تقرير: عُلا موقدي
في منزله الكائن في البلدة القديمة بمدينة سلفيت، يقف الحاج أحمد سليم العريض (78 عاما)، متأملاً الأطفال الذين جاءوا للعب في الساحة التي رُممت حديثاً بعد أن تُركت مهجورة لعشرات السنين.
تصل إلى الساحة من خلال ممر ضيق علق على مدخله لوحة زرقاء كتب عليها اسم الحارة "زقاق العين"، تُشاهد منازل قديمة العهد شيدت غالبيتها في الخمسينيات، وما زالت أبوابها مفتوحة حتى اليوم للضيوف، ولمن يحتاج للزاد أو الماء من المارة أو العاملين بالقرب من المنطقة.
بلدية سلفيت أعلنت منذ بداية العام الجاري، أنه سيكون عام ترميم البلدات القديمة في المدينة، وبدأت بترميم حديقة هذا الحي، والتي باتت ملتقى جميلا يجمع الجيل الجديد مع كبار السن.
العريض أحد القاطنين في الحي قال لـ"وفا": طفولتنا كلها في هذا المكان، تربينا على حب الخير والعطاء، كانت كل عائلة تسكن في غرفة واحدة، ولا يفصل بين الجيران شيء، اعتدنا على مشاهدة نساء الحي حين يجتمعن يوميا بالقرب من الطابون لإعداد الخبز والطعام، في الصيف يتسامر كبار السن حتى الصباح، والأطفال يستغلون الوقت للعب في زقاق الحارة، وفي الشتاء نشعل النار للتدفئة ونجلس جميعاً بالقرب من "الموقدة".
وأضاف: كانت كل عائلة تربي الأغنام والأبقار، وتعتاش على خيراتها، وزادنا الأساسي هو الحليب والجبن واللبن، والأكلات الشعبية كالمسخن الفلسطيني، والمفتول الذي تقوم بفتله الحجات وسط أصوات عذبة من الأغاني والأهازيج الشعبية، وفي المواسم المختلفة نذهب جميعاً إلى الأرض ونعاون بعضنا في قطف الزيتون، وقطف الميرمية، والزعتر، والخبيزة.
وبيّن العريض: بقينا هكذا لغاية السبعينيات إلى أن سكن كل واحد في منزل مستقل، لكن الجيل الجديد ورث الخير في داخله والانتماء إلى هذا المكان.
وعند السؤال عن اسم العائلة التي تسكن في هذه الحارة، يأتيك الرد مباشرة من إحداهن، وتقول: هذا الزقاق يجمع 15 عائلة مع بعضها من عائلات مختلفة منها الرمال، وعبد الجواد، وطه، وعودة، ونياز، ولا فرق بيننا، الناس هنا جيران وأحباب وأقارب بالعشرة.
الشاب أحمد نياز قال لـ"وفا": إن هذا الزقاق كان مأمنًا لأهالي المدينة من هجمات المستوطنين، وملجأ لعناصر السلطة الوطنية في أوقات الاجتياح لجيش الاحتلال الإسرائيلي، ومن هنا خرجت كوكبة من الشهداء خلال الانتفاضة الثانية منهم: ضياء ابداح، ومحمد عاشور، وجواد الدمس.
في هذا الإطار، يشرح رئيس بلدية سلفيت عبد الكريم زبيدي أن البلدية تسعى لحماية الذاكرة الجماعية، والحفاظ على النسيج العمراني للأحياء القديمة، وتقدم كل الدعم والإمكانيات من أجل حماية هذا الموروث.
وذكر زبيدي أن البلدية قامت بشراء مساحة 181 مترا في "زقاق العين"، كانت مهجورة منذ عدة سنوات وعملت على ترميمها لتكون حديقة عامة لأهالي الحي والمدينة، وهناك 50 دونما بحاجة إلى ترميم في حارات أخرى من البلدة القديمة.
وأضاف: هذه المرحلة الأولى من مشروع ضخم لترميم البلدة القديمة كاملة، سيشمل الترميم كافة أحياء البلدة القديمة، لكن جائحة "كورونا" وفترة الطوارئ كانت العقبة الكبرى أمام تسريع العمل، وحاولنا جاهدين أن نتخطاها، ونجد فرصة عمل في الترميم مع اتخاذ الإجراءات اللازمة للعمال الذين تعطلوا عن عملهم بسبب ما فرضه علينا الفيروس.
ولفت زبيدي إلى أن هذا المكان كان عبارة عن مجموعة من البيوت المهدمة والأعشاب الشوكية الضارة وتناثر القمامة، تم ترميمها وإعادة بناء ما أمكن من البيوت مع الحفاظ على المنطقة والزجاج والنافذة، واستغلال المكان الضيق لإنشاء الحديقة العامة وكانت هناك إضافات على النمط الشامي كالنافورة في وسط الحديقة، وتم استخدام حجارة من نوعية خاصة وأحواض أنشئت حديثاً، وتم اختيارها بشكل يناسب البلدة القديمة.
"هذا الحي يحمل تاريخا كبيرا لأهالي مدينة سلفيت قبل الانتقال إلى أحياء أخرى من المدينة، وما زال الحي معمورا بالسكان وهناك جهد كبير من الأهالي في الحفاظ وإنجاز هذا الترميم من تزيين الحي بالأشجار والورود" قال زبيدي.
ونوّه إلى أنه في استكمال عملية الترميم ستكون هناك ممرات وجلسات مناسبة لذوي الإعاقة، وإضافة مسابح مخصصة للأطفال، وسيتم العمل على ترميم المداخل والممرات بتصاميم هندسية معينة.
وأضاف، ان هذه المشاريع ذات أثر كبير في حفظ هوية وتاريخ المنطقة، وتصب في خدمة الأهالي والسكان، الذين أصبحوا نموذجا يحتذى به بترابطهم الاجتماعي ومحل تقدير واهتمام، فالبلدة القديمة هي كنز للسياحة الداخلية وعنصر جذب باتجاه المدينة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها