في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، برز الموقف التونسي بوضوح، إذ فرضت حضورا مميزا على الساحة الدولية، زاده زخما اعتبارها عضوا غير دائم في مجلس الأمن الدولي ممثلا عن المجموعة العربية.

إلى جانب الصين والنرويج، قدمت تونس مشروع بيان أفشلت الولايات المتحدة تبنيه في مجلس الأمن أربع مرات خلال العدوان، الذي استمر 11 يوما في الفترة ما بين 10-21 ايار الماضي.

وفي كل مرة فشل فيها مجلس الامن في اتخاذ موقف واضح من العدوان، كانت الجهود التونسية تلاقي صدى واسعا لدى الرأي العام العالمي، فعمت التظاهرات والاحتجاجات مختلف دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة نفسها.

وقال السفير التونسي لدى فلسطين الحبيب بن فرح في حديث لـ"وفا"، "بادرت تونس، بتعليمات واضحة من رئيس الجمهورية قيس سعيد، بتحركات دبلوماسية مكثفة، ودعوات متكررة للمجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته لإيقاف العدوان الأخير على الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى انخراط تونسي فاعل، بمتابعة حثيثة ومباشرة من وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي، في مشاورات مع نظرائه وزراء خارجية عدد من الدول الشقيقة والصديقة، لا سيما في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمة التعاون الاسلامي والجامعة العربية، ساهمت بشكل بارز بحشد الدعم اللازم لوضع حد للعدوان الاسرائيلي والتوصل لوقف إطلاق النار وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وباقي أراضيه المحتلة".

واضاف، "ثمنت تونس في آخر بيان لها وقف إطلاق النار كخطوة ضرورية وإيجابية لحقن دماء الشعب الفلسطيني للحيلولة دون مزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية، وأكدت ضرورة توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.

وشدد السفير التونسي على أن تحرك بلاده لم يكن وليد الأحداث الاخيرة، في القدس والضفة وغزة، وإنما يعبر عن الموقف الثابت لتونس والمتمثل بأن "إحلال سلام عادل وشامل ودائم لن يتحقق إلا بإنهاء الاحتلال واسترداد الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس".

وذكر ابن فرح بمهاتفة الرئيس التونسي قيس سعيد للرئيس محمود عباس، قبل العدوان على غزة، "لبحث الأحداث الخطيرة التي عاشتها حينها مدينة القدس، واعتداءات الاحتلال على المصلين في المسجد الأقصى وعلى الفلسطينيين المقيمين في حي الشيخ جراح".

وقال: أكد الرئيس، في الاتصال، وقوف تونس الى جانب الشعب الفلسطيني، وأبلغ شقيقه الرئيس الفلسطيني بتعليماته الواضحة لتقوم تونس، العضو العربي بمجلس الأمن، بالتنسيق المستمر مع الجانب الفلسطيني في كل المحافل الاقليمية والدولية، لعرض الملف في أكثر من مناسبة على مجلس الأمن للتداول بشأن التصعيد الخطير لسلطات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصّة في القدس وانتهاكاتها لحرمة المسجد الأقصى".

وتابع: كان موقف الرئيس سعيد استشعارا من تونس لخطورة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وإمكانية تفاقمها، كما حرصت تونس خلال الفترة الماضية على مستوى متميز ودائم من التشاور والتنسيق بين وزيري خارجية البلدين، حيث تعددت اللقاءات والاتصالات الهاتفية، خاصة خلال العدوان الاسرائيلي الأخير على الشعب الفلسطيني لإنجاح التحركات الفلسطينية وحرصت تونس على المشاركة في كل الاجتماعات الافتراضية لوزراء الخارجية العرب ومنظمة التعاون الاسلامي وفي مجلس الأمن".

دعم في الجامعة العربية:

وقال السفير التونسي إن بلاده أولت اهتماما خاصا لدعم الجهود والمبادرات الفلسطينية في اجتماعات جامعة الدول العربية وباقي المحافل الإقليمية والدولية.

واضاف: "تم تسخير كل إمكانيات تونس الدبلوماسية وعلاقاتها الثنائية والاقليمية والدولية لحشد الدعم الدولي لإيقاف العدوان الاسرائيلي، وذلك حماية للشعب الفلسطيني الشقيق، وهو ما تجلى في الاتصالات المكثفة واللقاءات والاجتماعات التي بادر بها وزير الشؤون الخارجية في تونس، وفي إطار عضوية تونس بمجلس الأمن، وتسخير هذه العضوية لنقل صوت فلسطين وقضيتها العادلة إلى أهم محفل أممي، وآخرها حضوره إلى نيويورك، للمشاركة في جلسة استثنائية عالية المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة تحت بندي "القضيّة الفلسطينية" و"الوضع في الشرق الأوسط ".

وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، جدد الوزير التونسي التأكيد على أنّ "تونس ستظلّ مؤمنة بالسلام الدائم والعادل والشامل، داعمة للشعب الفلسطيني إلى حين انتهاء الاحتلال واستعادة الأشقاء الفلسطينيين لجميع حقوقهم المشروعة غير القابلة للتصرف، وفي مقدمتها الحق في تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، على حدود 1967، وهي حقوق لا تسقط بالتقادم".

وقال الجرندي في حينه، إن "الاحتلال سيظل احتلالا ترفضه جميع المواثيق الأممية والقوانين الدولية، والحق سيظل حقا تُقرّه جميع المواثيق والقوانين الدولية":

مساعدات انسانية عاجلة:

فور انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أمر الرئيس سعيد بتوجه مساعدات انسانية عاجلة إلى القطاع، الذي تعرض لتدمير هائل، أضيف إلى استشهاد العشرات وإصابة المئات وتشريد عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني هناك.

وقال ابن فرح، انه تم اختيار جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، باعتبارها الجهة المخولة رسميا من قبل مجلس الوزراء الفلسطيني، بتسلم المساعدات الدولية، حيث تسلمت الجمعية شحنتين من المساعدات الموجهة باسم تونس إلى الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة من خلال معبر رفح الأولى طبية في 25 و27 ايار الماضي، وتضمنت شحنة أدوية ومعدات ومستلزمات طبية، والثانية مساعدات إنسانية (مواد غذائية مختلفة).

وأضاف "جسّد هذا الدعم قرار رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد تخصيص طائرتين عسكريتين لنقل مساعدات عاجلة باسم تونس للأشقاء الفلسطينيين بقطاع غزة، في سياق ما يفرده سيادته باستمرار من اهتمام خاص بالقضية الفلسطينية، وفي إطار ما تبديه تونس من تضامن وتآزر أخوي مع الشعب الفلسطيني الشقيق وقضيته العادلة، خاصة في أعقاب العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة".

تنسيق عالي المستوى مع فلسطين ومصر:

وقال السفير التونسي إنه لضمان إنجاح مبادرة الدعم للشعب الفلسطيني في القطاع، تم تكثيف التنسيق في تونس بين كل من رئاسة الجمهورية وزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج ووزارات الدفاع الوطني والصحة والشؤون الاجتماعية، والاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي وعدد من شركات الأدوية الخاصة.

وفي الخارج، قال ابن فرح: كان هناك تنسيق عالي المستوى بين سفارتي تونس وفلسطين في القاهرة مع الأشقاء في مصر، لتسهيل استلام الشحنتين، وإثر ذلك تم تكثيف التنسيق بين سفارتي تونس برام الله والقاهرة لضمان إيصال شحنتي المساعدات إلى القطاع لتسليمهما إلى جمعية الهلال الاحمر الفلسطيني عبر معبر رفح.

وأضاف: كما تم التنسيق لذات الهدف مع لجنة المساعدات بالرئاسة الفلسطينية ووزارتي الخارجية والصحة، والهلال الأحمر، وباقي الجهات الفلسطينية المعنية بدولة فلسطين، لاستلام المساعدات.