هلْ وصلتْ الرسالةُ التي قالتْها غزّةُ من خلال هذا الخروجِ المَهيبِ للمشاركةِ في مهرجانِ الإحتفالِ بالذكرى الخامسةِ والخمسين لانطلاقةِ حركةِ فتح إلى كلِّ من يعنيهم الأمرُ؟ لم تكنْ تلكَ المشاركةُ مفاجئةً للفتحويّينَ الذينَ يُتقنونَ فنَّ الإنصاتِ لنداءِ فتح، فقدْ علّمتْهُم تجربةُ الانتماءِ لهذهِ الحركةِ أنّها حينَ تنادي أبناءها لا يتخلّفُ منهم أحدٌ، وأوّلُّ من يتقدّمُ الصفوفَ عادةً هم الأبناءُ الذين يشعرونَ بالظّلمِ وعدمِ الإنصافِ، فلا يوجدُ عارٌ يفوقُ عارَ التخلّفِ عن تنفيذِ أمرِ فتح لأبنائها بالنّفيرِ والتوجّهِ إلى الميدانِ الذي تحدّدهُ هي بكلمةِ سرٍّ لا يعرفُ فكَّ رموزِها سوى من تربّى تحتَ جناحِها وتعلّمَ لغتَها. وليسَ سرّاُ أنّ فتح تمتلكُ لغةً خاصّةً بها مخصّصةً لتجميعِ أبنائها وقتَ الشدّةِ، لغةً لا تعرفُ الصراخَ ولا الضجيجَ أو التكرارِ، لكنّها لغةٌ واضحةٌ سهلةٌ وصارمةٌ لا تحتملُ التّأويلَ، ولا يمكنُ لأبناءِ فتح أنْ يُخطئوا في فهمِ كلمةٍ أو أمرٍ أو نَهيٍ يَصدرُ عن أمّهم فتح، حتّى أنّها تكتفي أحياناً بإشارةٍ من إصبِعِها أو إيماءةٍ من عينِها دونَ أن تنطقَ بكلمةٍ، فترى أبناءها يتسابقونَ إليها ليتحلّقوا حولَها ويتشبّثوا بخيوطِ ثوبِها. كانت كلمةُ السرِّ هذه المرّةَ واضحةً وحاسِمةً: إنزعوا من عقولِ الأعداءِ وتلامذتِهم الوهمَ الذي يصوّرُ لهم أنَّ فتح يمكنُ أنْ تحني هامتَها لغيرِ اللهِ والشّعبِ والوطنِ! ومنْ أولى من غزّةَ بتنفيذِ أمرِ فتح؟ ألمْ تتشكّلْ بداياتُها في ظلالِ العلاقةِ الحميمةِ التي تربطُ غزّةَ بالبَحرِ وما فيهِ من ألمِ الرحيلِ وانتظارِ عودةِ الأحبّةِ كلَّ صباح؟ أليست غزّةُ محطّةَ استراحةِ أبو عمّار وهو في طريقِ العودةِ من المنفى لينامَ على صدرِ الوطنِ؟ لا أحدَ يمكنُ أنْ يقومَ بالمهمّةِ مثلَ غزّةَ، لذلكَ قالت كلمتَها وقُضيَ الأمرُ، فهلْ وصلتْ رسالَتُها؟
في الذكرى الخامسةِ والخمسينَ لانطلاقةِ فتح وقيادتِها لمسيرةِ شعبِنا نحو الحريّةِ، ها هي غزّةُ تجدّدُ شبابَ الحركةِ الرّائدةِ فيخرجُ للاحتفالِ بميلادها صبيةٌ وشبّانٌ وصبايا بلغَ معظمُهم سنَّ الرّشدِ في ظلِّ حكمِ الانقلابيّينَ وما يمارسونَهُ من شتْمٍ وتخوينٍ وملاحقةٍ وتشويهٍ لكلِّ ما يمتُّ لفتح بٍصلةٍ. لم يعرفوا فتح "عنْ قربِ" لكنّهم بارعونَ بالتعرّفِ على ملامِحها وتَتبّعِ خطواتِها، تماماً كما يحفظونَ عن ظهرِ قلبٍ ملامحَ جفرا الكنعانيّةِ وتضاريسَ أزقّةِ وحاراتِ بيروتَ وصبرا وشاتيلا وعين الحلوةِ دونَ أن تطأها أقدامُهم، أو مثلما يرسمونَ وأعينُهم مغمضةٌ صورةَ أبو عمّار، وهم الذينَ يتّمَهُم "الختيارُ" عندما كانوا في عُمرِ الزّهورِ أو قبلَ ذلك، لكنّهُ خصّهم بمهمّةِ رفعِ علمِ فلسطينَ يوماً فوقَ أسوارِ ومساجدِ وكنائسِ القُدس. لمْ يأمرْهُمْ أحدٌ بالخروجِ إلى الميادينِ، فلا سُلطةَ لفتح في غزّةَ يمكِنُها أنْ تجبِرَ أحداً على الالتزام بتنفيذِ أمرٍ أو إنجازِ مهمّةٍ سوى سُلطةِ الانتماءِ ورفضِ الذلِّ. لذلكَ تسابقت قوافلُ الغزّيينَ أطفالاً وشيباً وشباباً، نسوةً ورجالاً من أجلِ الوصولِ إلى ساحاتِ غزّةَ رافعينَ راياتِ فتح ، وهُم على يقينٍ أنّ هذا سيثيرُ حفيظةَ عَسَسِ إمارةِ السّوءِ، وهي التي لا تتقبّلُ رأياً معارِضاً لرأيِ "أئمّتِها" الذينَ احترفوا الكذبَ والتضليلَ وتوزيعَ تهمةِ الكُفرِ والخيانةِ على كلِّ من يختلفُ مع نهجهِم التدميريّ. خرجتْ غزّةُ ونفضت غُبارَ الخوفِ والتّردّدِ عن جباهِ أبنائها وبناتِها، فهل وصلت رسالتُها؟
يعي الفتحويّونَ أكثرَ من غيرهِم حجمَ المصاعبِ التي تعترضُ عملَهم ونشاطَ أطُرهم الحركيّةِ في ظلِّ الواقعِ المعقّدِ الذي تعيشهُ غزّةُ وأهلُنا الصامدونَ فيها بعد أكثرَ من ١٢ عاماً من انقلابِ حماس على الشرعيّةِ الوطنيّةِ. ولا يغيبُ عن أذهانِنا أنَّ أبناءَ فتح قد دفعوا ثمناً باهظاً مقابلَ تمسّكهم بانتمائهم للحركةِ ودفاعِهم عن الشرعيّةِ ضدَّ محاولاتِ اختطافِ تاريخِ الحركةِ على يدِ الفاسدينَ من جماعةِ "المفصولِ" الذي تحوّلَ بقدرةِ قادرٍ إلى حليفٍ للانقلابيينَ يستغلّونَهَ في سعيِهم لإثارةِ الفتنةِ بينَ أبناءِ الحركةِ وزعزعةِ ثقتِهم بقيادتِهم. لكنَّ حشودَ المشاركينَ في مهرجانِ الانطلاقةِ لم تتوقّفْ عندَ الصَغائرِ، ولم تُعر انتباهاً حتى إلى الإجحافِ الذي تعرّضَ له الفتحويّون في غزّةَ بسببِ بعضِ القراراتِ الظالمةِ والإجراءاتِ التي طالتْ مخصّصاتِهم قبلَ أنْ تطالَ سُلطةَ الانقلابيّين. خرجت جماهيرُ غزّةَ رافعةً صورَ الشهيدِ سميح المدهون، وهي بذلكَ تقولُ "للمفصولِ" وللانقلابيينَ: ليسَ منّا من ينسى الثّمنَ الذي دفعهُ أبناءُ فتح وقادتُها على مذبحِ جريمةِ الانقلابِ! كما رفعَ الفتحويّونَ يافطاتٍ تحملُ صورتَيْن متلاصقتَيْنِ للقائدِ الشهيدِ بهاء أبو العطا ولرئيس جهاز المخابراتِ العامّةِ اللواء ماجد فرج، وكأنّها تقولُ لمحترفي الكذبِ في قيادةِ حماس: كفّوا عن الدّجلِ! فلا أحدَ يصدّقُ رواياتِكم التي تحاولون التلطّي وراءها خجلاً من سوءِ أفعالِكُم! فهل وصلت الرّسالة؟
*على الإدارةِ الأمريكيّةِ وحكومةِ الاحتلالِ أنّ تُعيدا حساباتِهما وتتخلّصا من وَهْمِ فَصْلِ غزّةَ عن الوطنِ، فلن تستطيعَ قيادةُ الانقلابِ في غزّةَ فرْضَ مشروعِ الدُّوَيلَةِ المسخِ، ولنْ يمرَّ أيُّ مخططٍ ينتقصُ مثقالَ ذرّةٍ من حقوقِ شعبِنا المشروعةِ في وطنِه. هذهِ هي الرسالةُ الأشدُّ اختصاراً والأكثرُ حَزْماً التي وجّهَها أهلُنا في غزّةَ إلى الواهمينَ بإمكانيّةِ تمريرِ "صفقةِ القرنِ" من بوّابةِ غزّة، فهلْ وصلت الرّسالة؟
٢-١-٢٠٢٠
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها