منال خميس:

ما إن تدخل شارعاً حتى تراه يكادُ يكون مغلقاً بمئات السيارات التي تصطف على جانبيه، وعشرات التكاتك، والدراجات النارية، وسيارات الإسعاف والدفاع المدني، والميكروباصات، العديد من المواطنين، رجالاً ونساءً وأطفالاً، الذين يحملون جالونات فارغة ومواتير توليد الكهرباء، فتعتقدُ بأن حرباً قامت وبأن كل أهل غزة احتموا بهذا المكان، لتتأكد بعد قليل أنك قرب محطة وقود ليس إلاّ.

 

أزمة الوقود تُحدِث شللاً بغزة

أحد المواطنين صاح بمجرد أن رأى الكاميرا: "يا عمي طفح الكيل، زهقنا، مرات بنبات هون طول الليل، ولما يوصلنا الدور بيكون البنزين خلص. الغلاء والكهرباء والبنزين والمخفي أعظم، لازم الحكومة تشوف حل، أي حد يشوف أي حل، حرام الّلي بيصير فينا".

غير أن هذا المشهد الذي يتكرَّر يومياً وعلى مدار الساعة، يكاد يحتل مركز الصدارة في الشارع الغزي،  فجميعهم في انتظار الحصول على الوقود الذي بدأ يشح يوماً بعد آخر، إثر تدمير السلطات المصرية للأنفاق الحدودية الجنوبية المحاذية لمصر، مما قضى على أهم مصدر لاقتصاد حماس، وأغلقَ المنفذ الرئيسي الذي كانت تمر منه البضائع المهربة، ويمر عبره الوقود المصري رخيص الثمن الذي كانت حماس تتلقى عشرات الآلاف من اللترات منه في اليوم بسعر 3 شيكل للتر الواحد.

وعلى الرغم من بدء دخول الوقود الإسرائيلي إلى قطاع غزة بكميات محدودة أيضاً، إلا أنه لا يعدُّ بمتناول الجميع بسبب ارتفاع ثمن المتوفر منه إلى أكثر من الضعف، وبالتوازي مع ذلك فإن المخزون الاحتياطي من الوقود المصري الرخيص آخذ في النفاذ، على الرغم من أن محطات وقود معينة هي التي تقوم بتوزيعه، وبآلية معينة لا تكاد تكون منصفة، ولا تكفي حاجة المواطنين.

من جهته ينوِّه رئيس اتحاد شركات محطات البترول محمود الشوا أن كميات الوقود التي تدخل إلى قطاع غزة لا تكاد تكفي حاجة السكان مؤكداً شلل الحياة في القطاع بسبب نقص الوقود والمحروقات.

ويضيف الشوا للـ"قدس": "نحن تأثرنا جداً بالأحداث في مصر، إذ إنَّ شللاً تاماً يكاد يقضي على الحياة المدنية في قطاع غزة. فقد شُلَّت كافة القطاعات الإنتاجية والصناعية والزراعية، وغيرها بسبب نقص الوقود. إلا أننا، وعلى الرغم من ذلك، استطعنا إدخال محروقات من إسرائيل عبر مكتب الهيئة العامة للبترول برام الله. والآن يتوفر السولار والبنزين في المحطات، ولكن لا يستطيع دفع ثمن هذه المحروقات سوى 30% من المواطنين بسبب ارتفاع أثمانها، فـلتر البنزين يصل للمواطن بـ"7,10 شيكل"، ولتر السولار بـ"6,30 " شيكل، ومن هنا فلا مجال للمقارنة بين أسعارها وأسعار المحروقات المصرية".

ويتابع الشوا: "كذلك فهناك أيضاً أزمة غاز متواصلة من سنة ونصف، والكميات القليلة التي تدخل القطاع، تُوزَّع فوراً على محطات الغاز المنتشرة حسب التوزيع السكاني والجغرافي. لذلك فليس هناك مخزون على الإطلاق، لأن جميع ما يدخل يتم توزيعه فوراً، علماً بأنه لا يفي بالغرض أساساً، حيثُ أنه يغطي 60% من الاحتياجات فقط".

