تقرير: إسراء غوراني
قبل أيام معدودة، كانت المواطنة نجية بشارات من خلة مكحول بالأغوار الشمالية تقوم بأعمالها اليومية المعتادة في خيمتها من ترتيب وطهي وتلبية حاجيات أبنائها وزوجها، قبل أن تفاجأ بمستوطنين يلاحقون نجلها حسين عند عودته من المراعي.
ما كان من الأم إلا الخروج مفزوعة لاستيضاح ما يجري مع نجلها ولتحاول مساعدته، لكنها وجدت نفسها في موضع المتهم عند حضور الشرطة الإسرائيلية بعد برهة لاعتقالها، بسبب شكوى المستوطنين عليها واتهامهم لها بإلقاء الحجارة عليهم.
قبل صعودها إلى مركبة الشرطة التي اتجهت بها إلى مركز شرطة "بنيامين" قرب رام الله، لم تجد نجية أمامها خيارا سوى حمل طفلتها ذات الأشهر الثلاثة معها، فلا يمكنها ترك رضيعتها خلفها.
في تلك الأثناء، استقل زوجها يوسف بشارات سيارة وذهب خلفها، هناك أدخلت نجية إلى مركز شرطة الاحتلال التي لم تسمح ببقاء طفلتها معها، حيث تم تسليمها لوالدها الذي انتظر في الخارج في حيرة من أمره.
تقول نجية: إنها قضت في مركز شرطة الاحتلال تسع ساعات عصيبة عانت خلالها مشاعر متضاربة من الخوف والقلق على أبنائها التسعة خاصة طفلتها الرضيعة.
تضيف: عند وصولي إلى مركز الشرطة تم إدخالي إلى زنزانة مكثت فيها عدة ساعات، وفي الخارج كان زوجي يطرق أبواب المركز ويطالب بإدخال طفلتي جنى لإرضاعها فهي لم تتوقف عن البكاء من شدة الجوع.
وتوضح نجية أنه تم الإفراج عنها قبيل منتصف الليل بعد إمضائها تسع ساعات ما بين اعتقال وتحقيق على ذنب لم ترتكبه، ووصفت ما تعرضت له خلال اعتقالها بالتجربة المريرة، وهي لا تحب أن تتذكر تفاصيل الخوف والقلق الذي عاشته حينها.
بعد ذلك بأيام قليلة، كانت المواطنة كوثر بشارات من منطقة عاطوف بالأغوار الشمالية على موعد مع حالة مشابهة من الخوف والقلق، بعد اقتحام قوات الاحتلال خيمتهم منتصف الليل وتفتيشها بغرض اعتقال زوجها الذي كان قد أفرج عنه قبل ساعات قليلة من معسكر عوفر وما زال في طريقه للمنزل بعد اعتقال دام تسعة أيام.
في تلك الأثناء اعتقلت قوات الاحتلال كوثر واقتادتها إلى حاجز الحمرا، حيث بقيت هناك لحين وصول زوجها واعتقاله مجددا، ثم تم الإفراج عنها، ولاحقا تم إرسال استدعاء لها لمقابلة شرطة الاحتلال.
ما تعرضت له المواطنتان بشارات يعتبر سابقة وشكلا جديدا من أشكال الضغط والانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال بحق المواطنين في الأغوار، فهذه المرة استهدفت النساء بشكل مباشر.
وفي هذا السياق، يوضح الناشط الحقوقي عارف دراغمة، أن قوات الاحتلال والمستوطنين يصعدون من اعتداءاتهم في الأغوار على كل أفراد الأسرة الفلسطينية بمن فيهم النساء، حيث أصبحت قوات الاحتلال تحتجز النساء تحت حجج واهية، ويأتي ذلك ليكمل سلسلة الانتهاكات وعوامل الضغط التي يمارسها على المواطنين لترحيلهم.
ويضيف أن المرأة تعتبر المتضرر الأكبر من انتهاكات الاحتلال وممارساته التعسفية في الأغوار، فعند عمليات والهدم والتهجير القسري تكون في وضع سيء كونها ربة المنزل والقائمة على احتياجات كافة أفراد الأسرة.
من جهتها، أوضحت مسؤولة ملف النوع الاجتماعي في محافظة طوباس والأغوار الشمالية نهيل صوافطة، أن ما تعرضت له المواطنتان نجية وكوثر بشارات من اعتقال واستدعاء يأتي في إطار ترهيب المواطنين وإضافة عامل ضغط جديد عليهم بما يصب في صالح الاحتلال والمستوطنين، وخلق بيئة طاردة للمواطنين لتسهيل الاستيلاء على أراضيهم، مؤكدة أن هناك تخوفات كبيرة من أن يصبح اعتقال النساء نهجا لدى الاحتلال في الأغوار.
ونوهت إلى أن المرأة في الأغوار تعاني من جملة انتهاكات، أهمها عدم العيش باستقرار وسلام نتيجة الإخطارات المستمرة، وعمليات هدم الخيام، ومحاولات التهجير القسري، فيكون العبء النفسي عليها كبيرا ومضاعفا كونها ربة الأسرة.
كما أنها تعاني من حالة قلق دائمة على زوجها وأبنائها أثناء خروجهم للمراعي خوفا من اعتداءات الجنود والمستوطنين، فضلا عن قلقها المضاعف على أطفالها أثناء ذهابهم للمدرسة، والحالة الصعبة والاستثنالية التي تعيشها المرأة في مناطق كثيرة من الأغوار جراء الطرد المتكرر لإجراء تدريبات عسكرية، فكل هذه الظروف النفسية وانعدام الاستقرار يجعلها تعيش صعوبات كبيرة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها