اتفاقات التطبيع مع إسرائيل هي دعم للاحتلال، دعم للبطش والعدوان والاستيطان وتأييد غير مباشر لما تقوم به هذه الدولة المحتلة بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية، وبشكل خاص المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي، وتأييد لطرد الفلسطينيين من بيوتهم وضم المزيد من الأراضي لدولة بلا حدود، حدودها حيث تستطيع بالقوة العسكرية الوصول إليها.
تتسابق دول التطبيع الجديدة والتي لا حدود لها مع دولة الاحتلال للاحتفاء بمرور سنة على اتفاق سمته إدارة ترامب اتفاق أبراهام، نسبة إلى أبينا إبراهيم، ولا يمت إلى رسالة إبراهيم السماوية بصلة إلا إذا تم تصديق الرواية الصهيونية ولي عنق التاريخ.
يتزامن هذا الاحتفاء ليس مع كل الجرائم التي ترتكب الآن بحق الفلسطينيين، بل مع ذكرى أبشع مجزرة ارتكبتها إسرائيل في التاريخ المعاصر، مجزرة صبرا وشاتيلا التي ذهب ضحيتها حوالي خمسة آلاف لاجئ ظنوا أنهم سيعيشون في بيوتهم البسيطة والمتهالكة بأمان في ظل تعهدات الولايات المتحدة والأمم المتحدة ودول أخرى لها وجود وتأثير، فتبين أن القتلة لا يقيمون وزنا لهم جميعا وإنما يقتلون ويقتلون طالما أن ذلك يحقق لهم ما ظنوا أنه الخوف الذي سيستبد بالفلسطينيين فينسون مجبرين مطالبتهم بحقهم بالعودة، جريمة إبادة كما وصفتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وكل منظمات حقوق الإنسان، ووثقها الكتاب والصحفيون والمصورون في كتب وأفلام وثائقية، ومن أهمهم الكندي توني كليفتون والفرنسية كاترين ليرْوي في الكتاب المصور بعنوان "GOD CRIED" ، وترجمته الأقرب للعربية" بكى الله" في إشارة من المؤلفين إلى حجم الجريمة التي وصفاها على أنها محرقة العصر التي تجاوز عنها أنصار حقوق الإنسان الإمبرياليون، ويا ليت من يتبادلون التحايا والأنخاب محتفلين، يلقون نظرة على هذا الكتاب وصوره، لعل الضمير العربي فيهم ينتفض، فلا يوغلون في جروحنا العربية أكثر. 
مجزرة صبرا وشاتيلا ستظل تلاحق الأعداء للأبد، وسيحاسبون عليها مهما طال الزمن، وهذا التطبيع المصحوب بالنشاطات الاقتصادية والسياحية والمشاريع المشتركة التي لا يستفيد منها إلا المستوطنون، سيسجل في ذاكرة الفلسطينيين والعرب على أنه لا مبرر له ويتجاوز ما توافق عليه العرب كحد أدنى، ووصمة عار لا تمحوها إلا العودة إلى التاريخ المجيد لشعوب هذه الدول برفض الاحتلال والتأييد الدائم للحق الفلسطيني، والذي برهنوا عليه بشراكة الدم والتاريخ المجيد المشترك في معارك مقاومة اغتصاب الأرض وتشويه التاريخ.
إذا كانت هذه الاتفاقات هي المدخل للحصول على رضى وحماية الولايات المتحدة، فإن ما يجري من انكفاء للولايات المتحدة إلى تبني استراتيجية " أميركا أولاً"، والدخول في تحالفات تحقق فقط المصالح الأميركية المباشرة، تؤكد أن لا حماية لهذه الدول إلا من شعوبها ومحيطها، ولعل قلب أميركا ظهر المجن لحليفة تاريخية لها مثل فرنسا، وإجبار أستراليا وبريطانيا على توقيع اتفاقية الشراكة الأمنية الجديدة، لمواجهة الصين في المحيطين الهندي والهادي، وتمكين أستراليا من بناء غواصات نووية وإجبارها على إلغاء عقد مع فرنسا جرى توقيعه عام 2016 لشراء غواصات فرنسية، إلا دليل على أن أميركا لا تفكر إلا بنفسها، وبصناعاتها وأسواقها، وبالتالي فإن حمايتها لدول التطبيع وتعهداتها لها إن وجدت، لا قيمة لها، وستظل قائمة فقط، إذا ظلت مصالحها محمية ببقاء نفوذ إسرائيل وقوتها، والتي تتهاوى، ولا أحد يضمن لأي زمن تبقى هذه القوة.
وحدهم الفلسطينيون على ضعفهم الظاهر، يتوجعون الآن، ويدفعون ثمن انحياز أميركا لمصالحها وثمن التطبيع المجاني، يبقون على ثقتهم بأنهم سينتصرون.