تشاركت دولة فلسطين في أعمال الندوة العلمية الرابعة "العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية" التي انطلقت اليوم الثلاثاء في العاصمة المغربية الرباط وتنظمها جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية بالتعاون مع رئاسة النيابة العامة المغربية وبدعم من منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونيسيف"، بحضور أكثر من 140 متخصصا في مجالات القضاء والعدالة والأجهزة الشرطية بالدول العربية.

ومثّل فلسطين في الندوة رئيس نيابة الأحداث ثائر خليل، الذي قدم عرضا حول "الوساطة الجزائية نموذج إصلاحي للأحداث في فلسطين".

وأوضح رئيس جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية عبد المجيد بن عبد الله البنيان، في الجلسة الافتتاحية، أن الندوة تهدف إلى تسليط الضوء على بدائل العقوبات والتدابير السالبة للحرية في التشريعات العربية وغير العربية من حيث التقنين والتطبيق، وكذلك إبراز طبيعة تعاطي الأجهزة القضائية مع ما تتيحه المنظومات القانونية من العقوبات البديلة التي تخوّل الاستغناء عن التدابير السالبة للحرية.

وأوضح أن الندوة ستركز على بيان سبل تعزيز جهود مؤسسات المجتمع المدني التي تسعى إلى توسيع نطاق تطبيق العقوبات البديلة وتحديث الترسانة التشريعية ذات الصلة لغاية تجديد آليات العدالة الجنائية العقابية في الدول العربية.

بدوره، قال وزير العدل بالمملكة المغربية عبد اللطيف وهبي إن الاقتناع أصبح راسخا منذ ما يقارب عقدين من الزمن من خلال التشخيصات التي أجريت على منظومة العدالة بالمغرب في مناسبات متعددة، وأن الوضع العقابي القائم أصبح بحاجة ماسة لاعتماد نظام العقوبات البديلة، خاصة في ظل المؤشرات والمعطيات المسجلة على مستوى الساكنة السجنية في المغرب التي تفيد أن ما يفوق 40% من السجناء محكومون بمدة تقل عن سنتين.

وأشار إلى أن العقوبات الصادرة بسنتين وأقل بلغت في المغرب نسبة 44.97% حسب الإحصائيات المسجلة سنة 2020، وهو ما يؤثر سلبا على الوضعية داخل المؤسسات السجنية ويحد من المجهودات والتدابير المتخذة من طرف الإدارة العقابية في تنفيذ برامج الإدماج وإعادة التأهيل وترشيد تكلفة الايواء، لا سيما وأن الممارسات أظهرت قصور العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة في تحقيق الردع المطلوب والحد من حالات العودة إلى الجريمة.

من جهته، قال الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة في المملكة المغربية مولاي الحسن الداكي "إن العقوبات السالبة للحرية وإن كانت تعرف انتشارا عالميا كجزاء تقره القوانين لتحقيق الردع العام والخاص، إلا أن الدراسات والتقارير الدولية الصادرة عن الهيئات الأممية كمكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات، واللجنة الدولية للعدالة الجنائية والوقاية من الجريمة تؤكد أنه على مستوى الممارسة فإن اللجوء العام إلى عقوبة السجن يتصاعد، دون إمكانية البرهنة على أن ذلك ينتج عنه تحسن في مؤشرات الأمن والسكينة العامة.

وأضاف: "إذا كانت آثار السجن عموما وخيمة وتغرق الدول والأفراد في أعباء مختلفة، منها ما هو مادي واقتصادي، ومنها ما هو اجتماعي وأسري، فإن هذه الآثار تكون أكثر شدة إذا انصب سلب الحرية على طفل متورط في ارتكاب جرم، فإصلاح الأحداث ورعاية مصلحتهم الفضلى يقتضي أن يكون تدبير الاعتقال أبعد ما أمكن عن عدالة الأحداث.

بدورها، قالت ممثلة "اليونيسيف" بالمملكة المغربية السفيرة سبيسيوز هاكيزيمانا ندابيهور "إن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ إجراءات لا تسلب الحريات من الأطفال، وتقوية نظام التعاون في استخدام البدائل التي تحافظ على حقوق الأطفال وتحميهم وتخفف من الآثار السلبية عليهم."

وأشارت إلى أنه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هناك 18 مليون طفل في السجون وأن هذه الإحصائية لا تغطي إلا 49% من الساكنة، إذ أن حقيقة الأطفال في السجون هو أكثر من هذا العدد وهو ما يستدعي وجود نظام لتجميع البيانات يسهل الوصول إليه لتبني استراتيجية واضحة لتعزيز حقوق الطفل.

من جانبه، استعرض مدير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لدول مجلس التعاون الخليجي حاتم علي التعاون والشراكة الاستراتيجية بين جامعة نايف بصفتها الذراع العلمية لمجلس وزراء الداخلية العرب، ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات بصفته الأمانة العامة والفنية لكافة المعايير الدولية لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، وسعيهما المشترك لتحفيز إنشاء فرق الجزاء العربية المتخصصة ورعايتها لوضع معايير عربية متطورة لمنع الجريمة، والعدالة الجنائية بما يتضمن بدائل وتدابير العقوبات السالبة للحرية.

وتم في الجلسة الافتتاحية للندوة تقديم عرض مرئي عن الجامعة يتناول مسيرتها وإسهاماتها في الدراسات الأمنية.

ويشارك في الندوة التي تستمر لثلاثة أيام خبراء من 12 دولة عربية منها المملكة، وعُمان، والبحرين، والكويت، والأردن، ولبنان، وفلسطين، ومصر، والسودان، وموريتانيا، والمغرب، وتونس، إضافة إلى قضاة ومتخصصين من فرنسا، حيث يستعرضون التجارب العربية في مجال تطبيق العقوبات البديلة، والتطلعات المستقبلية لتهيئة البيئة التشريعية الملائمة.

كما يستعرضون تجارب بعض الدول العربية في هذا الاتجاه، حيث سيتم عرض تجربة البحرين في وضع وتطبيق قانون العقوبات والتدابير، والتجربة الأردنية "الإطار القانوني للعقوبات البديلة في التشريع الأردني"، و"العقوبات البديلة في المنظومة التشريعية التونسية"، بجانب "العقوبات البديلة في التشريع العماني"، و"بدائل العقوبات السالبة للحرية بالنسبة للأحداث في الممارسة القضائية المغربية.

وتهدف الندوة العلمية إلى تعزيز قدرات القضاة والنيابة العامة، حول الممارسة الحسنة في مجال بدائل العقوبات السالبة للحرية، لأجل التخفيف من حالات الاعتقال الاحتياطي، وتطوير أداء منظومة العدالة الجنائية الوطنية، كما تعمل على بيان مكانة بدائل العقوبات السالبة للحرية في منظور القانون الجنائي المقارن والعلوم الإنسانية ذات الصلة، وكذلك توضيح الممارسات الحسنة في مجال إعمال العقوبات السالبة للحرية في قوانين الدول العربية مع تقديم مقترحات لتطوير وتنظيم بدائل العقوبات السالبة للحرية في قوانين ومؤسسات العدالة الجنائية.