تقرير: عُلا موقدي

تجهد سلطات الاحتلال الإسرائيلي في نهب أراضي محافظة سلفيت ومواقعها الأثرية، في خطوات متلاحقة تستهدف الوجود والتاريخ والإرث الحضاري الطويل الذي يعود الى أكثر من 1500 عام.

استيلاء ونهب ممنهج يطال مواقع بعينها يجري ضمها إلى البؤر والتجمعات الاستيطانية، وتحويلها لمناطق سياحية تخص المستوطنين لربط تاريخ هذه المستوطنات بتاريخ المواقع الأثرية التي يتم وضع اليد الإسرائيلية بالقوة عليها.

في الأيام القليلة الماضية، أخطرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بالاستيلاء على خربة "دير سمعان" بمساحة (6 دونمات و75 مترا)، وخربة "دير قلعة" بمساحة (17 دونما و915 مترا) الأثريتين الواقعتين غرب المحافظة.

مدير دائرة السياحة والآثار في محافظة سلفيت منتصر موسى قال لـ"وفا": إن هذين الموقعين يعتبران من أهم المواقع الأثرية في المحافظة، فهما مبنيان من حجارة مُشذّبه، مرصعة أرضيتهما بالفسيفساء البيضاء والملونة والرخام، الى جانب الزخارف المعمارية التي تنتشر في شتى أنحاء الموقعين والتي تعود للعهد البيزنطي، كما تظهر بقايا الأدراج والجدران الاستنادية التي كانت تؤدي إلى هذه الأديرة.

وأضاف موسى: أن هذه المواقع تتعرض لحفريات منظمة من قبل الاحتلال الإسرائيلي منذ الثمانينات، ويتم مصادرة القطع الأثرية، وخلال الفترة الأخيرة قامت ما تسمى دائرة الآثار الإسرائيلية وتحت حماية قوات الاحتلال بعدة اقتحامات للمواقع الأثرية في مراكز قرى وبلدات المحافظة، خاصة في كفر الديك، وبروقين، وسرطة، ودير بلوط، ويقومون بالتقاط الصور لها.

وبين أنه تم رفع الشكاوى للمنظمات العالمية كمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، ومجلس الآثار العالمي، باعتبار ذلك يشكل انتهاكا فاضحا للقوانين والاتفاقيات الدولية التي تُحَرّم المساس بالمناطق الأثرية.

المواطن حبيب الديك أحد أصحاب الأراضي المستهدفة من بلدة كفر الديك، أشار الى أن المواقع والأديرة المستهدفة تعتبر من أجمل المناطق في فلسطين، وقال "نشتم منها عبق التاريخ وتربطنا بحضارات عريقة.. وحتى فترة قريبة كنا نستطيع الوصول إليها حتى تم منعنا بالكامل"، لافتا الى أن دير سمعان أصبحت محاطة بوحدات سكنية استيطانية ضمن بؤرة استيطانية جديدة تسمى "ليشم".

وتحتوي محافظة سلفيت على 140 موقعاً أثرياً تعكس تنوعا حضاريا يعود لحقب زمنية مختلفة، كالآشورية والرومانية والإسلامية، دمر عدد منها تحت جدار الضم والتوسع العنصري، مثل مغارة النطافة في بلدة الزاوية، وعزل جزء كبير خلف الجدار مثل خربة كسفة غرب دير بلوط، وتبتلع المستوطنات بعضها الآخر مثل دير قلعة في قرية ديربلوط، وخربة الشجرة في مدينة سلفيت، ودير سمعان في كفر الديك، كما أن هناك 39 مقاماً وقبرا تعرضت غالبيتها للنبش والتخريب.

وفيما يتعلق بمنطقة دير قلعة، الواقعة على سفح جبل مطل على سهل دير بلوط، قال المواطن مالك يوسف: "إننا نتعرض للهجوم كلما حاولنا الوصول إلى المنطقة من قبل المستوطنين المتربصين بنا، ولاحظنا في الأعوام الماضية وجود إشارات إرشادية للوصول إلى الموقع، وتم تأهيله للسياح الإسرائيليين".

وبحسب دراسة أكاديمية تختص بالمواقع الأثرية في محافظة سلفيت للمهندس عمر موقدي، فإن أحد الأسباب لتسمية بلدة دير بلوط بهذا الاسم ارتباطها بهذه الأديرة المشهورة المحيطة بها.

وكشفت التنقيبات الأثرية التي أجريت في دير قلعة عام 1993 عن دير بيزنطي بني في القرن السادس الميلادي في عهد جستنيان، ويعتبر من أفضل الأديرة في فلسطين التي ما زالت تحتفظ ببقاياها، فيما كشفت الصور الجوية عن سياج من الأراضي الزراعية حول الدير في دائرة نصف قطرها 160 مترا، بينما لوحظت العديد من قطع الأراضي المزروعة داخل السور وعلى المنحدر الغربي للدير، كما يقع محجر كبير في وسط المنطقة التي تشتهر بزراعة الزيتون.

 وفي وصف المنطقة، يتم الدخول إلى الدير (دير قلعة) من الجهة الشرقية عبر ممر يؤدي إلى الكنيسة، وفي الجهة الجنوبية الشرقية تقع غرفة الطعام، وبالقرب منها يقع خزان المياه الذي يوصف على أنه الأضخم في فلسطين في الفترة البيزنطية، حيث تبلغ مساحته 10.3 x 33.4م، ويبلغ عمقه الأصلي 15م، ويتسع لـ 5000 متر مكعب من المياه.

وفيما يتعلق بدير سمعان، تبين الدراسة أنه يقع على بعد ثلاثة كيلو مترات من الشمال الغربي لبلدة كفر الديك متوسطاً المنطقة الجبلية بين بلدتي دير بلوط غرباً وكفر الديك شرقاً، ويرتفع عن سطح البحر حوالي 350م وهذا يعطيه إطلالة مميزة على محيطه والمواقع القريبة منه.

 وقد كشفت التنقيبات التي أجريت في الموقع من قبل سلطات الاحتلال في الأعوام 1992، 1993 و 2007 عن بناء ضخم مربع الشكل يبلغ طول ضلعه 40م. بني جزء منه من حجارة مُشذّبة مربعة الشكل، وقد حافظ المبنى على أقصى ارتفاع لجدرانه ليصل إلى 3.2م، كما احتوت حجارته على زخارف ودعامات، ويضم ساحة دائرية كبيرة وواسعة تسمى البيدر استخدمت لأعمال تخليص الحبوب من سنابلها، وفي الجانب الغربي لهذا البيدر الكبير شقت قناة بعمق متر تقريباً في الصخور وبعرض حوالي ثلاثين سم وطول عشرة أمتار، تؤدي إلى البرك الثلاث التي استخدمت لتجميع المياه، وآبار محفورة في الصخور بشكل دائري، وفي الجانب الشرقي الشمالي للبيدر توجد ساعة شمسية محفورة في الصخر، بالإضافة إلى وجود معاصر للعنب والزيتون منحوتة أيضا في الصخر وطرقاتها مرصوفة بالفسيفساء، وفي الجهة الجنوبية للدير ما تزال واحدة من الغرف المفصولة عن أسوار الدير باقية بشكلها الأصلي، ويرجّح أن المبنى عبارة عن دير أو مزرعة كبيرة تعود للفترة البيزنطية وكان يزود باقي المحميات البيزنطية بالمؤن.