تقرير: سامي أبو سالم
قرب الطريق الفاصل بين قرية بورين، جنوب نابلس، ومستوطنة "يتسهار"، يقع منزل "أبو أيمن" صوفان، الذي يتعرض لأكثر من عقدين لاعتداءات المستوطنين الإرهابيين الذين يحاولون الاستيلاء عليه وعلى الأراضي المجاورة لتوسيع مستوطنتهم، كما قال أفراد من العائلة.
بيد أن العائلة صامدة أمام كل عمليات الترغيب والترهيب، وترفض إخلاء بيتها تحت أي ظرف كان، لا سيما أن البيت كالسد المنيع "فإذا سقط في يد المستوطنين فستسقط المنطقة بأكملها التي تشمل أراضي أخرى مثل قرى بورين، وحوارة، ومادما، وعصيرة" كما يقول مصعب صوفان.
وأشار مصعب (32 عاما) إلى أنه منذ عام 2000 تصاعدت الاعتداءات بحقهم، أبرزها عندما حرق المستوطنون الإرهابيون منزلهم واعتدَوا على أفراد العائلة، الأمر الذي أدى إلى وفاة والده "أبو أيمن صوفان" بنوبة قلبية عام 2002.
"حرقوا بيتنا وسياراتنا وأشجار زيتوننا، وحاولوا قتلنا حرقا، وسرقوا الخيل والأغنام ودمروا شبكة الكهرباء، واعتداءات وعمليات ترهيب دائمة.. ولن نرحل" قال مصعب.
وكشف صوفان أن الترهيب سبقه إغراءات مالية لكن العائلة ترفض رفضا قاطعا هذه الإغراءات رغم ضيق الحال، "عرضوا علينا ملايين الدولارات مع تسهيلات بالسفر لأي دولة ورفضنا وسنرفض".
وحول ما يعنيه تمسك الفلسطيني بأرضه وذكرى "يوم الأرض" الذي يصادف الثلاثين من آذار، قال مصعب: إن يوم الأرض ليس ذكرى تاريخية بل واقع مستمر بسبب ما نتعرض له من إرهاب يومي للاستيلاء على أرضنا.
وينظم الفلسطينيون، على المستويين الشعبي والرسمي، فعاليات في ذكرى يوم الأرض الذي يصادف الثلاثين من مارس/ آذار من كل عام، إحياءً لاستشهاد 6 فلسطينيين قتلهم الاحتلال الإسرائيلي خلال احتجاجهم على مصادرة آلاف الدونمات من أراضيهم في قرى عربية في الجليل منها: عرابة، وسخنين، ودير حنا، وعرب السواعد.
وفتحت قوات الاحتلال النار حينها على المحتجين فقتلت كلا من: خير أحمد ياسين (23 عاما) من عرابة البطوف، وخديجة شواهنة (23 عاما)، ورجا حسين أبو ريا (23 عاما)، وخضر خلايلة (30 عاما) وثلاثتهم من سخنين، ومحسن حسن سيد طه (15 عاما) من كفر كنا، ورأفت علي زهدي (21 عاما) من مخيم نور شمس، فيما أصيب 49 فلسطينيا واعتُقل 300 وفقا للمركز الوطني للمعلومات.
وفي أكثر من محفل، حث الرئيس محمود عباس المواطنين على التمسك بأرضهم والتصدي لقوات الاحتلال والمستوطنين.
ففي خطابه في ذكرى "النكبة" العام المنصرم، قال سيادته: "إن الصمود على الأرض والتمسك بها والبقاء عليها، مهما بلغت الصعاب والتعقيدات وجرائم الاحتلال الوحشية، هو الرد الأمثل على النكبة، وعلى عقلية التطهير العرقي والاستيطان والتهويد".
ولا تشكل عائلة صافون حالة فردية، بل هي أشبه بظاهرة للصمود، ففي قرية اسكاكا الفلسطينية، شرق مدينة سلفيت، شمال الضفة الغربية، استل إرهابي إسرائيلي سكينا وغرسها في صدر المهندس الفلسطيني علي حسن حرب (27 عاما) وقتله على الفور عندما كان يدافع عن أرضه.
ويروي زاهي حرب (52 عاما)، عم الشهيد علي، لمراسل "وفا" أن ابن أخيه استُشهد دفاعا عن أرضه التي كانت معرضة للنهب من إرهابيين إسرائيليين، بحماية جنود الاحتلال، في الحادي والعشرين من حزيران/ يونيو الماضي.
