بشار دراغمة

 "مع السلامة يما".. بعبارات معهودة تودع الأم نجلها الشهيد بعد 35 يوما من الدعاء المتواصل وأمنيات الشفاء، لكن القدر ذا القوة العظمى فرض على والدة الشهيد عمير لولح من بلدة زواتا في محافظة نابلس أن تحظى برنين لا يفارق الذاكرة لموت يتقن المحتل زراعته في فلسطين.

تشخص عينا أم عمير باتجاه النعش وموكب التشييع، وتكاد تسمع نجلها يخاطبها مجددا بما تمناه يوما بأن تكون والدته "أم الشهيد".. تصرخ بثبات وقد حصنت نفسها بشيء من الصبر "قالي رح تكوني أم الشهيد".

حكايات أمهات الشهداء مع مواكب التشييع واحتضان الجثمان متشابهة وتكاد تكون ذاتها، قبلات على الجبين وحديث وهمس في أذن الراحلين، لا تعتبره الأمهات حديثا باتجاه واحد، فتكاد تسمع ردا من الجسد المسجى، فيحصل الصبر فجأة، فتروي الأم للمعزيات شيئا من الذكريات بينها وبين نجلها.

تحتضن إحدى المواطنات أم عمير، راجية منها الصبر، وتخبرها أن ابنها عريس في الجنة، فترد الأم "اللهم أجرني في مصيبتي".

عمير لولح الذي أصيب برصاص الاحتلال في الثاني والعشرين من الشهر الماضي، خلال عدوان واسع استشهدف البلدة القديمة من مدينة نابلس واستشهد خلاله 11 مواطنا وأصيب أكثر من 100 بجراح، فارق فجر أمس الحياة، إثر إصابته البليغة التي حاول الأطباء التغلب عليها خلال أكثر من شهر. لم تكن حالة عمير تشهد تحسنا، بينما الأم تجلس بجوار نجلها وهي تنظر إلى ذلك الوجه الذي تكبر ذقنه يوما بعد آخر، لم ينقطع مد يديها إلى السماء طالبة من الله الشفاء، مسلمة بكل ما يحمله القدر من مصير.

وشيعت جماهير نابلس أمس جثمان الشهيد لولح في بلدة زواتا، بينما ردد المشيعون عباراتهم المعهودة التي تنتقد كل هذا الصمت إزاء الجرائم التي تحدث في فلسطين.

على الحائط الأزرق ينعى أصدقاء عمير رفيق دربهم من خلال منشورات لم تنقطع على صفحته على "فيسبوك"، والتي تبدل الحال فيها من عبارات الدعاء والأمنيات بالشفاء إلى دعوات الرحمة لروحه الطاهرة.

يكتب محمد على صفحة عمير على "فيسبوك": "زفيناك بأحلى عرس.. زفيناك بعرس الكل بتمناه، سلم على الشهدا يا عمير هنيئا لنا ولك بشهادة سيدي الشهيد الله معك يا وجع العمر".

بينما ينعى كمال صديقه عمير قائلا: "ولا ختاما يليق بالأحرار الا مسك الشهادة، انا لله وانا اليه راجعون الله يرحمك يا صاحبي ويجعل مثواك الجنة، شهيد وأيام مباركه رحمة الله عليك يخوي". ويرد آخر: "يشهد الله انك تمسكت بالحياة والجهاد حتى آخر نفس وآخر قطرة دم فاستشهدت". بينما ينعى عبود صديقه قائلا: "والله أن مخزون الرثاء قد أستنفذ بالكامل.. والله لا نطيق بعد الفراق هذا فراقا، رحم الله الشهيد عمير لولح واسكنه فسيح جناته".

أما صديقه هادي فكتب: "الطيبون يرحلون، ما أشد وجع قلوبنا لفراقك يا سيدي الشهيد.. ليس من السهل رثاء فقيد وعزيز وليس من السهل أن تجف الدموع على فراقك يا عمير ولكن القلب أجبر القلم على الكتابة بعد أن حبس كل دموع الحزن وكتم كل زفرات الألم.. رحلت جسدا وأنت بقلوبنا من الحاضرين، هذا ما يحدث فى هذه الأيام.. أرواحا تلف حولنا ثم بين لحظات نسمع أنك رحلت لدرجة أن القلوب تكاد تنكر الحقيقة المفزعة".

المصدر:الحياة الجديدة