أمل حرب
وجدت نهيل أبو عيشة نفسها في أجواء انتفاضة الحجارة، وهي لم تبلغ من العمر 13 عاما، عقب اعتقال شقيقيها بتهمة إلقاء الحجارة على قوات الاحتلال الإسرائيلي. كانت في طليعة المتظاهرات من الطالبات، تهتف باسم فلسطين وتلقي الحجارة على دوريات الاحتلال، تطاردهم ويطاردونها، يبحثون عن تلك الفتاة السمراء الطويلة التي تتقدم الجموع، إلى أن تم اعتقالها خلال إحدى المظاهرات.
وقالت: "حاولت الاحتماء في احد المحلات التجارية إلا أنهم اعتقلوني ووضعوني في سيارة عسكرية وذهبوا بي إلى غرف التحقيق، كانت إحدى المجندات تضربني على قدمي بقوة والمحقق يستجوبني مع أي تنظيم تعملين.؟. من بعثك لترمي الحجارة على الجيش؟ وكنت اقول ما حد بعثني.. وكان يهددني بالسجن.. وسجن أهلي... ولما تأكد أن عمري 13 عاما، صدم وغضب جدا".
وتابعت: "خرجت من التحقيق بصحبة أبي وأمي قرابة الساعة 12 ليلا، وذهبت إلى النوم دون أكل ولا تفكير، فالتعب والنعاس سيطرا عليّ".
وأردفت: "خرجت من هذه التجربة بقوة وجرأة أكثر.. مشاركة في كل المظاهرات. وفي يوم من أيام العام 1991 كانت مواجهات خفيفة اندلعت في باب الزاوية، وفجأة شعرت بأحدهم يضع يده بقوة على رقبتي من الخلف ووضع المسدس في رأسي... كان من القوات الخاصة ومعه مجموعة، فتشوا حقيبتي ورموا الكتب على الأرض وصفعني أحدهم على وجهي".
وتابعت: "بعد نصف ساعة تم نقلي إلى التحقيق وخرجت لأني قاصر وبعد دفع غرامة 3 آلاف شيقل بتهمة رمي الحجارة على الجيش، الا أن كل هذه الاجراءات لم تثنيني عن المشاركة في المناسبات الوطنية والتضامن مع الأسرى ويوم الأرض وكل الفعاليات الوطنية".
"في عام 2013 كنت في بداية الثلاثينات من عمري، حيث بدأت أتوجه للمشاركة في الفعاليات الخاصة بإسناد الأسرى"، تتابع أبو عيشة.
وواصلت أبو عيشة رواية قصتها: "في أحد الأيام اقتحم الجيش بيتنا في جبل أبو رمان بالخليل، وأخذوا يحققون مع اهلي ويسألون عن اخوتي.. وانا في غرفتي. قمت بتغيير ملابسي، حتى سألوا عني اين نهيل؟ ودخلوا غرفتي واعتقلوني بتهمة الانتماء إلى تنظيم حركة فتح والتخطيط لعملية، وأخذوني إلى التحقيق بالقرب من مستوطنة كريات اربع.. وتركوني في الساحة طول الليل في برد شباط وتركوني حتى الصباح إلى ان اخذوني للتحقيق، ثم نقلوني إلى سجن هشارون لمدة سنتين دون محاكمة، ثم حكم علي بثلاث سنين".
وتابعت: "أجواء سجن هشارون صعبة، الغرف ضيقة وفيها عدد كبير من الأسيرات، كثيرات منهن كن ينمن على الأرض... والغرفة مليئة بالصراصير والقوارض والبق. رغم ان الاسيرات ينظفن المكان".
وقالت: "تعرفت هنالك على العديد من الأسيرات: نوال السعدي، ولينا الجربوني، وما أصعب ان اشرح معاناة الاسيرات.. لا أنسى جلسات الأسيرات في الصباح والدروس الدينية والوطنية والثقافية، بالإضافة إلى التعاون بين الاسيرات وحماية بعضهن".
وتذكرت أبو عيشة زيارة المرحومة والدتها لها في السجن، حيث كانت تلقاها بالدموع والبكاء، رغم دعمها لها ودعواتها، مشيرة إلى حرصها على الحضور في كل الزيارات، حتى التي كانت فيها محرومة من الزيارة لرفع معنوياتها ودعمها.
وتابعت: "في شهر 8-2021 تم اعتقالي للمرة الثانية. في تلك الفترة كان الاحتلال يعمل على إنشاء مصعد كهربائي في الحرم الابراهيمي وموقف للسيارات، وكانت هناك احتجاجات ووقفات ضد اجراءات الاحتلال وكنت مشاركة في مسيرة قرب الحرم، قمعها الاحتلال بعنف. وفي اليوم التالي كان الوضع أصعب وكان الجيش متجهزا لقمع المسيرة، وكان هنالك مستوطن حاول سحب العلم من يدي وحاوت منعه وحاول ضربي، وحصل عراك مع المستوطنين، وقمع للمسيرة من قبل جيش الاحتلال بقنابل الصوت والغاز، وبعد انتهاء المسيرة خرجت من باب الحرم إلى البيت فأوقفني الجيش، حيث قامت المجندات بضربي على ظهري بقوة، ونقلوني إلى شرطة جعبرة القريبة من البلدة القديمة، وتمت إحالتي للتوقيف ثم إلى سجن هشارون ثم إلى محكمة عوفر، وبقيت لمدة شهرين في السجن دون محاكمة".
وأردفت: "في إحدى الليالي فتح باب السجن، وأتوا بأسيرة جريحة مصابة في رجلها اسمها فيروز البو، على كرسي متحرك، وقال لي السجان خذي هذه الأسيرة عندك، وكان من الصعب التعامل معها في هذا الوضع وهي بحاجة للعلاج، بقيت معها أسبوعين، لكن تم نقلي إلى سجن الاسيرات".
وختمت أبو عيشة : "رغم خروجي من السجن إلى أن قلبي بقي هناك، هنالك المشتاقون إلى نور الشمس ولمس التراب ومعانقة الحرية، فمكان هؤلاء الأبطال في وطنهم وبين أهلهم وليس خلف القضبان".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها