يحاول المواطن أيمن الجعيدي إفراغ الماء الذي تجمع جراء المطر الغزير فوق القماش المشمع الذي تحتمي تحته عائلته، بعد أن نزحت إلى باحة مدرسة تابعة لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، بحثًا عن مكان أكثر أمنًا، مع تواصل عدوان الاحتلال الإسرائيلي على القطاع المحاصر منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

وعائلة المواطن الجعيدي، واحدة من آلاف العائلات التي نزحت إلى الجنوب، مع اشتداد القصف الإسرائيلي من الجو والبر والبحر، على منازل المواطنين في شمال ووسط قطاع غزة، علمًا أن جنوب القطاع لم يسلم من هذا القصف، إلا أن تلك العائلات لم يبقى لها أي خيار سوى النزوح، بعد الدمار الذي لحق بمنازلها، وصعوبة وصول المساعدات الغذائية وحتى المياه الصالة للشرب إلى الشمال والوسط.

ورغم أن الأمطار تبدو أضرارها أقل وطأة من القنابل والصواريخ التي ألقت بها آلة الحرب الإسرائيلية على رؤوس المدنيين العزل، إلا أنها أضافت المزيد من المعاناة للنازحين الذين يتخذون من الخيام التي صنعوها من أغطية قماش تمكنوا من حملها معهم من بيوتهم، مأوى لهم.

ويحصل النازحون على كميات قليلة من مياه الشرب، وحصص غذائية ضئيلة، يتم توزيعها على المخيمات المؤقتة في المدارس ومراكز الإيواء الأخرى. وفي ظل شح الحصول على أساسيات الحياة، يواجهون الآن 

مشكلة تساقط الأمطار التي تتحول إلى مياه راكدة مع ما يمكن أن ينجم عن ذلك من أمراض تنقلها المياه.

ويقول المواطن الجعيدي: "أمطرت الدنيا وتبللنا وتبللت كل أغراضنا وملابسنا والفرش والأغطية... هذه العيشة لا تحتمل".

في كل مكان انهمك المواطنون في العمل، بعضهم تمكن من العثور على قماش مشمع بلاستيكي استخدموه في تغطية الخيام المصنوعة من القماش، وراح  آخرون يثبتون أكياسًا بلاستيكية لتغطية ما قد يصبح مأوى لهم لفترة طويلة، بعد أن أدى قصف الاحتلال الإسرائيلي الكثيف إلى تدمير نصف منازل قطاع غزة تقريبًا أو إصابتها بأضرار جسيمة.

ويضيف الجعيدي وهو يرتدي قميصا قصير الأكمام فيما تحول الطقس الخريفي إلى البرودة: "الأطفال ملابسهم تبللت ولا يوجد لهم غيارات، سيمرضون".

ويتابع غاضبًا: "أين سننام؟ لم نأكل شيئا منذ ثلاثة أيام، الأونروا تؤمن لنا الطعام المعلب والبسكويت لكن أطفالنا لا يشعرون بالشبع، أعطونا خبزًا، نريد أن نأكل ونطعم أطفالنا".

أما المواطنة سهى حسن، والتي نزحت منذ اليوم الأول للعدوان، فتقول: "نحن هنا في الخيمة منذ أربعين يومًا، الوضع مأسوي لا طعام ولا ماء، هطل المطر اليوم ورغم أننا نريد الماء إلا أننا غرقنا وتبللت ملابسنا، لا يوجد لدينا ملابس كثيرة وأغلبها خفيفة للصيف. خرجنا من بيوتنا بلا شيء. الوضع لا يحتمل. نحن في بداية الشتاء ماذا سنفعل حين يشتد المطر؟ أين سنذهب بأطفالنا؟ الأطفال مناعتهم ضعيفة بسبب قلة الأكل والتلوث والشتاء سيفاقم الأزمة".

من حولها كان البعض يحاول جمع مياه الأمطار، قام رجال بجمع المياه المتدفقة من المزاريب في حاويات بلاستيكية وزجاجات. في حين حاول آخر سد ثقب في القماش المشمع فوق رأس إمرأة تعد الخبز على الحطب. فلا يمكن أن يدعوا المطر يخمد النار، أو أسوأ من ذلك أن يتلف أرغفة الخبز الرقيقة التي لا تقدّر بثمن وينتظرونها بلهفة، ففي جنوب قطاع غزة الذي يفرض عليه الاحتلال حصارًا كاملًا، يبلغ سعر كيس الطحين 200 دولارًا، إذا وُجد.

ووفقًا للأمم المتحدة نزح أكثر من 1,5 مليون مواطن من غزة البالغ عددهم 2,4 مليونًا، ويعاني جميع المواطنين من الجوع. وقامت الأونروا بتأمين 154 ملجأ لاستيعابهم، إلا أن جميعها تستقبل أعدادًا أكبر بكثير من طاقتها حيث يتقاسم المئات مرحاضًا واحدًا ودُشًا واحدًا وفق تقارير الوكالة اليومية.

وحذرت الوكالة من أن "الاكتظاظ يساهم في انتشار الأوبئة وخصوصًا التهابات الجهاز التنفسي الحادة والإسهال". وتحدث مسؤولو الأمم المتحدة عن تفشي الكوليرا.

وحذّر مدير "الأونروا" في غزة توماس وايت الاثنين من أن شاحنات الوكالة لن تتمكن من استقبال المساعدات عند معبر رفح الثلاثاء ونقلها بسبب نقص الوقود.

وأضاف: أن "العمليات الإنسانية ستتوقف خلال 48 ساعة اذا لم يسمح بدخول الوقود إلى غزة".

وأسفر العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، عن ارتقاء 11255 شهيدًا، بينهم 4,630 طفلاً، و3,130 إمرأة، و682 مسنًا، فيما بلغ عدد الإصابات نحو 29 ألفًا، في حصيلة غير نهائية. وما زال أكثر من 3250 مواطنًا في عداد المفقودين أو تحت الأنقاض، بينهم 1700 طفل.