يحل غدًا عيد الأضحى المبارك غدًا الجمعة 31 تموز/ يوليو الحالي على شعوب الأمة العربية والشعوب الإسلامية في أجواء ثقيلة وعابسة، وتحت ضغط وباء "كوفيد 19"، الذي مازال يسابق الزمن في اجتياح ملايين جديدة من بني الإنسان بين الموت والمرض، تاركًا بصمات سوداء على البشرية كلها، حيث فرض فرضًا التباعد بين الأخ وأخيه، وبين الابن وأبيه، والأم وفلذة أكبادها، وبين الأصدقاء والأحبة والأهل، وبين الشعوب بمختلف أجناسها وقومياتها وأعراقها ودياناتها وألوانها. المساجد تؤذن وحيدة بلا مصلين، والكنائس تقرع أجراسها دون قداديس، والمسجد الحرام في مكة المكرمة بلا حجاج، والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين محاصر ويدنس يوميًا من قبل قطعان المستعمرين، وأهله واتباعه محاصرون من دولة الإستعمار الإسرائيلي والكورونا.
الأعياد مرت هذا العام بدءً من عيد الفصح (قيامة السيد المسيح) وعيد الفطر السعيد والآن عيد الأضحى، بالإضافة للمناسبات الوطنية والقومية وغيرها من الفعاليات والأنشطة والحزن يجللها، وباء الكورونا أزال البسمة من وجوه الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، حاصرهم، وحرمهم من متعة المعايدة والعيدية والإستمتاع بالملابس الجديدة، وأفقدهم متعة الركض واللهو في الشوارع والحدائق والميادين ومدن الملاهي، وطوق بيوتهم وأحياءهم ومدنهم وقراهم ومخيماتهم بالبرتوكولات الصحية، وساد الوجوم بين أبناء العائلات، حتى الموتى رحلوا بصمت شديد وخانق، وبلا تشييع لائق، ولا بيوت عزاء، لم يبقَ لذويهم سوى البكاء الساخن، وهو بكاء على الراحلين وعلى الذات في حد سواء، فتضاعف مشهد الحزن، وغرف الدمع من المقل مدرارًا ...
العيد أي كان اسمه وطابعه ومحتواه، ليس عيدًا، إنما هو مناسبة لمراكمة الحزن واعتصار الألم، "غاب عيدُ آخر" عن الوطن، وعن المكان، وعن الإنسان والذات الأسرية الصغيرة، وعن الفرح والسعادة النسبية، وعن كل الأشياء والجزيئات المتناثرة الباعثة على الأمل والبسمة، كما غنت فيروز، واختطفت الكورونا من شفاه الأطفال ضحكاتهم، وصرخاتهم المجلجة بالسعادة بالعيد، شوهت الأحلام البسيطة، وافقدتها رونقها وجماليتها، وحالت بين الشباب من الجنسين متعة التواصل بالعيد والتهاني، وألقت الوانًا قاتمة على لوحات حياتهم الآنية، ضاعت الألوان القزحية الزاهية من بين اصابعهم، ومن كلماتهم ومفرداتهم ومعايداتهم.
غيوم كثيفة حملتها الكورونا على بني الإنسان في أصقاع الأرض من شمالها لجنوبها ومن شرقها حتى غربها، وبات مسرح الحياة خاليًا، الشوارع بلا حراك، المحال التجارية تتحرك ببطىء شديد، رياض الأطفال والمدارس والمعاهد والجامعات تؤرقها التعليمات والضوابط، جيشان يواصلان الليل مع النهار الجيش الأبيض والجيش الكاكي يحرسان الأوطان والشعوب من الوباء الجائحة، حتى الذين إستهتروا، وإستخفوا بالوباء أرغمتهم الكورونا على التراجع والإنكفاء تحت شدة ضرباتها وهجماتها وعدد مرضاها وضحاياها.
مع ذلك على الشعوب والعائلات الآ تخضع لإبتزاز ولعنة الكورونا، وعليهم جميعًا إنتاج الفرح والعيد، وإبداع وسائل الترفيه عن الأطفال، عن الصغار والكبار، ونثر الورود والسعادة في حيواتهم، والإنسان القادر والمبدع، والذي بنى أعظم الحضارات البشرية كفيل بإعادة إنتاج حياته بمعايير خلاقة وإبداعية تستجيب لمعطيات الواقع، وتتجاوزها في آنٍ. بتعبير آخر مطلوب من الجميع الارتقاء لمستوى المسؤولية الشخصية والأسرية والوطنية والقومية والأنسانية وحماية النفس والأسرة والمجتمع والأقران من بني الإنسان من الوباء والأمراض، وبذات القدر خلق شروط حياة إفتراضية وواقعية جديدة ترتقي لتأمين إحتياجات الإنسان كلها، وبناء إنسان مؤهل لتخطي العقبات والصعاب، وقهر الكورونا ووباءها، ومنح الحياة الإنسانية زخم العيد والمتعة والسعادة، وعودة الدورة الاقتصادية لكامل وهجها وقوتها، وضخ الأمل في عروق البشرية على المستويات كافة.
وكل عام وشعبنا العربي الفلسطيني بخير في الوطن والشتات وداخل الداخل وفي المهاجر، وكل عام وشعوب الأمة العربية والشعوب الإسلامية وشعوب الأرض قاطبة بخير، وعيد مبارك على الجميع، وعلينا أن نقهر الحزن والوباء ونخلق الفرح رغمًا عن الكورونا وتداعياتها... وعيدكم مبارك
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها