كتبت ومنذ أشهرٍ عدة مقالاً بعنوان "جيل ينتظر التكريم" تحدثت فيه عن أهمية تكريم قدامى المناضلين خاصة أننا جميعاً مدينون لهم بنضالهم وتفانيهم حفاظاً على قضية شعبٍ مظلوم وانتصاراً لهويته وبقائه.
ومع استمرار العمل الوطني ومراحله المختلفة وصولاً إلى تحدياتٍ وأخطارٍ محدقة فإن الأولويات ربما تتغير بصورة تفتح النار على الحركات الرائدة التي تقود دفة العمل الوطني لاتهامها بالتقصير بوفائها للجيل المؤسس من مناضليها وأسراها وجرحاها وكل شهدائها دون اعتبارٍ لما راكمته هذه الحركات من إرثٍ وتاريخ مشّرف وكأن التاريخ قد بدأ عند جموع المنتقدين والمزاودين.
لكن نظرة متأنية في مسيرة العمل الوطني الفلسطيني تؤكد ترابط مسيرة الوفاء حتى مع تغيير الوسائل والسبل النضالية. فرغم كل الضغوط الإسرائيلية والدولية لدفع الحركة الوطنية لإعلان طلاقها المعنوي والإعلامي لتاريخها إلا أننا لم نشهد تردداً ولو للحظة في الحديث الأصيل عن التاريخ الحافل لحركات المقاومة الفلسطينية. هذا لا يعني أن غباراً لا يعتلي المسيرة الوطنية هنا وهناك قد يؤجل تكريماً هنا ولمسة وفاءٍ هناك.
لذا فإن قرار القيادة الفلسطينية بتكريم الرعيل المؤسس وجيل المقاتلين والأدباء والعلماء ليس اعتباطاً وإنما تأكيداً على ترابط الأجيال وعدم رضوخها لمن يحاول أن يشطب ذاكرتها وتاريخها وإرثها النضالي التراكمي.
نعم, نعيش أحياناً محطاتٍ من الجحود لكن أبطالها ليسوا إلا جزءًا من منظومة مارقة لا ترى أبعد من أنفها. أما الأصيلون فهم أولئك الذين يقدرون تاريخهم لينسجوا الدروس والعبر التي ترسخ احترام أبنائهم لهم ليس نتيجة وفائهم فحسب وإنما لإعطاء العبرة بأن الوفاء يجب أن يبقى سيرة مستمرة لا تنضب ولا تندثر.
وفاء القيادة لكل من خدم الوطن هو وفاءٌ لذاتها واحترام لنفسها وتأكيدٌ على ثوابت الإخلاص الوطني وردٌ على كل مزاودة هنا ومهاترة هناك.
وبتكريم القيادة الفلسطينية قبل أيام لممدوح صيدم (أبو صبري) وخليل الوزير (أبو جهاد) وخالد الحسن (أبو السعيد) وفيصل الحسيني بمنحهم وسام نجمة الشرف من الدرجة العليا فإن الباب قد فتح لتكريم المزيد من أبناء الرعيل المؤسس ممن قدموا زهرة شبابهم وجل حياتهم وفاءً للوطن والهوية وإيماناً بالنصر.
فشكراً للقيادة الفلسطينية التي فتحت الباب لتغلق به أبواقاً كثيرة شككت بوفائها وغيرتها على مسيرة أبنائها من جرحى وأسرى وشهداء. شكراً لأنها تضرب اليوم درساً لأبنائنا من دروس الإخلاص لتعلمهم أهمية الوفاء لغيرهم ولكل من يقدم للوطن وأهله.
ولعل أفضل محطات التكريم أن يهدى ممن استلموه وأنا منهم للشهداء والجرحى والأسرى تقديراً للوطن الذي زرعوه فينا فخلقوا إصراراً يهتدي إلى "نصر من الله وفتح قريب" بالعمل والأمل وكثير من الوفاء.
رحم الله الذين قضوا والذين مضوا والذين لا ينقضي ولا يمضي من صدورهم الوفاء.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها