أرسلت استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري يوم السبت إشارات تجاوزت حدود لبنان، ونعتقد يقيناً أنَّ كل فلسطيني معني باستقرار النظام السياسي الفلسطيني سيتلقّف الإشارة، ويقرأ كل مفردة بعمق، ولم لا فقد نستوعبها أكثر إن قرأنا ما بين سطور بيان الاستقالة.

رفع الحريري مستوى الإنذار إلى أعلى درجاته، محذِّراً من توغُّل إيران في بلدان عربية وتعزيز سيطرتها عبر إنشاء سلطات موازية للسلطات الرسمية الشرعية، فالحريري وهو يرى تجربة سوريا والعراق ماثلة أمامه كما قال في بيان استقالته، لا يمكنه أن يكون بصمته كمن يساهم بتسهيل الطريق أمام قوى إقليمية للتحكم بسياسة بلاده ومصالحها التي تضررت مع دول عربية كبيرة، بسبب ولاءات وسياسات وارتباط (قوى لبنانية) العضوي بإيران.

تبدو صورة السلطة في لبنان مشابهة إلى حد كبير لصورة أوضاع السلطة عندنا، وهذا الأمر هو ما يجعلنا نفهم أبعاد استقالة الحريري، ومسارعته إلى دق ناقوس الخطر، فالرجل لم يستطع غضَّ الطرف وهو يرى تنامي (سلطة) داخل السلطة الشرعية الرسمية المعترف بها، وتضييق سيادة الدولة على البلاد، مقابل توسيع سيطرة السلطة الموازية، والحلول مكان سيادة الدولة وقرارها في القضايا المصيرية والشؤون الخارجية، والانفراد بقرارات الحرب، وتوتير العلاقة مع دول الجوار بتحالفات مع قوى إقليمية، يعتقد الحريري إنها ليست في حالة صراع مع حكومات دول عربية كبرى وحسب، بل مع "الأمة العربية" كما قال، وهو بذلك يعبر عن موقف الكثير من أغلبية اللبنانيين المؤمنين بعروبتهم، وبلبنان كجزء من الوطن العربي.

أوجه الشبه بين ما حدث ويحدث في لبنان وما زال قائماً عندنا هو ما يجعلنا نقرأ بيان سعد الحريري على أنه إعلان لاستعادة قرار الدولة السيادي، ووحدانية السلطة ومؤسساتها الشرعية الرسمية، وسلاحها، لأن البديل صراع داخلي لا يستفيد منه إلا أعداء البلاد، وقد يكون منفذاً واسعاً وسهلاً، يمكن قوى إقليمية من بلوغ أهدافها.

نحن قلنا لحماس، إنَّ وحدانية السلطة الوطنية الفلسطينية وقيادة مؤسساتها، والنظام السياسي والقرار السيادي، ووحدانية الحكومة، والقانون، والنظام السياسي، والسلاح، السبيل لحماية الوحدة الوطنية والجبهة الداخلية الفلسطينية ومنعها من الاختراقات، من دولة الاحتلال أو من قوى إقليمية تسعى دائمًا إلى استغلال ورقة القضية الفلسطينية واستثمارها في غير اتجاه مصالح الشعب الفلسطيني، أي بوضوح شديد لتحقيق مصالحها المتعارضة مع مصالحنا الوطنية ومصالح امتنا العربية.

قد تكون استقالة الحريري فاتحةً لتحولات درامية قد تشهدها المنطقة، وتحديداً فيما يخص تحجيم النفوذ الإيراني، ومضاعفة الضغوط على أحزاب وجماعات تابعة لإيران أو مرتبطة بشكل أو بآخر بوريد مالي ولوجستي ومذهبي أيضاً! وقد لا تنجُ فلسطين من مخاطر هذه التحولات، وتحديداً قطاع غزة، إذا لم تسارع "حماس" والفصائل الفلسطينية المسلَّحة المفاخرة بعلاقتها مع إيران أو قوى إقليمية أخرى، إلى الانضواء تحت راية الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني منظمة التحرير الفلسطينية، والعمل على تنفيذ اتفاق القاهرة 2011 وكذلك الاتفاق الموقع قبل نحو الشهر، لصون وحماية ووقاية الحالة الفلسطينية من أية تداعيات، فالقوى الإقليمية ستتخلّى عن "حماس" عند أول انعطاف في مسار الوضع الأمني في المنطقة، لكن "حماس" بإمكانها أن تفك ارتباطاتها وتتخلّى عن مصالح آنية ضيّقة ليست دائمة، وتلجأ إلى مظلّة النظام السياسي الفلسطيني، وبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية، حيث يتمُّ النضال والعمل على تحقيق المصالح الوطنية العليا الشعب الفلسطيني، وبذلك نكون كمن استخلص العبر من تجارب الأشقاء، وأعطينا دروساً للأشقاء العرب في اتقاء عواصف الصراعات الدولية الكبرى التي قد تخنقنا برمادها ودخان نيرانها وغبارها إن لم تُسلَّط علينا مباشرةً لا سمح الله.