مهبط الرسل والأنبياء ومهد الديانات السماوية وقلب العروبة.. جل ما قدمناه لها على مدى 72عامًا مواقف  يندرج بعضها في إطار الإيمان المطلق بها عاصمة أبدية لفلسطين وبعضها في إطار المشاريع  والأجندات لتغدو شعارًا أو جوازًا  للعبور إلى مآرب تبعد كل البعد عنها.

لطالما عمل الاحتلال على طمس معالم القدس عبر حفرياته في المسجد الأقصى وفرض الطوق عليها من كل الجهات، فإنما مشاريع الاستيطان وسرقات الضم المصادق عليها من قبل الإدارة الأميركية برئاسة ترامب وضمن ما سماه "صفقة القرن" ونقل سفارة بلاده اليها لا يغير شيئًا في هويتها.

 تحارب إسرائيل الوجود الفلسطيني بإرثه الحضاري والديني والثقافي سعيًا لاستبدال الإنسان الفلسطيني الأصلي بالمستعمر، وبالتالي فإن الصمود الذي ما زال الشعب الفلسطيني وبعد إثنين وسبعين عاما يسطره في مواجهة تحديات الاحتلال يعتبر بوابة تحرير القدس الأولى وليس المطلوب إلا مساندته قولاً وفعلاً وليس شعارات ومهرجانات وخطابات تحرر القدس يوميًا وهي بقيود الاحتلال مكبلة.

أن العالم إذ يتابع الجرائم الإسرائيلية اليومية بحق  الفلسطينيين فلا يتوقف هدم البيوت والقتل والترهيب والمداهمات والاعتقالات التعسفية وتهويد المقدسات ووضع اليد عليها، فهو أيضًا يتابع مفاعيل جريمة الطرد الجماعي الذي أخرج ملايين الفلسطينيين من قراهم وبيوتهم.. وبالتالي فإن دعم صمود الفلسطينيين يقع أيضًا على عاتق دول اللجوء وبعضها ما زال يحاصرهم في مخيمات تفتقد إلى كل مقومات الحياة.

وإلى أن يطبق القرار 194 القاضي بحق ومطلب الفلسطينيين عودتهم إلى أراضيهم في القدس وكافة البلدات الفلسطينية المحتلة يجب أن يعطى هذا الشعب حقه في الحياة.. فسنوات اللجوء كافية كي يحصل اللاجئ الفلسطيني المقيم على إمتيازات وحقوق مواطن البلد المضيف، وحرمانه منها لا يبرره منطق التوطين بقدر ما يبرره تهرب الدولة المضيفة من القيام بواجباتها وأيضًا عدم احترام الحقوق الإنسانية للإنسان الفلسطيني الذي يعد من ركائز القضية الفلسطينية  التي يجاهر كثيرون بالدفاع عنها، فكيف يصدق فيض العواطف في الكلام عن فلسطين ورفع شعاراتها مع تغييب واقع شعبها المرير في بلداننا وحقوقه المسلوبة مرتين؟

تستوقفنا الظروف القاهرة في مخيمات اللجوء لا سيما في لبنان والتي استضافت في السنوات الأخيرة معاناة اللاجئين الفلسطينيين من سوريا أيضًا لنطلق صرخة في أن صمود هؤلاء هو صمود لفلسطين وقدسها إذا لم نعمل على تعزيزه فنحن لا شك نكون شركاء في الجريمة.

ففلسطين ليست جوازًا نعبر به حيث وحين نشاء، إنما بوصلة معلوم اتجاهها إذا ما تعذرت علينا،  فلنوفر لشعبها مقومات الصمود الكافي بتغليب وحدته وحفظ كرامته وحريته "فلا يمكن سحق الإنسان إذا ما أردنا له وطنًا".