ليست جامعةُ بير زيت كغيرِها من جامعاتِ الوطنِ، فهي أكثرُ من مجرّدِ مؤسّسةٍ تعليميةٍ خّرّجَتْ أجيالاً من الشابّاتِ والشُّبانِ الذين عملوا ويعملونَ على بناءِ أسُسِ الدّولةِ الفلسطينيّةِ القادمةِ لا محالة. جامعةُ بير زيت هي حاضنةُ الحركةِ الوطنيّةِ في الوطنِ المحتلِّ ورائدةُ الفكرِ المقاومِ، وهي ساحةُ الحوارِ الديمقراطيِّ وتجربةُ الحركةِ الطلّابيةِ في التنافسِ على تقديمِ الخدماتِ المهنيّة للطلبةِ، كمُقدّمةٍ للمُنافسةِ السياسيّةِ بعدَ التخرّجِ. وقد ظلَّ هذا الدّورُ محلَّ إجماعٍ بين القوى والفصائلِ الوطنيّةِ والمستقلّينَ لعُقودٍ عديدةٍ من الزّمنِ، وهو ما ساهمَ في توفيرِ أرضيّةِ الحوارِ الوطنيّ في اللحظاتِ الصّعبةِ، حيثُ ينتشرُ خرّيجو بير زيت في كافةِ التنظيماتِ والقوى ويحملونَ معهم تجربةَ الحوارِ والتنافُسِ ضمنَ حدودِ الالتزامِ الوطنيِّ التي اكتسبوها خلالَ سنواتِ الدّراسةِ. هذا هو دورُ الجامعةِ العريقةِ الذي حافظتْ عليهِ رغمَ محاولاتِ حَرفِ مسارِها لتتحوّلَ إلى حلبةِ صراعٍ تتحكّمُ بهِ وتديرُهُ بعضُ القوى التي لا تؤمنُ لا بالحوارِ ولا بتداولِ السّلطةِ مَهْما كانَ مستواها، ولا تعترفُ بالآخرِ كمُنافسٍ أو نِدٍّ، وإنّما تضعُ كلَّ من يعارضُ رأيَها في خانةِ الأعداءِ.
ما يثيرُ الاستغرابَ في الآونةِ الأخيرةِ هو لجوءُ أنصارِ الجبهةِ الشّعبيّةِ لممارساتٍ لا تمتُّ بأيّةِ صِلَةٍ إلى ما يتبنّونَهُ في العلَنِ من آراءٍ وأفكارٍ، وبِشكلٍ يتناقضُ مع تاريخِ هذا التّنظيمِ الوطنيِّ الذي ساهمَ ضمنَ أُطرِ منظمةِ التحريرِ الفلسطينيّةِ والمؤسّساتِ النقابيّةِ والمهنيّةِ في تعزيزِ ثقافةِ الحوارِ واحترامِ الرّأيِ الآخر. فما الذي تغيّرَ حتّى يلجأ الرّفاقُ من طلبَةِ بير زيت إلى الاعتداءِ على الفتياتِ مَهْما كانت الذرائعُ التي يسوقونَها لتبريرِ هذا الاعتداءِ؟ ومَن المستفيدُ منَ الإصرارِ على إفسادِ الحياةِ الطلّابيّةِ في هذهِ القلعةِ الوطنيّة؟
ما هكذا تُوردُ الإبلُ يا أبناءَ الحكيمِ وأبو علي مصطفي ويا رفاقَ سعدات! لن تَجْنوا من كلِّ هذهِ الممارساتِ العبثيّةِ سوى المزيدِ من العُزلةِ وانحسارِ دورِكُم الوطنيِّ الذي كانَ رديفًا لمسيرةِ الجبهةِ سابقاً والذي يحاولُ بعضُ المُغامرينَ من قليلي التّجربةِ وفاقدي البصيرةِ والحِكمةِ الاستعاضةَ عنهُ برَبْطِ مصيرِ الجبهةِ ومواقفِها بقوى الظلامِ والتّخلّفِ والتعصّبِ الأعمى داخلَ الوطنِ وفي الإقليمِ، وهو رَبْطٌ لنْ تكونَ نهايتُهُ سوى نهايةِ استقلاليّةِ الجبهةِ ومُصادرةِ قرارِها وتبديدِ تاريخِها على مذبحِ اللهاثِ خلفَ سرابِ التحالفاتِ مع تلكَ القوى. لقد كانَ الأحرى بالجبهة الشعبيّةِ بدلاً من هذا التوتيرِ للعلاقاتِ الوطنيّةِ الدّاخليّةِ أنْ تتوقّفَ أمامَ المخاطِرِ التي تُهدّدُ المشروعَ الوطنيَّ برُمّتهِ من خلالِ "صفقةِ القَرْنِ" وما توفّرهُ الإدارةُ الأمريكيّةُ من مظلّةٍ لزيادةِ وتيرةِ الاستيطانِ وتصعيدِ العدوانِ الإسرائيليِّ ضدَّ شعبِنا، لكنْ يبدو أنَّ همومَ شعبِنا هي آخرُ ما يفكّرُ بهِ العابثونَ بتاريخِ جامعةِ بير زيت.
*لتتوقّفْ محاولاتُ الإساءةِ إلى تاريخِ جامعةِ بير زيت، جامعةِ المناضل الكبيرِ حنّا ناصر، ولنْ يرحمَ شعبُنا منْ يعملُ على إشعالِ نارِ الفتنةِ في هذا الصّرحِ العلميّ والوطنيِّ العريق.
٣٠-٩-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.
#إعلام_حركة_فتح_لبنان
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها