عندما تسير في شوارع قطاع غزة، لا بد أن يأخذك الفضول لعد بسطات الشاي والقهوة المنتشرة في كل شارع، بل وفي كل زقاق وعند كل مفترق، وكأنها مؤشر يذكرك بحجم المأساة التي يعيشها هذا الجزء من الوطن.
أحالت الأوضاع الاقتصادية القاسية آلاف الشبان إلى قارعة الطريق في غزة، ينادي بعضهم "شاي قهوة دخان يا عم"، في وضع وجدوا أنفسهم فيه أمام تحدي الصمود بكرامة أمام غول الجوع والفقر المستشري هناك بفعل تضييقات حماس.
ويعد قطاع غزة الأكثر اكتظاظا من حيث السكان في العالم، حيث يمتد على مساحة 360 كم مربعا، ويعيش فيه وفق الجهاز المركزي للإحصاء خلال 2022 مليونين و375 ألف نسمة، ووصلت نسبة البطالة في الربع الثاني من عام 2022 نحو 44.1%.
ويقول أحمد (40 عاماً) صاحب بسطة لبيع الشاي: "كنت أعمل خياطاً حتى عام 2010، وكنت وقتها أحصل على 12 شيقلا في الساعة، وبعد ذلك وجدت نفسي في الشارع بعدما توقف المصنع عن العمل، بسبب الحصار الناتج عن ممارسات حماس.
ويضيف وهو يقف على بسطة في منتصف الشارع وعيناه ترقبان أي تحرك لشرطة حماس أو البلدية، "بقيت دون عمل لمدة سنتين وطرقت كل أبواب العمل في غزة دون جدوى".
وتمنع بلدية حماس في غزة وطواقمها هؤلاء الشباب من البيع على البسطات، بحثا عن لقمة عيش كريمة بحجة أن ذلك يضر بالمظهر الحضاري للمدينة.
يقول أحمد "اليوم أعمل على هذه البسطة من الساعة السادسة صباحاً حتى الخامسة مساءً لأحصل بالكاد على 15 شيقلا، وللأسف تلاحقنا بلدية غزة وكل ما أفعله حيال ذلك هو الهروب كلما حضرت طواقم البلدية... يقولون إنه ممنوع فأين نذهب؟
وعلى بعد أقل من عشرين مترا يقف ماهر أبو عيد (31 عاما) متزوج، ويشتكي هو الآخر مأساة واقع غزة وما تمارسه البلدية من ظلم تجاههم عبر منعهم من التقاط رزقهم كما يقول، "أعمل هنا من الفجر حتى الساعة 3 عصراً بيومية قدرها 20 شيقلا".
ولا يختلف حال أبو عيد عن بقية بائعي هذه البسطات، فما إن تحضر طواقم البلدية حتى يتركوا المكان فارين ولا يعودوا إلى بسطاتهم إلا بمغادرة طواقم البلدية.
ولا تكتفي بلدية غزة بهذه الحالة من المطاردة، بل إنها أحيانا تصادر البسطة وهنا يضطر صاحبها إلى دفع مبلغ 50 شيقلا لاستردادها.
من جانبه قال نادر (22 عاماً) "أنا خريج تمريض أعمل للأسف في بيع الشاي والقهوة لأعيل عائلتي المكونة من 8 أفراد، أعمل من الخامسة فجراً حتى بعد صلاة العشاء، وأحصل في اليوم على 15 شيقلا وفي أحيان كثيرة على عشرة فقط، ليس لدي مصدر دخل آخر".
ويعيش نادر في شقة مستأجرة، وما يحصل عليه من البسطة يدفعه بدلا للإيجار، "أرى أطفالي نصف ساعة في اليوم، حاولت كثيراً أن أجد عملا آخر ولكن للأسف هذا هو واقع غزة ووضعها، والمسؤول لا يتعامل معنا كبشر بل كجباية فقط".
وتابع، "أتمنى وبشدة أن أهاجر وأترك هذا البلد من الصبح، وهي أمنيتي التي أحلم أن تتحقق ولكن العائق أمامي أن السفر بحاجة إلى نقود وأنا لا أملكها".
أضحى هاجس الهجرة من غزة يتزايد يوما بعد يوم رغم الكوارث التي تحل بأولئك الشبان الذين يهاجرون عبر قوارب الهجرة، حيث توفي العشرات في حوادث غرق منفصلة في البحار والمحيطات عبر العالم، هروبا من واقعهم المرير في قطاع غزة.
وبالرغم من أنه لا توجد إحصاءات رسمية فلسطينية حول عدد المهاجرين من قطاع غزة، إلا أن تقارير صحفية كشفت النقاب عن أنه منذ عام 2007 حتى 2021 فإن 860.632 ألف شخص غادروا القطاع دون عودة، بينما قدر مختصون آخرون أن عدد المهاجرين من القطاع يقدر بأكثر من ذلك.
أما إبراهيم (38 عاما) وهو متزوج ولديه 4 أطفال فيقول: "أعمل من الساعة 9 صباحاً حتى العاشرة مساءً وأحصل على 20 شيقلا فقط".
إبراهيم خريج علم نفس واجتماع يعمل كي يوفر لأطفاله لقمة عيش كريمة، سُجن قبل أيام لمدة 12 ساعة لمجرد أنه يبيع على بسطة للشاي والقهوة.
يقول "مسؤول في بلدية حماس هددني بقوله، "سأحرق البسطة أمام عينك والبضاعة أيضا" ويقسم إبراهيم، "والله ما استطعت أن أرد عليه".
ويختم "قوت أولادنا أهم من حجج المظهر الحضاري، بدنا نعيش طالما لا يوجد شغل في غزة فليتركونا نعيش".
وفي الوقت الذي يعاني المواطن لتأمين قوت أطفاله باحثا عما يمكن أن يساعد في ذلك، نرى قادة حماس وعناصرها يعيشون في ثراء فاحش، وفرص عمل مفصلة للبعض على حساب الآخر، فالغزيون يبحثون عن لقمة من أجل أساسيات العيش واستمرارية الحياة، بينما يبحث الآخرون عن أمور تجاوزت حدود ذلك.
ووفقاً لمركز الإحصاء الفلسطيني/ مسح القوى العاملة للربع الثاني دورة (نيسان – حزيران، 2022)، فقد بلغ عدد العاطلين عن العمل حوالي 357 ألفاً في الربع الثاني 2022؛ بواقع 223 ألفاً في قطاع غزة وحوالي 134 ألفاً في الضفة الغربية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها