(المضمون: رئيس الوزراء وعد بدولتين للشعبين. وقد أوفى بوعده إذ وسع الصدع بين دولة تل أبيب ودولة القدس).

كفاءة واحدة ثابتة توجد لبنيامين نتنياهو – الشق بشكل متطرف لشطري الشعب، اللذين علاقات القوى بينهما متساوية الى هذا الحد أو ذاك. على نحو منهاجي، وكأنه وفقا لخطة مكتوبة ومعروفة مسبقا، يعمل نتنياهو بلا هوادة على الايفاء بما وعد به بلغة هزيلة في خطاب بار ايلان: دولتين للشعبين. مفهوم أن هذا ليس الشعب الفلسطيني والشعب الاسرائيلي بل الشعب الذي يجلس في تل أبيب حيال ذاك المقدسي. لا يدور الحديث عن حدود جغرافية، وذلك لان دولة تل ابيب تضم ايضا حيفا، رعنانا، كفار سابا وجفعتايم، وللمقدسية تنتمي أيضا مدن صفد، بيت شيمش، اريئيل وعوفرا.

شعبان، حتى قبل ولاية نتنياهو الثانية كرئيس وزراء لم يكن بينهما اتصال قوي على نحو خاص. ولكن من اللحظة التي انتخب فيها أخذ الصدع يتعمق، الى أن بدا انه لا يمكن رأبه في أي وقت من الاوقات. واعتمدوا على نتنياهو بانه في اثناء السنتين المتبقيتين له سينجح في أن يخرب حتى القليل المتبقي من التكافل بين الشعبين. تصميمه على أن يتجاهل تماما نصف الشعب، الذي بقدر كبير يحمل على كتفيه الضيقين نصف الشعب الثاني، يفسر عند الكثيرين كاستراتيجية سلطوية. نتنياهو ينتمي بقدر كبير الى تل أبيب. فهو ليس متدينا، ليس مستوطنا، رجلا واسع الافق اقتنى ثقافته السياسية في الولايات المتحدة، وأغلب الظن يؤمن بقيم الديمقراطية والليبرالية.

غير ان هذه تصطدم بتحليلاته واعتباراته الانتخابية، وكذا بتحليلات واعتبارات فريق مستشاريه. وعندما يحصل هذا، فانه لا يرى ولا يسمع أحدا من مسافة متر. طمع السلطة لديه كبير لدرجة أنه مستعد لان يدوس بحذائه المدبب على كل ما يشتم من ثقافة وقيم العلمانية، الحرية، الديمقراطية، الغربية. وهو مستعد لان يلحق أضرارا وطنية يكاد لا يمكن اصلاحها، وتعميق الصدع بين الشعبين حتى الدرك الذي لا يمكن بعده الصعود. في ولايته الاولى لم يتردد في الهمس في اذن الحاخام كدوري عبارات ضد "اليساريين"، هتف وهو يتصبب عرقا بانهم "يخافون"، بذل كل جهد مستطاع كي يرص صفوف الشعب الفلسطيني الى جانبه، لعله رغم ذلك تكون له فرصة اخرى لان ينتخب من جديد.

في انتخابات 1999 أنزل الليكود الى 12 مقعدا، فر من الساحة وذيله بين ساقيه، ومنذئذ وهو يعيش في حالة ما بعد الصدمة. يرتعد خوفا من اليمين، ولا سيما من اليمين المتطرف. وفي حالة ما بعد الصدمة يكون المرء مثلما في حالة ما بعد الصدمة، ليس المنطق هو الذي يتحكم به بل الشعور. الخوف المشل.

ولكن كما يقول الكليشيه، لا شر دون خير. ولما كان الشر هنا هو شر شديد، يحتمل أن يكون الخير أيضا خيرا على نحو خاص. اليأس الكبير للشعب التل أبيبي، الترنح واحساس انعدام الوسيلة، يبدأ رويدا رويدا ليصبح غضبا. لو كان هو رئيس وزراء الجميع يسير مؤخرا في دروب البلاد اياها، تلك التي لا يعتد بها، لاكتشف كم عميقا يأس العديد من المواطنين، من الوطنيين الفزعين، الذين يشعرون بان الاخرين يسرقون لهم الدولة، بينما هم يواصلون رعايتها اقتصاديا وأمنيا على حد سواء. ولكن الى أن يصل الى الزيارة، يحتمل أن يكون اليأس قد اصبح غضبا كبيرا، قد تأتي بعد الافعال.

لا أفعال اليأس. الافعال المنطلقة من الغضب. من قرار مصمم بقدر لا يقل عن قراره بعدم السماح لهذا الرجل وحكومته بان يهدما هنا كل قطعة طيبة. جزء من هذا رأيناه في الصيف الماضي. الجزء الاخر قد يأتي في الصيف القادم. وربما قبل ذلك. الفيس بوك والاوتلوك يتفجران من مبادرات مدنية لحماية هذه البلاد. كلها تأتي من الشعب التل أبيبي، معظمها يقودها شباب يحبون دولة اسرائيل، مفعمون بالايمان بانه يمكن وقف هذا الرجل وطريقه. المؤشر الاولي رأيناه أول أمس، في مظاهرة قليلة المشاركين في تل أبيب ضد "بيع الدولة" على حد تعبيرهم، مظاهرة انتظمت بين ليلة وضحاها.

المظاهرات التالية، هكذا يعدون، سيتم تنظيمها على نحو أفضل وستكون أكبر بكثير.