إشكالية تتجلى في كافة مناحي الحياة

أمَّا القطاع الزراعي فبدوره كان له صرخة مدوية، إذ ناشد عدد من المزارعين الجمعيات والتعاونيات والاتحادات الزراعية مد يد العون لهم، لتوفير الوقود اللازم لتشغيل مضخات المياه من باطن الأرض لري مزروعاتهم. وأكد المزارع وائل كريّم للـ" قدس" أن عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل مضخات الري أضرّ جداً بمزروعاتهم، مضافاً إليه ارتفاع سعر السولار الإسرائيلي، الذي بدؤوا يستخدمونه مؤخراً، ما أدى لتكبيدهم خسائر فادحة بسبب انخفاض أسعار الخضار.

وأوضح كرّيم أن جميع المزروعات باستثناء القمح والشعير التي تعتمد على مياه الأمطار، تحتاج إلى ري بشكل يومي، مثل الخيار والبندورة والباذنجان والفلفل والملوخية وباقي الخضراوات، الأمر أصبح مستحيلاً في ظل أزمة الوقود اللازم لتشغيل السيارات، والجرارات ومولدات الكهرباء وموتورات رفع المياه، مما زاد من الأعباء المالية، لافتاً إلى أن القطاع الزراعي سيشهد أزمة حقيقية إذا ما استمر شح الوقود وارتفاع أسعاره، وخصوصاً بالنسبة لمعاصر زيت الزيتون التي سيبدأ عملها مع حلول موسم قطف الزيتون.

 

من جانبه أفاد المواطن سمير حامد، إلى أن مزارع الدواجن والفقاسات، تواجه معضلة كُبرى حالياً، وكذلك ومستقبلاً إذا ما حلّ فصل الشتاء دون حلول لشح الوقود وعدم قدرتهم على استهلاك الوقود الإسرائيلي.

ورغم أن حامد يمتلك مزرعة للدجاج في مدينة دير البلح وسط القطاع، إلا أنه يؤكِّد أن مدخول بيض الدجاج من مزرعته، أصبح لا يوازي تعبه وخسارته، إذ أن إنتاج الدجاج من البيض أصبح لا يغطي ارتفاع أسعار العلف، والسولار الذي يستخدمه لتشغيل المولدات الكهربائية التي تدفئ، وتضيء المزرعة بسبب الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي.  

هذا ولم تنجُ شريحة صيادي الأسماك، من فخ أزمة الوقود اللازم لمراكبهم. وكشف الصياد أنور المقداد للـ"قدس" أن مركب الصيد يحتاج إلى ألف لتر يومياً، في حين يحتاج "اللنش" إلى 300 لتر من السولار يومياً، وتحتاج المراكب التي تعمل على البنزين حوالي 50 لتراً يومياً، مشيراً إلى أنهم كصيادي أسماك لا يستطيعون دفع ثمن الوقود الإسرائيلي، وهم الآن" على فيض الكريم لا صيد ولا من يحزنون" على حد تعبيره.

أمَّا المواطن خالد عطاالله فقال للـ"قدس": "نضبط ساعاتنا على رأس كل ساعة، حيث يتم تشغيل المولد الكهربائي لتشغيل المِصعَد، لمدة ربع ساعة فقط، بسبب شح الوقود ، وبهذا التوقيت يمكننا فقط الصعود أو النزول من شقتنا في الدور الـحادي عشر من البرج".

واللافت أن أزمة الوقود لم تستثنِ أحداً حيثُ أن القطاع الصحي والسائقين، والصناعيين والخياطين والحرفيين والصحافيين، والطلبة، وكافة شرائح المواطنين، تضرروا بشكل جسيم جرَّاء شح الوقود الذي أثَّر على هذه الشرائح لاستخدامه سواء لتشغيل سياراتهم وآلاتهم، أو لتشغيل مولدات الطاقة البديلة عن التيار الكهربائي، الذي يمتد لأكثر من 12 ساعة يومياً، أو بارتفاع أسعار النقل والمواصلات.

في حين أن مواطن من المنطقة الحدودية الجنوبية، قال للـ"قدس"، في إطار تعليقه على ألأوضاع الراهنة، إن "هدم الأنفاق أضرّ كثيراً بحماس التي ستضطر إلى استيراد الوقود الإسرائيلي بتكلفة مضاعفة عن السعر المصري، دون القدرة على جمع ضرائب إضافية من المواطنين الذين طفح كيلهم" مؤكِّداً أن عمليات التهريب من مصر عبر بعض الأنفاق ما زالت مستمرة رغم محدوديتها ومشيراً إلى أن الكميات التي تتوفَّر تُوزعَّ بشكل غير عادل، ويستفيد منها بالأغلب عناصر حماس.