تقرير: وعد الكار
يدأب السبعيني محمد عمارنة من مخيم الدهيشة جنوب بيت لحم، على التواجد الدائم في أرضه المهددة بالاستيلاء عليها لصالح المشاريع الاستيطانية، ويبتدع ما يمكن اعتباره "الكف في مواجهة المخرز" في معنى الصمود.. حتى لو تطلب ذلك الموت.
عمارنة وهو أب لسبعة أبناء، آثر أن تظل قريته المهجرة عام ٤٨ المعروفة باسم راس أبو عمار، قريبة من ناظريه، فاشترى أرضا بالقرب من قرية حوسان غرب بيت لحم، تقع مقابل قريته مباشرة، معتبرا أن هذا أقل ما يمكن فعله لكي تبقى أرض أجداده تحت عينيه، ولكي يغرس حب الأرض في نفوس أبنائه، وأن لا يتنازلوا عن حقهم في العودة طال الزمن أم قصر.
"سأرابط هنا في أرضي فوق التلال وسأحرس قريتي الأم/ راس أبو عمار برمش العين.." قال عمارنة الذي اعتبر أنه "ما من شيء يمكن له أن يحمي الأرض من وحش الاستيطان وغوله سوى التواجد الدائم فيها وفلاحتها".
دعوة عمارنة وصموده، ربما سبقت اعلان مسؤول ملف مقاومة الاستيطان في شمال الضفة الغربية، غسان دغلس، عن إطلاق حملة "الزحف إلى الجبال" بهدف حمايتها من الاستيطان، بأكثر من 30 عاما، وهي دعوة تحمل بكبرياء معنىً مختلفا للصمود والمواجهة.
عمارنة الذي التحق بالجامعة الأردنية عام ٦٧ وحلم بالتعلم فيها، لم يكتمل حلمه بسبب الظروف السياسة الصعبة حينها، عاد لأرض الوطن متشوقا لقريته، راس أبو عمار، واصطحب والدته إلى هناك لتعرفه على معالم بلدته التي هُجِّر منها وليس له من ذكريات كثيرة فيها، فقد كان رضيعا عندما تمت عملية التهجير التي وصفها بـ"الهمجية" و"الدامية" ايضاً.
"بعد عودتي من الأردن قررت اصطحاب والدتي إلى قريتنا، فلم يكن وقتها جدار وأسلاك شائكة، وعرفتني أمي على كل بيوت الأهل والأقارب، ولكن جولتنا لم تستمر، فالاحتلال داهم المكان واقتادنا الى مركز توقيف، وأجبرنا على توقيع تعهد بعدم التوجه الى قريتنا ودفع غرامة مالية بسبب تواجدي في أرض اجدادي بلا تصريح" قال عمارنة، وأضاف أن سلوك وممارسة الاحتلال المشينة هذه، أججت مشاعره وزادت من دوافعه وحبه وتمسكه بحقه في العودة، فقرر شراء أراض غرب بيت لحم مهددة بالاستيطان، وتطل مباشرة على قريته المهجرة.
24 دونما من الأراضي التي اشتراها عمارنة قبل نحو 20 عاما باتت الآن اشبه بـ"الجنة".. حقول زيتون وبساتين عنب، وأكثر من ذلك، 160 خلية نحل منتجة.
وحكاية عمارنة مع تربية النحل لم تبدأ كهاوٍ فقط، بل اعتبرها واحدة من أدوات الارتباط بالأرض وحمايتها. ويقول: "أتواجد في الأرض باستمرار لحمايتها من مطامع المستوطنين، الذين لم يوفروا وسيلة إلا واتبعوها، من اقتلاع أشتال وحرق ادواتي الزراعية ومنزلي التركي القديم الموجود فيها، وردم الطرق المؤدية إلى المكان، ونصب جنود الاحتلال للحواجز ومنعي من الوصول اليها، الأمر الذي كان يودي في كثير من الأحيان بحياة خلايا نحل بأكملها".
ويشير المزارع السبعيني، الى أن نحلاته الصغيرة بالنسبة له بمثابة جيش كبير يجابه به شبح الاستيطان، وتنتج له ٢٠٠ كلغم من العسل الجبلي المُصَفّى سنويا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها