي أمام المجتمع الدولي ليقول كلمته إذا كان جادًا، باعتبار أن القرار يؤكد الهوية الاستعمارية الاحلالية لدولة الاحتلال.
وكانت الكنيست الإسرائيلية صادقت قبل أيام بالقراءة التمهيدية، على ضم مستعمرات مقامة على أراضي جنوب الخليل إلى النقب.
ويؤكد داوود أن خطورة هذا القانون أنه يعتبر واحد من قوانين وإجراءات الضم، أو بمعنى آخر، التعامل مع مستعمرات الضفة الغربية، بشكل تدريجي، كبلدات ومدن في داخل أراضي العام 48، وجرت عملية إيداع هذا القانون في الثالث من نيسان، بانتظار قراءات أخرى لتحديد وضعه القانوني والتنفيذي، مشددًا على أن الاحتلال في ختام ذلك كله تستكمل ما تفعله دائمًا، ومنذ اليوم الأول من الاحتلال وإنشاء بيئة تشريعية رافعة للاستعمار، ولا تكتفي بالاستيلاء على الأرض لكنها إضافة إلى ذلك، تستكمل عملية ضمها وتعبث من خلالها بالجغرافيا الفلسطينية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها