معن الريماوي
يخوض نحو 6 آلاف أسير ممن يقبعون في سجون الاحتلال المختلفة، منذ مطلع العام الجاري، حربا مختلفة لم يعهدوها من قبل.
حربٌ على جبهة "كورونا"، تستعر كما يقول الأسرى، بموازاة معارك يومية ومتواصلة يخوضونها مع إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية التي تمارس على الدوام صنوفا من القهر والتعذيب والحرمان.
منذ بدء تفشي الوباء داخل المعتقلات، انتهجت إدارة السجون سياسة الاستهتار والاهمال الطبي بحق الأسرى، دون تقديم أدنى حد من وسائل الوقاية والسلامة العامة في أقسام السجون التي تفتقر أصلا لأدنى شروط الصحة، والتي تعتبر بيئة حاضنة للأمراض والفيروسات.
استهتار إدارة السجون الاسرائيلية أدى لتفشي فيروس "كورونا" بين صفوف الأسرى، حيث وصل عدد الإصابات حتى إعداد هذا التقرير لـ 140 إصابة، منها 100 إصابة في سجن "جلبوع".
هناك في "جلبوع"، وتحديدًا في قسم (2)، شكل الأسير مجدي أبو الوفا، إضافة لأربعة أسرى آخرين قبل نحو شهرين، ما يمكن أن يطلق عليه "خلية أزمة" بعدما تبين إصابة جديدة داخل القسم. خلية تنحصر مهامها بالاهتمام بالنظافة، ومنع الاختلاط بين الأسرى بتاتا، والتنقل بين الغرف لتقديم النصائح والارشادات، الى جانب تقديم العلاج المتوفر الذي لا يتعدى مُسَكّن "الأكامول".
أعدت الخلية برنامجًا لتقسيم الأوقات فيما بينها، ما بين الفترة الصباحية والمسائية والليلية، حفاظًا على سلامة كل الأسرى ومنع انتشار الفيروس، رغم خطورة عملهم، واحتمالية تعرضهم للإصابة نتيجة تنقلهم وتقديم المساعدة لبقية الأسرى.
استطاع أبو الوفا ورفاقه أن يمنعوا انتشار الفيروس قدر المستطاع، فقد تم تسجيل 5 إصابات فقط داخل القسم، علما أن أقسام أخرى بلغت عدد الإصابات فيها نحو 55-60 إصابة.
أفرج عن الأسير أبو الوفا (44 عاما) من مدينة جنين في 8 كانون الأول الجاري، بعد قضاء 18 عاما ونصف في سجون الاحتلال.
"في نهاية شهر تشرين ثاني، ونتيجة التنقلات التعسفية من قبل إدارة مصلحة السجون، جاءنا أسير تبين فيما بعد أنه مصاب بالفيروس، وحرصًا منا على سلامة الأسرى جميعًا، شكلنا الخلية"، يقول أبو الوفا.
ويضيف "قمنا في البداية بتنظيف كل الغرف والحمامات بشكل يومي، ثم أخذنا نتنقل بين الغرف ونقدم النصائح والارشادات بضرورة عدم الاختلاط والتباعد، واعتبار ذلك أمرًا ممنوعًا، وكنا نرفع من معنويات الأسرى، خاصة كبار السن. إضافة للجولات بين الحين والأخر لرؤية ترجمة هذه النصائح على أرض الواقع، والجميع كان ملتزمًا، إضافة لتقديم الطعام للأسرى، كما أننا كنا حلقة الوصل بين الأسرى أنفسهم، وبين الأسرى ومصلحة السجون لنقل مطالبهم، واستمرينا على هذا العمل لمدة شهر كامل".
ونظرًا لارتفاع أعداد الإصابات بالفيروس أغلقت إدارة السجون، بحسب أبو الوفا، أبواب الأقسام، ولم تعد تقتحم وتفتش الغرف كالسابق، خشية على عناصرها من الإصابة.
كانت الخلية مرهقة ومتعبة جدًا لمجدي ورفاقه، فقد كانوا يَصِلون الليل بالنهار من أجل حماية الأسرى ومنع تفشي الوباء في صفوفهم، خاصة وأن عدد الأسرى في القسم يبلغ حوالي 90 أسيرًا.
"بعد انقضاء شهر من العمل في الخلية، استطعنا أن نسيطر على كورونا في حربنا المختلفة معها، وخرجنا منها بأقل الخسائر، وقمنا بالضغط على إدارة مصلحة السجون من أجل إجراء فحوصات لكافة الأسرى في القسم، وبعد الرضوخ لمطالبنا، تبين عدم إصابة أي أسير بالفيروس"، يقول أبو الوفا، لافتا ان "المعركة" حققت أهدافها أيضا في توفير مادة الكلور كمعقم لغرف السجن، بينما تم اجبار السجناء على شراء الكمامات بأسعار باهظة جدًا من "الكنتين".
بدوره، قال المستشار الاعلامي لهيئة شؤون الأسرى والمحررين حسن عبد ربه لـ "وفا" إنه ومنذ بداية الجائحة، عاش الأسرى في حالة من القلق الشديد، حيث سجل 140 إصابة بالفيروس، منها 100 إصابة في "جلبوع"، وما رفع من وتيرة الخوف هو أن إدارة مصلحة السجون هي الوحيدة التي تتحكم بالمعلومات، من حيث الفحوصات وإعلان النتائج، ويضاف الى ذلك بيئة الحجر والعزل التي كان يوضع بها الأسرى المصابون، وهي بيئة حياة سيئة للغاية، ولا تصلح للعيش الآدمي.
وبين عبد ربه أن هناك خشية من ارتفاع أعداد الإصابات بالفيروس في ظل عدم قيام حكومة الاحتلال بإجراءات الصحة والسلامة، وفي ظل الاستهتار من قبلهم عبر الاقتحامات والتفتيش والاحتكاك وتعمد تقليص عشرات الأصناف من المواد الغذائية.
وأشار عبد ربه الى الجهد المكثف التي تبذله الهيئة ووزارة الصحة لصالح الاسرى في معركتهم مع وباء كورونا، حيث جرى عقد عدة اجتماعات ولقاءات مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وجرى التواصل مع البرلمان الأوروبي ومفوض حقوق الانسان للمطالبة بالسماح لوجود لجنة طبية محايدة لمتابعة أوضاع الأسرى بشكل عام، والمصابين بكورونا بشكل خاص، غير أن إدارة سجون الاحتلال رفضت التجاوب مع هذه المطالب.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها