كما في كل المنعطفات والمحطات خرجت غزة من بيت حانون شمال القطاع إلى رفح في جنوبه عن بكرة أبيها، وتدفقت الجماهير في ساحة الكتيبة وشوارع المدينة، حتى اختنقت الأنفاس من الازدحام والاكتظاظ يوم السبت الماضي الموافق 31 كانون 1 / ديسمبر 2022 وقالت الجماهير كلمتها بقوة واقتدار وشجاعة الأبطال المؤمنين بالانتماء للرصاصة الأولى ولمؤسسيها ورموزها ولحركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، قائدة الثورة الفلسطينية المعاصرة، وعمودها الفقري، وحاملة راية المشروع التحرري حتى يوم الدنيا هذا، رغمًا عن الانقلاب والاستعمار الإجلائي والاحلالي الصهيوني، ورغمًا عن كل الأعداء في الداخل والخارج من عرب وعجم. 

ماجت الشوارع والميادين والساحات بالجماهير المحاصرة والمنكوبة بإسرائيل الاستعمارية والانقلاب الأسود، وردت على ادعاء أحد الصهاينة، الذي عقب على مهرجان انطلاقة حركة "حماس" في ذكرى انطلاقتها ال35 قبل أسبوعين من انطلاقة حركة "فتح"، وادعى أنها "الممثل الشرعي" للشعب الفلسطيني، وقالت بصوت واحد، لا ممثل للشعب العربي الفلسطيني إلا أصحاب الطلقة الأولى في الأول من كانون ثاني/ يناير العام 1965، ولا مكان لأي قوة فلسطينية أو تتلفع بالثوب الفلسطيني، وهي غريبة عن مشروع الشعب الوطني، مشروع منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد.

اندفعت الجماهير لوحدها وبارادتها وبقرارها الطوعي نحو ساحة الكتيبة التي لم تتسع لطوفان شلالها الهادر، خرجت من كل بيت وزاروب وحارة، وبعض الجماهير لم تنتظر وسيلة مواصلات لتصل لميدان الاحتفال بالذكرى الثامنة والخمسين لانطلاقة حركة "فتح"، والثورة الفلسطينية المعاصرة، وقطعت المسافات سيرًا على الأقدام، وبالاعتماد على وسائل النقل الشعبية والبدائية. أرادت أن ترسل رسائلها المتعددة في آن، أولاً كانت وستبقى حركة "فتح" عنوان الوطنية الفلسطينية، وحامية مشروعها الوطني، والمؤهلة في قيادة الكفاح التحرري؛ ثانيًا لا مجال لوجود مشروع آخر متناقض مع المشروع الوطني في الساحة، حتى لو فرض سيطرته على القطاع لبعض السنوات لأسباب موضوعية وذاتية، ليس هنا المجال لذكرها؛ ثالثًا رغم الحصار والجوع والقرارات المجحفة واللا موضوعية تجاه الجماهير الفلسطينية من أبناء محافظات الجنوب، إلا أن تلك الجماهير لم تتخلَ، ولن تغادر موقعها الوطني، ودفاعها عن حركة الشعب، والمعبرة عن مصالحه وأمانيه وطموحاته، حركة "فتح"؛ رابعًا خرجت الجماهير لتؤكد تمسكها بخيار الوحدة الوطنية، ودفاعها عن منظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد؛ خامسًا أكدت جماهير القطاع وفاءها لذاتها ولدورها ومكانتها كعنوان أساسي في الكفاح الوطني التحرري، وأكدت للمرة الالف، أن لا مشروع وطني دون غزة، ولا يمكن عزل غزة عن مشروعها الوطني، ولا مجال لفصلها وبترها عن امتدادها ونسيجها الوطني الواحد الموحد؛ سادسًا وقالت لبعض الأشقاء العرب وبعض قيادات الدول الإسلامية، التي سعت وتسعى جاهدة لبث الفتنة والانقسام داخل البيت الفلسطيني، نحن هنا بالمرصاد لكل المتآمرين، ولن نسمح لكائن من كان، وأي كانت أدواته ووسائله التخريبة من تحقيق مراميه الخبيثة والمسمومة؛ سابعًا أيضًا أرسلت رسالة للقيادات الإسرائيلية والأميركية وبعض الأوروبية وقالت لهم غزة لا تقبل القسمة على الانقلاب والتمزق والانقسام، أي كانت القوى المتواطئة والمتورطة في المشروع المعادي لمشروع التحرر الوطني، وأبلغتهم رسالة، وفروا أموالكم وأسلحتكم وألاعيبكم، لأن غزة عصية على العملاء والخونة وأسيادهم، وهي كما كانت دومًا حاملة راية المشروع الوطني، ستبقى متشبثة براية الثورة وحركة "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية، ومستعدة لأن تدفع الغالي والثمين دفاعًا عن إرادتها وخيارها الوطني؛ ثامنًا وقالت لاصحاب القرار الوطني في منظمة التحرير وحكومتها الشرعية آن لكم أن تعودوا لرشدكم، وأن تكفوا عن نهجكم الخاطىء والمثلوم تجاه الموظفين ومنتسبي الأجهزة الأمنية في محافظات الجنوب، ولا تفصلوا بين اقوالكم وافعالكم، وكفى إطلاق الوعود غير الصحيحة، واقرنوا القول بالفعل. لأن غزة هي حاضنتكم، وستبقى حاضنتكم، رغم كل أخطاءكم وخطاياكم؛ تاسعًا على قيادة حركة "فتح" ومنظمة التحرير وحكومتها الشرعية العمل فورًا على فرض خيار المصالحة وفق الاتفاقات المبرمة وآخرها إعلان الجزائر أواسط تشرين 1/ أكتوبر الماضي (2022) بكل الوسائل المتاحة، وليكن العام 2023 عام تكريس الوحدة الوطنية، وطي صفحة الانقلاب الأسود؛ عاشرًا على حماس أن تدرك جيدًا، أنها لن تتمكن من أن تكون بديلاً، أو نافية للمشروع الوطني، ولن تتمكن من اجتثاث حركة "فتح"، أو فرض مشروعها الإخواني على أبناء الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والشتات، لأن مشروع الإخوان المسلمين لا يستقيم مع المشروع الوطني، لا بل يتناقض جملة وتفصيلاً معه، وهو جزء من المشروع المعادي لعملية التحرر الوطني. 

 تستوجب اللحظة تقديم كل آيات العرفان والتقدير والامتنان للجماهير الشعبية في غزة الإباء والثورة والعزة والكرامة، لأنها ردت على أولئك المتقوقعين في مكاتبهم، والمربكين من عدم تمكنهم من حشد الجماهير للرد على انطلاقة الاخرين، وقالت لهم جماهير الشعب في غزة المنصورة، نحن من يملك قرار الرد، ونحن حماة الفتح والثورة والمنظمة. وكل عام وحركة "فتح" والثورة الفلسطينية المعاصرة ومنظمة التحرير والشعب العربي الفلسطيني بخير. وستبقى غزة عنوان التحدي وكاسرة أمواج الأعداء، وسندًا ورديفاً للقدس العاصمة وجنين ونابلس وطولكرم وقلقيلية والخليل وبيت لحم وأريحا وطوباس وسلفيت والناصرة وشفاعمرو وعكا ويافا وحيفا وأم الفحم وسخنين واللد والرملة وكل بقعة في فلسطين التاريخية.