ويؤكد زاهي حرب أن أفراد العائلة لن يتنازلوا عن أرضهم تحت أي ظرف، وسيبقَون بالمرصاد ضد أي محاولة استيلاء عليها.
"سندافع عن أرضنا حتى لو كلفنا ذلك دماءنا، لن نتنازل عن أرضنا للاحتلال" قال زاهي حرب لمراسل "وفا" في اتصال هاتفي.
وفي كانون الأول 2014، استُشهد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وعضو المجلس الثوري لحركة فتح، زياد أبو عين، بعد الاعتداء عليه من جنود الاحتلال بالضرب واستهدافه بقنبلة غاز سام مسيل للدموع وهو يدافع عن أرض مهددة بالمصادرة في بلدة ترمسعيا شمال رام الله.
وقال مسؤول ملف الاستيطان، شمال الضفة، غسان دغلس: إن الاحتلال والمستوطنين المدعومين بقوات الاحتلال لا يتوقفون عن الاستيلاء أو محاولة الاستيلاء على أراضي المواطنين بالقوة وبشكل يومي في العاصمة القدس المحتلة، والأغوار، والخليل، ونابلس، وقلقيلية، وكل أرجاء الوطن، فيما يستمر المواطنون في دفاعهم عن أرضهم.
وعمليات الاستيلاء على الأراضي، تتم لبناء أو توسيع مستوطنات أو لاستخدامها كمنطقة عسكرية، كما يجري الآن في قرى مسافر يطا في الخليل، أو لمجرد الاستيلاء لتهجير المواطنين، وفقا لدغلس.
وتتعدد أساليب الاحتلال في السيطرة على الأراضي، أبرزها: القوة، والاعتداء على المواطنين أو بالتغيص عليهم، بهدم منشآت زراعية، وتدمير شبكات مياه وكهرباء، وقطع طرق، ومنع الرعاة والفلاحين من ممارسة أعمالهم، وغيرها من عشرات الأساليب التي ترتكز على المساس بالمواطنين وشل حياتهم.
ويشارك المستوطنون، المدعومون بجنود الاحتلال، في الاستيلاء على الأراضي بقتل المواطنين والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم، مثل حرق الأشجار وقطعها وغيرها الكثير من الأعمال الإرهابية، مثل حرق عائلة دوابشة حتى الموت وهم نيام.
وكان إرهابيون إسرائيليون تسللوا إلى قرية دوما قرب نابلس، شمال الضفة الغربية، وحرقوا منزل دوابشة وهم نيام، ما أدى إلى استشهاد الرضيع علي (18 شهرا) ووالديه سعد وريهام، وإصابة الطفل أحمد (4 سنوات) بجراح بالغة.
وتواصل قوات الاحتلال سياسة هدم المنازل ومصادرة الأراضي بكثافة، لا سيما في القدس المحتلة.
وكشف تقرير بعنوان: "جرائم الاحتلال في محافظة القدس خلال شهر شباط" الصادر عن محافظة القدس أن الاحتلال دمر 44 منشأة، ونفذ ثلاث عمليات تجريف أراضٍ.
"دمرت آليات الاحتلال وطواقمه خلال شهر شباط 28 منشأة شملت: 9 منازل، و7 محلات تجارية ومنشآت زراعية. كما سلمت سلطات الاحتلال نحو 36 إخطارًا بالهدم على عدد من المنشآت التجارية والمنازل، لا سيما في بلدة جبل المكبر، وفقا للتقرير.
وأصدرت قوات الاحتلال قراراً بشأن مُصادرة 252,395 دونمًا من أراضي بلدة حِزما لتصبح الأراضي المُهددة بالمصادرة أكثر من 500 دونم، وفقا لتقرير محافظة القدس.
وشدد دغلس على أن العقبة الأولى أمام سياسة نهب الأراضي هي صمود المواطنين ودفاعهم عن أرضهم، وتشبثهم بها ليس فقط شعارا سياسيا بل هو جزء من العقيدة الفلسطينية التي يتمسكون بها بشكل شخصي أو جماهيري أو رسمي وبشكل يومي.
"لم يعد يوم الأرض ذكرى تحييها الأوساط الرسمية والشعبية كل عام، بل بات أشبه بحالة انعقاد دائم في مختلف أرجاء الوطن" قال دغلس.
المصدر: وكالة أنباء وفا
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها